جدل في طنجة بعد قرار السلطات هدم عشرات المنازل شبه مكتملة البناء
خلف إقدام جرافات محمد امهيدية والي جهة طنجة تطوان الحسيمة خلال المدة الأخيرة، على هدم العشرات من المنازل شبه المكتملة البناء، بمناطق مختلفة من مدينة طنجة، خاصة بجماعة اكزناية المحسوبة إداريا على عمالة طنجة أصيلة، ردود فعل غاضبة وسط الجسم الجمعوي والحقوقي بالمدينة.
وفي الوقت الذي تقول فيه السلطات الولائية أن الأمر يتعلق بمباني غير مرخصة بنيت بشكل سري، أو أنها مبنية على أراضي تابعة للملك الغابوي، تتساءل فعاليات حقوقية تحدثت إلى موقع “لكم”، عن الأسباب التي منعت السلطات من التدخل بمجرد المحاولة أو على الأقل في بداية البناء، وهي التي لا تخفى عليها خافية؟ لماذا انتظرت حتى اكتمل تقريبا البناء، واستقر الجميع في منازلهم، لتطلب منهم المغادرة وهدمها في الحين ؟ وكيف يمكن لهذه المباني أن تكون سرية في بلد المهمة الأولى للمقدم (عون سلطة) تتمثل في ترصد أي آجورة مقتناة وتعقب مسارها؟
وكانت عمليات الهدم المشار إليها قد عرفت متابعة كبيرة من طرف ساكنة طنجة، حيث تكلفت صفحات فيسبوكية وأخرى تابعة للمواقع الإخبارية المحلية بنقل مشاهد مباشرة حبست الأنفاس، لجرافات وآليات ضخمة وهي تضرب في كل الاتجاهات، لتهدم بنايات ومنازل بعضها من طوابق، بحضور مكثف لرجال السلطة والقوات العمومية وبإشراف مباشر من والي الجهة محمد امهيدية، وهو ما خلف استنكارا واسعا، وسط مطالب بمحاسبة من نصب على الأبرياء خاصة وأن عددا من هؤلاء الضحايا “يتحدثون” عن توفرهم على “الرخص اللازمة للبناء”.
المواطن الخاسر الأكبر
وفي هذا الصدد، اعتبر هشام ابن السالك محامي وباحث في الشأن المحلي، أن ما حدث مؤخرا من انتشار عمليات البناء غير القانوني وعلى أراضي الدولة، مؤشر خطير على مدى تغول مافيات العقار التي تتداخل تشبيكاتها بتواطؤ من متدخلين كثر ووسطاء عديدون ولكن أبرزهم تحالف رجال السلطة مع رجال المال وعصابات التجزيئ السري.
وقال ابن السلك في حديث مع “لكم”، ليس هناك من تفسير لاستمرار ترامي مافيات على اراضي الجموع واراضي الدولة واراضي المياه والغابات، والتلاعب بوضعها القانوني بالتزوير وبيعها والقدرة على استجلاب تراخيص للبناء فوقها، غير تواطئ السلطات المحلية التي لا يمكن أن تخفى عليها خافية، ولها ما يكفي من الامكانيات لتتبع حركات وسكنات المواطنين، فما بالك بعمليات بناء جماعية تأتي على مناطق بكاملها.
واعتبر الباحث، أن الخاسر الأكبر والحلقة الأضعف في كل هذا هو المواطن الذي يسعى جاهدا لتوفير سكن يأويه وعائلته، وقد يكون قد حاول حثيثا للحصول على مسكن بالطرق القانونية والمشروعة، لكن الفساد المنتشر في الادارة المتستر في بيروقراطية بئيسة ومعيقة ومتعمدة تجعل من حصول المواطنين على رخصة البناء أمر بعيد المنال ، وهذا ما يجعلهم لقمة سائغة في أفواه شبكات البناء العشوائي والتزوير والتجزيئ السري.
