سنة 2014 كان منير خير الله يقف أمام نخبة من المشتغلين بتحليل السياسات العمومية لتقديم ورقة مفصلة حول موضوع “الادماج المهني للأساتذة ذوي القصور البصري بالمغرب” في إطار برنامج “يعني” حول السياسات العمومية الذي يدعمه المعهد البريطاني بالمغرب ومنظمة “مينا بوليسي هوب”. مع انتهاء التقديم الذي احتضنه أحد فنادق مدينة مراكش. صفق الحاضرون بحرارة لهذا الشاب نظرا للمجهود البحثي في ورقته التحليلية.

غير أن منير الكفيف والمنخرط بنشاط منقطع النظير في الديناميات المرتبطة بالإعاقة، خاصة الولوجيات والتمييز، وجد نفسه ممنوعا يوم السبت الماضي من ركوب القطار بمحطة الدار البيضاء المدينة.

سكة الاعاقة

يوم السبت 16 يوليوز، اتجه منير خير الله، الذي يعاني من قصور بصري، الى محطة الدار البيضاء-الميناء، قصد العودة الى بيته بمدينة المحمدية حيث يشتغل الشاب المتزوج والبالغ من العمر 31 سنة، في مندوبية وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك. عند الباب المفضي الى السكة الحديدية أوقف رجال الامن التابعين لشركة الأمن الخاص منير وأخبروه أن “ولوج السكة الحديدية ممنوع على “العميان” الذين لا يصطحبون مرافقين للسفر”. سأل منير، العارف بمجال الاعاقة، رجال الأمن عن السبب فأخبروه أنهم بصدد تنفيذ التعليمات.

لم يستسغ منير أن يٌمنع من حقه الطبيعي في التنقل بسبب تعليمات ومع تضامن أحد المسافرين، الذي احتج على المنع، خاض الاعوان نقاشا حاميا مع المسافر متجاهلين الكفيف بشكل كلي. طلب منير خير الله الحراس مده بسند قانوني يشفع لسلوكهم وأمام سؤاله فتح المجال لردود ماسة بالكرامة “حنا خويا ما نتكلموش معاك نتا غير أعمى” رد أحد الحراس.

عبر منير في تصريحه لـ”لكم” عن صدمته الكبيرة مما اعتبره ميزا وسلوكا يعبر عن الدونية التي تعكس تمثلاث بعض القائمين على تدبير المجال العام. خير الله يقول إن هذا يحدث والمغرب يستعد لمناقشة تقريره المتعلق بإعمال بنود الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص  ذوي الإعاقة المصادق عليها سنة 2009 واستقباله خلال هذا الشهر للمقررة الخاصة  المعنية بحقوق هذه الفئة، كما يحدث هذا في مغرب ما بعد إقرار دستور فاتح يوليوز الذي ينص على سمو التشريعات الدولية على القوانين الوطنية علاوة على حضر كل أشكال التمييز المبنية على الإعاقة.

يشغل منير رئاسة منظمة “بدائل” للمكفوفين وضعاف البصر كما يشغل عضوية حركة 97/13 من أجل قانون يحمي حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة بالمغرب. الانخراط القوي لهذا الشاب جعله يوجه كل مساره المهني والجمعوي وأيضا الأكاديمي لموضوع الاعاقة ما دفعه للانخراط في سلك الماستر حول التربية وادماج الأطفال والشباب في وضعيات صعبة، غير أن واقعة محطة القطار أظهرت مرة أخرى أن التمييز يطال العامل والعاطل، المتعلم ومن حرم من حقه في التعليم “يكفي أن تكون من ذوي الاحتياجات الخاصة لكي تكتشف حجم الهوة بين النقاش العمومي والتشريعات من جهة وواقع الاعاقة في علاقتها بالمجال العام من جهة أخرى” يقول منير، الذي يرى أن سكة القطار في المغرب تحولت الى سكة إعاقة.

خرق للقانون

بالبحث في القوانين المغربية المؤطرة للمجال يتبين أن المغرب من الدول الأولى التي وقعت على الاتفاقية حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري، والتي اعتمدت في 13 شتنبر 2006، من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد مشاركة المملكة في مراحل تهيئها، إذ تعد رسالة الملك محمد السادس، ليوم 10 دجنبر 2008، اعلانا على  التصديق على هذه الاتفاقية وتتويجا لهذا المسار الذي أثر على التشريعات الوطنية من خلال ملائمة  عشرات القوانين في “وفقا لمقتضيات الاتفاقية.

لكن ما عاشه منير خير الله في محطة القطار يعد مخالفة صريحة للظهير شريف رقم 1.89.226 وخاصة الفصل الرابع منه الذي يدعو الى منح المكفوفين حق استعمال وسائل النقل العمومي مجانا او بسعر مخفض وتخصيص مقاعد لهم وكذا منحهم الاسبقية لدخول مكاتب الادارات العمومية.

حالة الدار البيضاء الميناء ليست فريدة من نوعها فأصحاب الاحتياجات الخاصة يعانون من الميز في عدد من المرافق الخاصة والعمومية غير أن تكرار هذه السلوكيات يطرح السؤال عن السبب الذي يمنع منير، ومن هم في وضعيته، من وولوج قطار المملكة وهو الذي صعد الطائرة وحيدا ليقدم ورقة حول الاعاقة والسياسات العمومية بالمغرب في مقر “التشاتم هاوس” وسط العاصمة البريطانية لندن.