عجيبة ما يسمى “ديمقراطية المغرب” التي تخضع لخصوصيات غير ديمقراطية.

 والنخب السياسية في المغرب التي تؤثث الحكومة المغربية، بـ”زعامة” نخبة التقدم والاشتراكية النبيلة، تفتقت عقريتها مرة أخرى لضرب حقوق الانسان التي تتشدق بها نخب النظام السياسي.. و طرحت على لجنة العدل والتشريع  مشروع قانون رقم 15. 73 يقضي بـ”تجريم التشكيك في الخيار الديمقراطي” في إطار التعديلات المزمع إدخالها على القانون الجنائي. و يقضي هذا المشروع الغريب بمعاقبة المشككين في ما يسمى “ديمقراطية المغرب”، التي لا مثيل لها في العالم، بعقوبة سجنية بين سنة و ثلاث سنوات سجنا نافذا مع غرامة مالية ما بين 20 ألف درهم و 100 ألف درهم. المشروع صادقت عليه الحكومة بمبرر أن “الخيار الديمقراطي” ضمن ثوابث الأمة إلى جانب الملكية و الوحدة الترابية و و الدين الإسلامي.   

لا يهمنا سحب أو عدم سحب الأغلبية لهذا لتعديل مشروع القانون الجنائي هذا من مناقشته في البرلمان.. ما يهمنا هو العقلية “السياسية” التي أنتجت هذا المشروع. و هي عقلية استبدادية. و لا أقول ذلك جزافا.

إن  المغربي الذي نعتبره نظاما يركب دستوريا و مؤسساتيا و في الممارسة السياسية بين الشريعة المستمدة من كلام الله (القرآن) و السنة (أحادث النبي) و بين القانون الوضعي الانتخابات، البرلمان، الحكومة، إن هذا النظام يعمل على تغيير الأحزاب السياسية لتصبح على صورته. 

وهذا ما جرى لحزب التقدم و الاشتراكية و لأحزاب يسارية أخرى قبله..   

المثير في هذا البلد هو أن الحكومة التي انبثقت عن برلمان انتخبه افتراضا الشعب المغربي لم تتجاوز 3 ملايين ونصف، تبيح لنفسها بلورة مشاريع قوانين وفق مزاجها دون الرجوع إلى ما التزمت به خلال الحملة الانتخابية و وعدت به الناخبين و الناخيات.

العقلية التي أنتجت مثل هذا المشروع  أصبحت تعتبر “ثوابث” النظام السياسي مقدسة. خرج المقدس الذي يقدس الأشخاص و المؤسسات في النظام السياسي من باب الدستور و عاد من نافذة الحكومة. لقد اعتبرت الحكومة، وفق عقليتها، أن “الاختيار الديمقراطي” الذي جاء في آخر “ثوابث الأمة” بعد “الدين الإسلامي” و “الوحدة الوطنية متعددة الروافد” و “الملكية الدستورية” ثابتا مقدسا. و هذا ما جعل الحكومة تطرح هذا “مشروع تجريم لتشكيك في الاختيار الديمقراطي” على طاولة البحث الحكومي و تودعه لدى لجنة العدل و التشريع.. و أصبحت بذلك هذه الثوابث مقدسة. من يمس بها مصيره السجن.

في حين أن الديمقراطية كما هي متعارف عليها في المواثيق الدولية، و هي غير متوفرة في المغرب، مرتبطة عضويا بحقوق و بمبادئ الحرية و حرية الرأي و الحق في الاختلاف و حرية العقيدة و حرية الفكر.

وبالمناسبة عندما نقول أن الدستور المغربي لا يضمن احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا فإننا لا نفتري أو نجانب الحقيقة. لإن الصيغة التي جاءت في الفصل 19 تثبت ذلك. يقول هذا الفصل: “يتمتع الرجل و المرأة، على قدم المساواة، بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، و في مقتضياته الأخرى، و كذا في الاتفاقيات و المواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور و ثوابث المملكة و قوانينها”..

أذن هذا الفصل 19  ينتصر للثوابت، لأن حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا و الاتفاقيات و المواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب‏، تخضع إلأحكام الدستور و ثوابت المملكة و قوانينها.  

وبالتالي تجد هذه الحقوق و الحريات نفسها مقيدة و خاضعة لما يسمى ثوابث دستورية. مما يفرغها من مضمونها و من أهميتها التربوية للارتقاء بمؤسسات الدولة و بالمجتمع و بالمواطنات و المواطنين إلى وعي ديمقراطي و إلى ثقافة ديمقراطية يحترمون ممارسة هذه الحقوق و الحريات و يناضلون ضد كل ممارسة من الدولة أو غيرها تخرقها.

المثير في هذا البلد هو أن الحكومة التي انبثقت عن برلمان انتخبه افتراضا الشعب المغربي لم تتجاوز 3 ملايين ونصف، تبيح لنفسها بلورة مشاريع قوانين وفق مزاجها دون الرجوع إلى ما التزمت به خلال الحملة الانتخابية ووعدت به الناخبين والناخيات. وكان بليغا تعبير ممثل عن جماعة “العدالة و التنمية” حين صرح في برنامج تلفزيوني أنهم “أغلبية صاحب الجلالة” و رد عليه إدريس لشكر “و نحن معارضة صاحب الجلالة”. فـما يسمى الأغلبية التي لا يتجاوز عدد الأصوات التي حصلتها احزابها الاربعة في الانتخابات 3 ملايين صوت، ليست أغلبية منبثقة حقيقة من إرادة الشعب الذي يتجاوز المواطنات و المواطنين الذين لهم حق التصويت 24 مليون ناخب و ناخبة على أقل تقدير. 

 وآخر الكلام هو أن الديكتاتوريات هي التي تجرم في قوانينها و ممارساتها هذه حقوق الإنسان و الحريات و نقد “ديمقراطية” النظام السياسي. لأن الأنظمة الديمقراطية إن كانت جمهورية فهي تسمح بإنشاء و نشاط أحزاب ملكية … كما أن هناك أنظمة ملكية تسمح بإنشاء أحزاب جمهورية و بنشاطها.