وأشار ابن السالك، إلى أن الشمس لا يمكن تغطيتها بالغربال، والمسؤولية ثابتة في حق مصالح وزارة الداخلية باعتبارها الجهة المخول لها مراقبة وزجر مخالفات البناء والسطو على أراضي الدولة و ضمان احترام المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمجال العمراني، معتبرا أن الحملة التي تقوم بها السلطات مؤخرا إذا لم يرافقها فتح تحقيقات إدارية وقضائية تحدد المسؤول عن كل هذا ، فإنها لن تعدو أن تكون مجرد تغطية على الشجرة التي تخفي الغابة .
أين عين السلطة التي لا تنام؟
من جهته، قال زكرياء أبو النجاة حقوقي ومستشار جماعي عن الحزب الاشتراكي الموحد، بكل تأكيد نحن ضد الترامي على الاملاك العمومية، ولكننا كذلك ضد الصمت المطبق الذي تمارسه السلطة أثناء الشروع في البناء، مضيفا في تصريح لموقع “لكم”، بصيغة أخرى نحن نتحدث عن “تواطئ بعض أعوان السلطة” حيث يستحيل بأي مكان ولو كان نائياً بالمغرب أن تُدخِل “ياجورة” إلى منزلك دون علم المقدم او أحد اعوان السلطة، وهذه هي الطبيعة الادارية للمغرب، والتي يعلمها القاصي والداني، وهي الحقيقة التي لا يمكن أن نحجُبها، مبرزا أن عين السلطة لا تنام ووجب أن تتدخل فور الشروع في البناء وليس بعد الانتهاء منه، أي ليس بعد السمسرة في جيوب المواطنين والسطو على مدخراتهم.
وهنا يجب محاسبة اللوبي المتورط مع رجال السلطة، من أجل النصب على الأبرياء خاصة وأن عددا من هؤلاء الضحايا يتحدث عن توفره على الرخص اللازمة للبناء، إلى جانب محاسبة “أعوان السلطة” المتواطئين كل حسب تسلسله الاداري والمهني.
هذه الظاهرة التي تكثر قبيل الانتخابات(البناء) وبعدها (الهدم) خاصة لا بطل فيها، فلا يمكن ان نصفق لمن يهدم البيوت الآمنة -في خرق سافر للحق في السكن- بعد أن سمح ببنائها أصغر عون لأعلى سلطة بالجهة … مسؤوليتهم أن لا يحدث ذلك من الأصل… لا أن يتدخلوا بعد مسك حسابات لوبي العقار وسماسرته وأعوانه ثم يظهروا بمظهر البطل.
تواطؤ على خرق القانون
أما عبد العزيز الجناتي محامي وفاعل حقوقي، فقد اعتبر في تصريح لموقع “لكم”، أنه و في بلد المهمة الأولى للمقدم تتمثل في ترصد أي آجورة مقتناة و تعقب مسارها لا يمكن اطلاقا تصور وجود بناء سري، مشيرا إلى أن هناك تواطؤ على خرق القانون و مساطيره بين المستفيد و السلطات المخول لها تنظيم و مراقبة التعمير و زجر مخالفاته.
وأبرز الجناتي، على أنه إذا كان الهدم يؤسس على خرق ضوابط التعمير فإن القرار لا يستقيم دون معاقبة سلسلة المسؤولين المتواطئين في العملية حتى لا نكون أمام إزدواجية و تناقض في القرار الواحد.
من يعرقل خروج وثيقة التصميم التهيئة ؟
بدوره، اعتبر حسن الحداد الفاعل الحقوقي، أن قضية انتشار البناء العشوائي بمدينة طنجة ككل، هو غير مرتبط بالانتخابات، وخصوصا البناء في المناطق التي تعرف اليوم بالمناطق المضافة للمجال الحضري وذلك بسبب افتقارها لأبسط مقومات الحياة و العيش الكريم، مشيرا إلى أن هذه الظاهر منتشرة منذ سنوات عديدة وهي تنخر المدينة على جميع المستويات.
