انطلقت اليوم الأربعاء 16 دجنبر الجاري، أشغال المؤتمر الرابع عشر لجبهة “البوليساريو”، بمخيم “الداخلة”، جنوب غربي الجزائر، بحضور 2400 مؤتمر صحراوي، من بينهم 60 من المتعاطفين القادمين من الصحراء، جنوب المغرب، حسب ما أعلنت عنه قيادة الرابوني، رسميا.

وينعقد المؤتمر الرابع عشر في ظل جملة من التطورات المستجدة أمميا وأوروبيا، في ملف نزاع الصحراء، بين المغرب، وجبهة “البوليساريو”، ووصول الوساطة الأممية، لإقامة مفاوضات مباشرة بين الطرفين، إلى النفق المسدود.

وتعتبر منظمة الأمم المتحدة، المشرفة على نزاع الصحراء، في أجنداتها المرجعية، جبهة “البوليساريو”، كونها “الممثل الشرعي” للصحراويين، الراغبين في “الاستقلال/ الإنفصال” عن المغرب. الأمر الذي يدفع قيادة الجبهة، إلى عقد مؤتمرات عامة، كل خمس سنوات، لإضفاء طابع “الشرعية” الشعبية والديمقراطية، على قيادتها أمام المنتظم الأممي والدولي.

لكن حكم الواقع التنظيمي للجبهة، يؤكد كون قيادة الرابـوني، ظلت في قبضة قيادة تاريخية، منذ المؤتمر الثالث، صيف 1976 (حيث تولى محمد عبد العزيز منذ ذلك الحين قيادة الجبهة إلى اليوم)، تصف نفسها بـ”جيل الثورة”، والتي ظل منها ثلاثي، مكون من محمد عبد العزيز، الزعيم الحالي، للجبهة، ومحمد لمين ولد البوهالي، وزير دفاع الجبهة، والذي يوصف بكونه “راديكاليا”، ثم سفير الجبهة، لدى الجزائر، إبراهيم غالي.

وأستئنف نزاع الصحرء، بين المغرب، وجبهة “البوليساريو” المدعومة من قبل الجزائر، عام 1975، عقب إنسحاب الاستعمار الاسباني من الإقليم المتنازع عليه،  واستمر في حالة حرب، إلى حين توقيع الطرفين لإتفاق وقف إطلاق النار، عام 1991. لتشرع الأمم المتحدة في إجراء تسوية سلمية للنزاع، على قاعدة البحث عن تسوية سياسية من خلال التفاوض بين طرفي النزاع.

ومن المستجدات الأممية، التي تظهر إحتدام حالة “الجمود”، في ملف نزاع الصحراء، هو إقرار المبعوث الشخصي، للأمين العام للأمم المتحدة، إلى الصحراء، كريستوفر روس، في تقريره الأخير المقدم للأمم المتحدة، مستهل دجنبر الجاري، إلى “فشله” في التأسيس لعملية تفاوضية بين المغرب و”البوليساريو”.

تفاقم “الجمود”

وما يزيد من حدة التفاقم، هو كشف روس، لإشعار المغرب، الأمم المتحدة، لـ”رفضه” خوض مفاوضات مباشرة مع جبهة “البوليساريو”، الأمر الذي يُعسر، حسب متتبعين، من بقاء حالة “السلم” بين طرفي النزاع.

وفي الوقت الذي يحمل فيه المغرب، النظام الجزائري، مسؤولية “إستمرار” نزاع الصحراء، الذي يصفه بـ”المفتعل”، بشكل يعرقل مساعي إستئناف بناء “الإتحاد المغاربي”، تذهب “البوليساريو”، من جانبها، إلى إتهام إسبانيا، بـ”تراجعها” عن إلتزاماتها إزاء ملف النزاع، وكذا فرنسا، بـ”عرقلة” المساعي الأممية لحل النزاع، من خلال مساندة المغرب أمميا.

ويرى مراقبون لشأن النزاع، ان المؤتمر الرابع عشر لجبهة “البوليساريو”، من شأنه أن يفرز قيادة جديدة، ستعيد النظر في القاموس والسلوك المستخدمين في موضوع حل نزاع عمّر 40 عاما. في الوقت الذي يرى فيه آخرون بالمغرب، ان “تجديد القيادة” هو خيار في يد النظام الجزائري، وليس بيد قيادة “الرابوني”.

