“ستقدم الجماهير الطلابية على محاكمة فتاة جماهيريا وفق أعراف الإتحاد الوطني لطلبة المغرب” بهذه الجملة، نفذ مجموعة من الطلبة القاعديين في الحي الجامعي بمدينة مكناس فعلتهم في حق الفتاة (شيماء) العاملة بمقصف الحي الجامعي، هذه المحاكمة الصورية التي نفذها مجموعة من الطلبة خلصت إلى حلق شعر الفتاة بالكامل وحاجبها وتعصيب عينيها وتكبيل يديها مع توجيه ضربات في مختلف أنحاء جسمها وتهديدها ببتر يديها، كما تروي شيماء في إحدى تصريحاتها.

الاتحاد الوطني لطلبة المغرب “بين تبني العنف ونبذ العنف”  

بالعودة إلى سنة 1962 وأثناء المؤتمر التأسيسي لـ “الاتحاد العام لطلبة المغرب”، الذي كان أول جسم ينشق عن “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب”, نقرأ في أدبيات الفصيل “الإستقلالي” (نسبة إلى حزب الإستقلال)، أن سبب أول اتشقاق داخل أول وأكبر منطمة طلابية مغربية يعود إلى ما سمته وثائق “الاتحاد العام لطلبة المغرب” “الانحراف الكلي لهذه المنظمة (أوط م) وخروج قيادتها عن المبادئ الأساسية لضمان الوحدة الطلابية… وكان لابد من إيجاد البديل لإنهاء حالة الزيف التي اعترضت الحياة الطلابية، وكان هذا البديل هو: الاتحاد العام لطلبة المغرب” .

ظن الكثير أنداك أن رحلة البحث نحو إيجاد تيار ينبذ العنف ويؤمن بالتعدد والديمقراطية قد شقت طريقها نحو الأمام غير أن انشقاقات واتهامات بالخيانة أفرزت بعد سنوات ما يسمى بـ” البرنامج المرحلي”. حدث ذلك سنة 1986، وظهر هذا التيار بعد صدور وثيقة داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب تحمل عنوان “من اجل تجذير الوعي الطلابي” أطلق على أصاحبها لقب “التحريفيين” باعتبارها وثيقة لا تخدم الروح الحقيقية للحزب الماركسي الحقيقي وإنما هي تحريف لأدبيات هذا التيار، وفق المراجع التي أطلع عليها موقع “لكم”.

محاكمات صورية.. فوضى جماعية

أطلق علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع وصف “الفوضى الجماعية” في تصريح لموقع “لكم” على ما يتبناه الطلبة القاعديين باسم “المحاكمات الشعبية” باعتبارها، حسب الشعباني، تنم عن الفوضى وعدم الإعتراف بالمؤسسات، وتناقض صارخ، للطالب الجامعي الذي يعول عليه في قيادة مستقبل البلاد”.

يعتبر فصيل ” النهج الديمقراطي القاعدي”، أن المحاكمات الصورية الجماهيرية، في حق من ثبت في حقهم الخيانة والخروج عن أدبيات التنظيم، وسيلة ناجعة للردع وسيطرة وإحكام التنظيم.

وفي هذا الصدد يقول علي الشعباني، إن هذه الممارسات ليست وليدة اللحظة، وإنما هي امتداد منذ سنوات السبعينيات، مشيرا إلى أن ظاهرة العنف داخل الجامعة المغربية عرفت تطورا كبيرا حيث انتقلت من المواجهة بين الطلبة اليساريين والطلبة الإسلاميين، إلى المواجهات متعددة الأطراف، شملت الطلبة الأمازيغ والصحراويين.

مؤكدا، أن الخلاف وصل إلى صراعات عرقية وإديولوجية وسياسية، وانتقلت من الصراع الفكري والتناظري إلى الصراع بالضرب والجرح والقتل.

فصيل النهج الديمقراطي القاعدي.. تاكتيك العنف المنظم والغير المنظم

داخل أسوار العديد من الجامعات المغربية، يتواجد تيار “النهج الديمقراطي القاعدي” وهو نفسه التيار الذي أقدم على الاعتداء على العاملة بمقصف الحي الجامعي بجامعة مكناس بعد اتهامها  بكونها “بركاكة” وأقدم على محاكمتها صوريا وأصدر حكمه ونفذه في الحين.

تأسس هذا الفصيل سنة 1979 ويعتبر نفسه فصيلا مستقلا عن كافة التنظيمات بالمغرب، غير أن أغلب من ينتمون إليه، سرعا ما يلتحقون بحزب النهج الديمقراطي المغربي، وذلك بعد فترة إنهاء المرحلة الجامعية.

الشعباني: هناك من كانوا راديكالين وتحولوا وهناك من انتقلوا من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين

أستاذ علم الاجتماع علي الشعباني، يقول إن مرحلة الشباب تنتهي في سن الأربعين سنة، وبالتالي، فإن الشباب الذي يمارس العنف ويتبنى أطروحات متشددة، يمكن أن يتغير بعامل البيئة المحيطة، مشيرا إلى جيل الطلبة القاعديين في سنوات السبعينات، والذي قال عنهم، إنهم انتقلوا اليوم من أقصى اليسار أو إلى أقصى اليمين، في إشارة إلى إمكانية تغير وجهات النظر والأفكار. وأضاف الشعباني، إن البيئة المحطية إذا كانت إيجابية بالنسبة للشخص المتشبع بهذه الأفكار قد تعطي أكلها وتجعل منه شخص أخر، وإذا كان العكس، فإنه تلقائيا سيتمرد أكثر وسينسب ذلك لما هو سياسي واجتماعي وثقافي، يقول الشعباني.

