حين تكال الوطنية بمكيال السياسة وحساباتها تضيع الكثير من التفاصيل وتضيق الرؤية لنتيه فيما قد نحسبه الجوهر وهو في الواقع لا يتجاوز القشور.

وإذ يستريح الرماد تحت نار حراك الريف، وتبعد زوابعه بمسافة الخمس سنوات، يحين وقت جرد الخسائر ونأك الجراح لتضميدها، من هم نشطاء الحراك؟ ولماذا؟ ثم ماذا بعد؟

كلها أسئلة حملتنا إلى هناك لنلتقي بأبرز الوجوه التي ارتبط اسمها بالحراك، وتحكي لنا ما عاشته وما تعيشه وما تطمح إلى أن تعيشه مستقبلا.

هنا الحسيمة، حيث يمكن أن تجد جبلا شامخا في روح كل مواطن يمشي على قدمين، هنا يمكن أن ترى مستوى آخر من الانتماء لهذا الوطن.

“حين أرى بعض الشباب يُقبل تراب أرض المهجر بعد أن توصله قوارب الموت إلى هناك أصاب بداء الحصبة” يقول أحمد الزفزافي والد المعتقل السياسي ناصر الزفزافي.

ويحكي أحمد الزفزافي عن المعاناة التي عاشها شباب المنطقة إبان التوقيف والاعتقال الذي زامن الحراك، معيبا على بعض رجال السلطة نعتهم لشباب المنطقة بـ”أبناء الاسبان”، مشيرا إلى أن هذا النعت كان أشد وطأة عليهم من التعنيف الجسدي الذي تعرضوا له.

“المصالحة يجب أن تكون مع المنطقة ككل لا مع الأفراد”، يقول أحمد الزفزافي.

هنا في هذه المنطقة، يغيب بشكل فاضح مفهوم الفردانية الذي تحدث عنه عالم الاجتماع ماكس فيبر، حيث يمكن أن يتسرب إليك انطباع مفاده أن حب الذات سُبة بل أقرب للنقيصة في تمثلات أبناء المنطقة.

يروي مرتضى اعمراشن أحد المعتقلين السابقين على خلفية حراك الريف، عن لقائه بواحد من أبرز الشخصيات النافذة في الدولة، تحفظ على ذكر اسمه. وكان اللقاء يدور حول اقتراح حمله مرتضى إلى هذا الأخير يخص تنمية المنطقة وتسريح شبابها، استفسرته عما إذا سأله شيئا يخصه هو وأسرته على سبيل رد الاعتبار أو إعادة إدماجه اقتصاديا واجتماعيا بعد الإفراج عنه، فأجاب بشكل سريع وقاطع “مستحيل ” .