واستغرب الحداد في تصريح لموقع “لكم”، أن تسمى بالبناء السري علما ان الكل يعلم أن عملية البناء لا يمكن أن تتم دون موافقة الأطراف المعنية بتتبع ومراقبة البناء الغير قانوني وعلى رأسها السلطات المحلية، معتبرا أن ما حدث في اكزناية ما هو إلا جزء بسيط مما يحدث بالمدينة ( غابة الرهراه و مسنانة) وموقفنا واضح من هذه الظاهرة وسبق لنا أن انجزنا عدة تقارير وجهت للسلطات المعنية قصد الوقوف على الترامي على أملاك المياه و الغابات وكذلك باقي الأراضي التي تجزء بطرق ملتوية.
وأكد الفاعل الحقوقي، على أن عملية الهدم لم ولن تكن هي الحل الامثل و الأنجع لوقف هذا التسيب بل يجب أن تشمل بحث موسع كي يتم تحديد المسؤوليات، انطلاقا من مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة خصوصا وأن هناك تصريحات لكثير ممن هدمت منازلهم يؤكدون من خلالها انهم توصلوا بموافقة رجال واعوان السلطة بعد أن دفعوا اتاوات ( رشوة) لها .
ولم يفت حسن الحداد التأكيد، على أنه يجب مسائلة الأطراف التي عرقلت خروج وثيقة تصميم التهيئة التي يمكنها ان تجل جزء من مشاكل التعمير بالمدينة، مضيفا، وهنا يجب أن نطرح أكثر من سؤال، لماذا لم تتدخل وزارة الداخلية وتامر بفتح تحقيق شامل مع كل من صرح أمام الإعلام انه دفع رشوة لرجال السلطة حتى تُسهل لهم عملية البناء، خصوصا وأن البناء ثم نهارا وعلى مرآى ومسمع من الجميع، وهناك بعض المنازل وصل البناء فيها لأربعة طوابق وتوجد على قارعة الطريق مما يزكي تواطئ بعض الأطراف المعنية بالمراقبة.
وأكد الحقوقي، على أن الهدم هو حل ترقيعي، داعيا إلى التعامل مع الموضوع بكل شجاعة و موضوعية كي يتم الضرب بأيدي من حديد على جميع الأطراف التي سولت لها نفسها الترامي على غابات طنجة، وكذلك يجب البحث عن حلول جدرية للبناء العشوائي بالمدينة، وذلك عبر إبداع نموذج يتم التعامل به مع هذا الواقع خصوصا اذا علمنا ان معظم الأراضي المصنفة في وثيقة تصميم التهيئة بأنها اراضي عارية قد شيدت فوقها أحياء فاق عدد منازلها الألف والغريب في الامر ثم تزويدها بالماء و الكهرباء فعن اي تصميم تتحدث الإدارة، يهتم المتحدث.
العشوائي ثمرة تواطؤ
وكان المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين، قد أعد تقريرا مفصل حول هذا الموضوع، اعتبر فيه أن طريقة تعاطي السلطات مع هذا الملف تكاد تكون غير مقنعة، لأنها تقف عند الشجرة التي تخفي الغابة، متسائلا، هل يعقل أن يتنامى البناء العشوائي بهذه الشراسة دون وجود تواطؤ بين الأطراف التي تتولى التغطية على تلك الجرائم؟، مشيرا إلى أنه حينما تفور غضبة السلطة تنصب على الحلقة الضعيفة ضمن تلك السلسلة الطويلة، حيث يتم التوجه إلى صاحب المبنى في الوقت الذي يتم التستر على الأطراف المساهمة والمشاركة.
وأبرز التقرير الذي يتوفر “لكم” على نسخة منه، أن البناء العشوائي بمدينة طنجة هو ثمرة التواطؤ والتلاعب بالقوانين، مشيرا إلى أن أصحاب المباني المهدمة يتحولون في نهاية المطاف إلى أكباش فداء، في حين تظل أطراف أخرى تتحرك خلف الستار.