البحث عن تحالفات

قال الباحث في الشؤون الصحراوية، عضو “المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية” (رسمي)، مصطفى النعيمي، في حديث لـ”لكم”، ان مجموعة من التغيرات الأيديولوجية، والجيوستراتيجية، تسعى جبهة “البوليساريو”، لإقرارها، من خلال مؤتمرها الـ14 الجاري، ذكر منها، النعيمي، ما يتعلق بـ”تغيير إسمها”، الذي سيُجرد من صفة “العربية”.

وعزا الباحث، الأمر إلى ما قال عنه سعي “البوليساريو”، إلى ربط “جبهة تحالف قوية مع الطوارق”، في المنطقة، لتعزيز موقفه وشرعيته في مواجهته للمغرب.

واستدرك النعيمي، كون خطة “البوليساريو” للبحث عن تحالف مع “الطوارق”، أمر “صعب”، لـ”وجود فرق من حيث الشرعية التاريخية والشعبية”، بين جبهتي “البوليساريو”، و”الطوارق”. مشيرا إلى إفتقاد “البوليساريو”، للشرعية الديمقراطية والشعبية والتاريخية والثقافية، ما يكفيها للتحالف مع مكون تاريخي في المنطقة هم “الطوارق”.

وعن إمكانية، تغيير المؤتمر لمعادلة النزاع الحاصلة حولي الطرفين، قال النعيمي، ان التغيير المفترض في الجبهة، مرتقب أن “يمس الجوانب الشكلية، مع الإبقاء على القيادات التاريخية”، مستبعدا وجود “ليونة في المواقف” تجاه المغرب. 

تغيير “شكلي” مفترض

ومن جهته، استبعد الأستاذ الجامعي، رئيس مركز الدراسات الصحراوية، في جامعة محمد الخامس بالرباط، رحال بوبريك، في حديث لـ”لكم”، فرضية ان يتمخض عن أشغال المؤتمر الـ14 الجارية، تشكيلة قيادة جديدة، يرتقب ان تغير من نمط نهجها السياسي فيما يتعلق بالتعامل مع المغرب، لحل نزاع الصحراء.

وأوضح الباحث، ان المؤتمر ممكن ان يهم تغيير يمس الجوانب الشكلية وبعض القيادات، لكن دون النظام البنيوي لقيادة جبهة “البوليساريو”.

وأشار الى كون جبهة “البوليساريو”، تلجأ إلى سياسة دورية لعقد مؤتمراتها كل خمس سنوات، من أجل ما قال عنه “التسويق الداخلي”، وبعث إشارات عن دينامية الوضع والمجال في المنطقة.

وعن الأفق الأممي، قال بوبريك، إن الأمم المتحدة، تلجأ إلى “سياسة إدارة الصراع”، وتتحاشى أن تقول أنها فشلت في إيجاد تسوية حول النزاع، في ظل إصرار أطراف النزاع على مواقفهم من النزاع، وبالتالي، يقول المتحدث، تستمر في جولات مكوكية، دون أن إعلانها الفشل في تسوية الملف.

وتعود قضية نزاع الصحراء إلى عام 1975، بعد انتهاء تواجد الاحتلال الإسباني، ليتحول النزاع بين المغرب وجبهة “البوليساريو”، المدعومة من من قبل الجزائر، إلى نزاع مسلح استمر حتى توقيع الطرفين اتفاقا لوقف اطلاق النار عام 1991 برعاية الأمم المتحدة.

وعلى إثر ذلك، تم تشكيل بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء، المعروفة اختصارا بـ”المينورسو”، بقرار لمجلس الأمن الدولي رقم 690 في أبريل 1991، لتكون مهمتها الأساسية العمل على وقف إطلاق النار والإشراف على عملية السلام بين الطرفين.

وفي الوقت الذي تصر فيه الرباط على سيادتها على أقاليم الصحراء، وتقترح كحل للنزاع، منح الإقليم حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت سيادتها، تدعو جبهة “البوليساريو”، إلى تقرير المصير، عبر ألية  “استفتاء” تشرف عليه الأمم المتحدة.