لن نكون منصفين إذا اصطففنا إلى جانب الأستاذ  وحده في محنته ( لا نقصد الأستاذ عينه)، ولن نكون أكثر إنصافا لو انْحزنا إلى حوزة الطفلة المتمدرسة، التي ظهرت زرقاء العينين منتفختهما، وهي الصورة التي لا يملك أدنى حس إلا أن يتعاطف معها، ويدين صاحب فعلتها مهما كان. الأمر يتجاوز الطرفين اللّذين “كُتب” لهما أن يتقاطعا هذا التقاطع الذي طالما انتظره كثيرون، التقاطع الذي صنعت منه العناوين الكبرى وشغل الناس  بها.

كتب لهما أن يعتليا شاشات الفضائح والتشهير، وتلوك أخبارهما الأفواه ماضغة الكلام؛ ويزلقهما كمّ غفير من متصيّدي الهفوات والزلات وصيادي السلاحف في الماء العكر، وقد أعرضوا ( تواطؤا) عن كثير ممن يستحقون الإعلام بهم وبما يعملون. تركوا كل ذلك، وانهالوا جلدا على ظهور من يرعى فلذات أكبادهم. (إِن كانت لهم حقا أكباد).

المشهد المحزن ذاته تتابعه ألوف من القلوب المؤلفة، التي ماتت كمدا وهي تتابع هذا الفصل المأساوي من محاكمة السيدة ” المدرسة”، وهي تتقدمّ مصفّدة اليدين، ويوقفوها في قفص الاتهام وحيدة، دون باقي المتّهمين، تصارع سهام التنقيص والتحقير والأهوية المسمومة التي تنبعث من الذين في قلوبهم مرض والنابلون والحابلون، مغتنمين “سقوط” المدرسة، يريدون كشف سوءتها، وقد فعلوا.

الأمر أكبر من ذلك بكثير ، والمشهد مهول جلل ، إنها “تربيتنا” على المحك، هي من يحاكم وليس الأستاذ (بغض النظر كونه فعل أم لم يعملْ) هي المؤسسة التربوية تُمرّغ كرامتها (ومعها كرامتنا) في التراب، وتوضع في موقف ينهدّ له توبقال. (المريد يبعث بشيخه إلى القبو!).

كان من الصائب ألا توضع الأطراف جميعها في هذا الموقف المأسوف عليه، الذي كان يجب ألا يقع وألا يُنظر فيه من خلال عدسة حدباء، فتجاوز حجمه الذي كان يجب ألا يتجاوزه مهما كانت ملابساته . وبعد أن وقع، شمت الشامتون وركبه أصحاب المروءة الدنيا من الذين مسحت المدرسة “مخاطهم” فنسوا لها هذا الجميل، وأنطقتهم بعدما كانوا بُهما عُجما لا يفقهون، يعيشون خارج التاريخ ، قبل أن يمسكوا اليراع وينضموا إلى هيئة البشر.

هل كان حتما أن “تزلّ” المدرسة ، لنعرف كم نحن وقحون، ونتأكد تمام التأكد أننا نتقن نكران الجميل، ونجحده جحودا، وأننا بحرفية عالية ومهنية نقبّل اليد التي تضربنا ، لا اليد التي تقوم اعوجاجنا.