وأوضح تقرير الرابطة، أن السلطات عند تنفيذ قرار ها تقف عند “ويل للمصلين”، فهي من جهة لم تتدخل قبل انطلاق البناء أو خلال إنجازه، علما أنها تكون على علم بذلك من خلال أعينها التي لا تنام (المقدم والشيخ والقائد ورئيس الدائرة). وبدلا من التحرك لمواجهة ذلك، يتم التستر عليه وتزكيته في نهاية المطاف، مما يؤكد وجود تواطؤ خفي أو معلن، مشيرا إلى أن هذه المباني التي نشأت في ظرف قياسي في مناطق كثيرة أمام مرأى ومسمع من الجميع، لماذا لم يتحرك أحد لمنع بنائها قبل وضع الآجورة الأولى؟، وحين صدور الأمر بالهدم، لماذا لا يتم فتح تحقيق إداري وأمني وقضائي حول الأسباب الحقيقية لنشأة تلك الأحياء العشوائية، وكذلك الجهة التي تقف خلف ذلك، وكذا مسؤولية الجهات المختصة؟.
الدور السلبي للمجالس المنتخبة
على مستوى مسؤولية المؤسسات المنتخبة، اعتبر تقرير رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين، أنه لا يمكن القفز على مسؤولية هذه المجالس ودورها السلبي وتواطئها أيضا لأنها تنازلت عن اختصاصاتها القانونية في هذا المجال، وقبلت بالدخول في مساومات، وأصبحت طيعة أمام السلطات، تزكي طلباتها وتبرر توجهاتها التي تطمح إلى الهيمنة والتحكم في كل شيء.
وأضافت الوثيقة، لا يمكن أيضا تجاهل الدور السلبي لكثير من الرؤساء والمسؤولين الجماعيين الذي ساهموا سابقا في التشجيع على البناء العشوائي من خلال منحهم الرخص دون التقيد برأي الوكالة الحضرية وباقي الأطراف المتدخلة، مما أدى إلى توالد عدد من الأحياء الموحشة على صعيد كثير من المناطق التي كانت إلى عهد قريب أراضي عذراء، مما أعطى مبرر للداخلية من أجل أن تقلب ظهر المجن ضد المؤسسات المنتخبة، وكذلك سلطات التعمير، وذلك من خلال تقليص الصلاحيات والاختصاصات التي كانت مخولة لها.
مسؤولية ولاية طنجة
أما بخصوص مسؤولية السلطات الولائية، فقد قال التقرير، إذا أرادت ولاية طنجة أن تثب نجاعة تدخلها، فأولى الأولويات إجراء تحقيق حول كل المباني التي بنيت بدون ترخيص انطلاقا من تاريخ مرجعي محدد وموحد على صعيد جميع المناطق من خلال اعتماد آلية المسح الجوي بواسطة آلية القمر الاصطناعي التي تختزن صور كل شبر في المدينة على امتداد أزيد من عقدين من الزمن.
وأشار التقرير، إلى أنه سبق لوزرة الداخلية أن أصدرت في شأن ذلك دورية خاصة للشروع في تطبيق آلية المراقبة الجوية، بعد فشل المراقبة الأرضية، وهو الشيء الذي لم يتحقق لأنه يتعارض مع مصالح الجهات المنتفعة والمستفيدة من هذه الوضعية، مما يؤكد، يضيف التقرير، أن الجهات النافذة تشجع علانية كل أشكال البناء العشوائي وكذلك الاستمرار في خرق القوانين لأسباب غير مفهومة، وإلا لماذا ظلت أطر الداخلية تتملص من تطبيق كل الدوريات التي أصدرتها الوزارة على انفراد أو مع وزارة العدل وكذلك مع وزارة الإسكان؟، متسائلا، ألا يدل ذلك على أن للداخلية تصورا خاصا عن المدن والحواضر التي يجب أن يحظى بها مغرب الألفية الثالثة؟
وختمت الرابطة تقريرها قائلة، إن كانت هناك إرادة حقيقية لوضع حد لها النزيف الخطير، فيجب وضع خط أحمر محدود في الزمان والمكان لا يسمح بتجاوزه لوضع قطيعة كلية مع المرحلة السابقة، ثم خلق جبهة للصمود والدفاع عن القانون تقودها السلطة بالدرجة الأولى بدعم ومساندة من طرف المجالس ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين أيضا، فآنذاك سيكون لمثل هذه الحملات كل المصداقية وسترتفع عنها الشبهات.