لم يكن يحلم لحسن السّعدي، وهو مدرّس للتعليم الابتدائي، هجر فصل الدراسة في عام 2014 في ضواحي تازناخت ( ورزازات)، وألحق بقطاع الفلاحة في تيزنيت، بوساطة نافذة، حتى ينشغل ويشغل مهام تنظيمه السّياسي أكثر من انشغاله بوظيفته المهنية التي يتقاضى عنها راتبه من المال العام.

عرف عن السّعدي، الذي كان ناشطا في تنظيم مواز لحزب العدالة والتنمية، وهو ذراعه الدعوي “التوحيد والإصلاح”، وفق ما أسره مصدر من التنظيم لموقع “لكم”، قبل أن ينتسب للشبيبة “التجمعية”، حلمه أن يكون شخصية عمومية في يوم ما.

من أجل ذلك بدل الشاب الذي عرف أيضا بتملقه لرؤسائه اينما حل وارتحل، حسب ما يحكي عنه بعض مجايليه، كل الأساليب والوساطات لبلوغ أهدافه، فالغاية بالنسبة إليه تبرر كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة.

هكذا سبجد السعدي نفسه معينا، بقرار حزبي صادر عن رئيس الحزب عزيز أخنوش، رئيسا لشبيبة الحزب  من دون انتخابات، ساعدته في ذلك خلفية علاقاته بمن صنعوه داخل تنظيم الأحرار، وبالأخص عرّاب عزيز أخنوش آنذاك في تافراوت، عبد الله غازي، رئيس المجلس الإقليمي لتيزنيت السابق، والبرلماني السابق والحالي باسم حزب “الأحرار” بنفس الإقليم، قبل أن يخفت بريقه في الفترة الأخيرة، ربما بعدما استنفذ صلاحياته لدى من كا يقدم لهم خدماته.

الفصل في صعود نجم السعدي، يعود، أولا وأخيرا، إلى عبد الله غازي فهو من ساهم في تأمين إلحاقه من التّعليم إلى الفلاحة، مستعملا وساطاته ونفوذه كنائب برلماني، فقد رأى في الشاب السعدي ما يستحق دعمه وتحفزه وتشبيك علاقته، حتى يكون له عونا في مهامه التي كان يوكلها الحزب له.

ومن بين تلك المهام تنظيم مهرجان “أملن” بضواحي تافراوت، الذي ينظم صيف كل عام منذ 2007 إلى دورة 2024ّ ، فقد وجد غازي في الشاب السعدي “الدينامو” الذي كان يحتاجه لتنشيط المهرجان، فأصبح السّعدي، “هو الكلّ في الكلّ”، في العلاقات العامة، خلال فترة المهرجان، بين رجال “أيت تافراوت” ووسائل الإعلام خاصة تلك التي توجد في جهة سوس ماسة، وفق من حضروا وواكبوا فعاليات المهرجان وأنشطة مماثلة، وخلال تلك الفترة نسج الشاب الطموح علاقات واسعة مع وسائل إعلام محلية ووطنية كان يغذق على أصحابها بالدعوات الكريمة لحظور دورات المهرجان وتغطية أنشطتها.

لكن اسم السّعدي سيبرز أكثر، بعد أن أوتي به بديلا لرئيس الشّبيبة التّجمعية آنذاك، ابن تنغير يوسف شيري في يناير 2020، والذي لم يرق عزيز أخنّوش، حينما تعرّض المليادير لحملة شعبية في الإعلام وعلى مواقع التّواصل الاجتماعي زمن المقاطعة،  فتم استقدام الشاب السّعدي بديلا عنه، ليقوم بالمهامّ، ومنها على وجه الخصوص مهمّة الدفاع عن أخنوش، و”التطبيل” لكل مواقف تنظيمه السّياسي. ورغم كل محاولات السعدي التصدي لتلك الحملة العاصفة، إلا أن كل محاولاته، بالرغم مما كانت تكلفه من ميزانية سيده، لم تلق أي تجاوب أو قبول أو رضى من قبل الرّأي العام.

وحتى ينجح في المهامّ الموكولة إليه، في الدفاع عن أخنوش، جرى منذ تأسيس شبيبة  الحزب في 18 ماي 2017، وفي عهد يوسف شيري و بعده بنحو ثلاث سنوات خلفه لحسن السّعدي، توفير ما يحتاجه هذا التّنظيم الشّبيبي التجمعي من امكانيات مادية لتنظيم جامعته السّنوية.