الشعباني، ذهب إلى الحديث عن النخبة المغربية، عبر تقييمه لتركبتها التي قال عنها إنها متحولة وتعكس سيرورة تحول طلاب كانوا أكثر من راديكاليين في وقت سابق. ويضرب  الشعباني المثل على مايقول بما جاء في كتاب الباحدث الأمريكي جون واتربوري، “أمير المؤمنين.. الملكية والنخبة السياسية المغربية” والذي كتبه عام 1965 حول السياسية في المغرب، وفيه يصف النخبة المغربية بأنها “تبدو كبحر في حالة الهيجان، وإذا غصت في أعماق هذا البحر تجد الهدوء والسكينة” مضيفا، أن هذا ما ينعكس على النخبة المغربية، إذا راجعت تاريخها وعلاقاتها وتحولتها وموافقها عبر الزمن. 

بناجح: اللحظة تطلب الازدحام على المدخل الصحيح وإن بدا ضيقا

في سنة 2014، وعلى اثر مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي في مدينة فاس، طالب فصيل طلابي “إسلامي” لأول مرة بإدراج فصيل ” النهج الديمقراطي القاعدي” في قائمة الإرهاب، مشيرا إلى أن هذا الفصيل يتشبث بخيار العنف، غير أن متابعين للحركة الطلابية في المغرب يعتبرون أن خيار العنف ليس قاعدة تنظيمية لدى هذا التيار، ويرى الصحافي والناشط صمد عياش، أن فصيل البرنامج المرحلي يتكون من عدة فصائل تعتبر نفسها امتدادا لتجربة ” الطلبة القاعديين” .

القيادي في جماعة “العدل والإحسان”، حسن بناجح، يقول هو الأخر، إنه يجب تجنب مزلق التعميم، قائلا “فكما أننا عندما يرتكب العنف باسم الدين نرفض التعميم على كل الحركة الإسلامية فيجب رفض التعميم اليوم عندما يرتكب العنف يساري”.

مضيفا قوله “لأن التعميم مخالف للواقع حيث إن جانبا مهما من اليسار يرفض العنف ومن الواجب التعامل معه بآخر ما انتهى إليه من أجل العبور إلى المستقبل عوض الارتهان للماضي”.

وأكد بناجح، أن اللحظة الراهنة تتطلب الازدحام على المدخل الصحيح وإن بدا ضيقا الآن، معتبرا أن ذلك هو مدخل الحوار والبحث عن المشترك والسعي العملي الحثيث إليه ولو بخطوات صغيرة ومتئدة، قائلا في هذا الصدد “عوض الازدحام على الغلات حيث لا جدوى من صراخ التهييج والتأليب الذي لا يسلك إلا في آذان ذئاب الغلات المنتعشين على الصراع”. بحسبه. 

ويقول صمد عياش، إن هناك من مزال يعيش في أوائل القرن العشرين، وهناك من أمن بأن الماركسية ليست عقيدة جامدة، ومن هذه الفصائل من أضاع الوقت الكثير لصياغة أوراق سياسية لنبد العنف داخل الجامعة ودعا إلى وحدة الحركة الطلابية، قائلا في هذا الصدد بأن هناك العديد من الفصائل اليسارية التي نجحت في جعل الفضاء الجامعي للعلم والنقاش والتفاعل بين مختلف التيارات، والنضال الحقيقي والتكوين”.

عنف وصراعات تخدم “الدولة”

من جهته، يقول محمد سلالة، وهو عضو شبيبة حزب “النهج الديمقراطي” في تصريح لموقع “لكم” إن العنف الذي يُمارس داخل الجامعات لا يخدم إلا مصلحة الدولة، معتبرا أن ذلك يسهل عليها المأمورية في تمرير عدة مخططات “تصفوية” في مجال التعليم، مشيرا في السياق ذاته، أن مبادئ الإتحاد الوطني لطلبة المغرب تحتوي بين طياتها على الديمقراطية، وأكد أن هذا المبدأ ناضل جيل سنة 1979  من الطلبة القاعديين من أجل ترسيخه وتفعيله داخل النقابة المذكورة.

أما أسامة طايع، طالب بسلك ماستر الدراسات السياسية والدولية بجامعة محمد الخامس اكدال، فأعتبر في تصريح لموقع “لكم” أن الأسلوب الذي تنهجه الفصائل الطلابية داخل الساحة الجامعية يدل على  عدم قدرة هذه الفصائل على الإقناع بالفكرة  والحجة المعرفية  عبر الأسلوب التواصلي المعتاد والذي ينطلق من الجانب العلمي  والمعرفي والذي يعتبر مرتكز الساحة الجامعية. مشيرا إلى أن الأمر يعزى أيضا لانعزال الجامعة عن الفضاءات المحيطة بها مما جعل الفضاء الجامعي يعيش حالة انفصام وجمود وعدم قدرته على مسايرة التحولات التي يعيشها المجتمع واحتياجاته.

 منيب: واقعة مكناس حدث خطير يؤكد أن الجامعة المغربية صارت حلبة للعنف

أما نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب الأشتراكي الموحد، فكتبت في تدوينة على صفحتها على موقع “الفيسبوك” إن واقعة مكناس وحلق رأس الشابة من قبل طلبة قيل أنهم ينتمون لفصيل”البرنامج المرحلي” حدث خطير يؤكد من جديد بأن الجامعة المغربية المفترض أن تشكل فضاء للحرية وتدبير الاختلاف، صارت حلبة للعنف والعنف المضاد والتطرف .

وأكدت منيب، أن القانون يجب أن يكون فوق الجميع وأنهم  ضد كل أشكال التطرف من أي مصدر كان وأن هناك ضرورة لإطلاق ثورة ثقافية تنويرية تحرر الفرد و تسمو بالمجتمع و تنقله للحداثة