ورغم وجود معارضة داخل شبيبة الحزب لطريقة تدبير السعدي لقيادة الشبيبة والإشراف على أنشطتها، مما دفع بعض فروعها إلى مقاطعة تلك الأنشطة، إلا أن السعدي سيمضي في تنظيم  ما عرف بـ “ألموقارّ (الملتقى) في أكادير، بدعم من قيادة الحزب المركزية.  واختار السعدي، وغالبا باستشارة وكالات تنظيم المهرجانات الكيرى، مسرح الهواء الطلق الذي يسع لنحو 3000 شخص، لتنظيم دورة الجامعة الصيفية في شتنبر الماضي. وتم رصد كل الإمكانات لإنجاح هذه الدورة من خلال توفير التّنقل والغذاء والإقامة والتّعويض المادي للمشاركين، لإنجاح التظاهرة التي كلّفت أكثر من  مليار سنتيم خلال يوم وليلة.

الإشراف على مثل هذه المهرجانات أكسب السّعدي علاقات واسعة مع عدد من الإعلاميين في الرّباط والدار البيضاء، وسوس ماسة على وجه الخصوص، فهو يؤمن، مثل رئيسه “العزيز”، بأن الإعلام ومواقع “التواصل الاجتماعي” هما من يصنعان الشّخصيات العمومية في المغرب ويوجهان ويضغطان ويموحوان المصائب والمطبات، إن أحسن استثمارهما، حتى أن عددا منها أصبحت متخصصة في نشر كل ما يصلها من فيدويهات وتقارير وصور من الحزب، وشبيبته، ولا يمكنها أن تنشر أي صغيرة تنتقد أو تخالف ما يريد من يناصرون وينصرون تنظيمه السّياسي، في الحكومة والبرلمان والجماعات الترابية.

ومن أجل انجاح هذه المهمة تم تخصيص موازنة علاقات عامة لتشجيع النشر وشراء ولاء وسائل التواصل الإعلامي إما على شكل إعلانات أو عقود شراكة أو نحوه من دعوات سخية وإكراميات.

ورغم تقربه من وسائل الإعلام، وخاصة من الصحفيين الذين يلبون دعوات الحزب “الكريمة”، إلا أن السعدي يبدي انزعاجه، وفق إفادات مقرّبين منه، من كلّ من ينشر عنه، حتى لو تعلق الأمر بتدوينة تسير في الاتجاه المعاكس لما يريده،  فهو جد حساس من كل من ينتقده أو ينتقد شخصا ما في تنظيمه السّياسي، خاصة من قادة الحزب ورئيسه على الخصوص، فيعمد إلى تجميد “بلوكاج”، أصحاب هذه الحسابات، حتّى لا يقرأ متابعوه من شبيبة الحزب، أو مّمن تجنّدوا ويشغلون مهمّة متابعة ونصرة ما ينشر لمصلحته أو مصلحة تنظيمه، بشكل يومي، صباح مساء، ليتقاسموه.

استطاع السّعدي في نهاية شهر أكتوبر 2023 (أي قبل أقل من عام) أن يناقش درجة “ماستر ” في “الحكامة التّرابية والتنمية الجهوية” في موضوع “السّياسات المائية بالمغرب ومتطلّبات ضمان الاستدامة”، ويظفر بشهادته من الجامعة الدّولية لأكادير (وهي جامعة خاصّة غالبا ما يختارها حزبه لتنظم أنشطته سواء في مقرها أو بشراكة معها).

ولأن الخيوط تنسج، فإن تكليفه بكتابة الدولة لدى وزيرة السياحة لم يكن عبثا، فالوزيرة فاطمة الزهراء عمّور تشتغل لدى هولندينغ أخنوش ومديرة مهرجان تيميتار الذي يرعاه أخنوش منذ تأسيسه، ومعلوم أن السعدي كان يشغل مساعدا لها في تنظيم ذلك المهرجان، فهل يتعلق تعيينه اليوم في مسؤولية وزارية مكافئة له على خذمته للحزب ورئيسه على الخصوص؟ أو لحاجة الحزب إلى “نشاطه” الذي ذاب عليه في “مساعدة” رئيسته السابقة في تنشيط مهرجان “تيميتار”، واليوم تحتاج نفس المساعدة وبنفس الوسائل في الوزارة؟ أم أن الأمر يتعلق بـ “فلسفة” حزب “أغراس أغراس”، التي تقوم على مبدإ : “خِيرْنَا مَا يْدِّيهْ غِيرْنَا”.

نشاط الشاب السعدي وصل صيته كل أرجاء المغرب، خاصة بعد طريقة “رقصه” في مهرجان الجامعة الصفية لشبيبة حزبه، لكن يبدو أن “نشاطه” الحزبي، أنساه مسؤوليته البرلمانية، بما أنه يشغل مهمة برلماني بدائرة تارودانت الشّمالية، التي تعدّ الأفقر والأكثر هشاشة في دوائر وقرى سوس ماسة، والتي لم تنل حظها العاثر في التّنمية. فهل سيؤدي تعيينه كاتبا للدولة مكلفا بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إلى الإلتفات إلى من وضعوا ثقتهم فيه، أم أنه، كما حزبه، يتعاملون معهم   خزّانا انتخابيا، لا يفتحونه إلا عندما تقترب الإنتخابات؟.