قال الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي نجيب أقصبي إن المغرب حقق بالفعل محصولا استثنائيا من الحبوب بلغ 103 مليون قنطار (القمح اللين+القمح الصلب+ الشعير)، خلال الموسم الفلاحي الحالي، لكن ينبغي تصحيح الأمور والمعطيات لأنه سبق للمغرب ان حقق سابقا  محصولا وصل إلى 115 مليون قنطار.

وأضاف أقصبي في تصريح ل “لكم” أن الرقم الذي أعلنه وزير الفلاحة عزيز أخنوش سبق تحقيقه في السابق، اما بخصوص الأراضي الصالحة للزراعة فإنها حسب إحصاء قديم في سنة 1996 تصل إلى8 مليون هكتار، فيما تم إجراء إحصاء فلاحي جديد في سنة 2016، لكن لا نعرف لماذا لم يعلن عن تفاصيله أخنوش لحد الآن؟. يتساءل الباحث.

وأشار أقصبي أن تحقيق 103 مليون قنطار كمحصول سنوي من الحبوب، جيد، مستدركا “لكن المشكل أنه غير مستدام والمغاربة يطالبون منذ سنوات أن تكون المردودية دائمة وقارة، لأنه منذ أكثر من 20 سنة والسمة الأساسية لمحاصيل الحبوب هي التقلبات وليس الاستقرار حسب الظروف المناخية وليس بسبب السياسات الفلاحية. وفق تعبيره.

وأكد أستاذ الاقتصاد بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة أن المؤشرات تعني أن السياسات الفلاحية ومخطط المغرب الأخضر لا يؤثر على إنتاجية الحبوب (القمح الصلب، القمح اللين، الشعير)، وليس لها ضمانات للحد الأدنى من الانتاج لأن أبجديات أي سياسة فلاحية هي ضمان حد أدنى من الإنتاج، الذي يجب أن يصل في المغرب إلى 70  مليون قنطار، كيف ما كانت الظروف المناخية والمغرب، فيما يتم تحقيق فقط 40 مليون هكتار في بعض المواسم الفلاحية.

وأوضح أقصبي أنه يجب أن نشكر السماء على هذا المحصول الاستثنائي وليس مخطط المغرب الأخضر لأنها هي التي تتحكم في الانتاج وليس المخطط، والسنة المقبلة إذا لم ينزل المطر سنعود إلى ما دون هذا المعدل.

وأبرز أقصبي أنه لو كان مخطط المغرب الأخضر استطاع بعد إطلاقه منذ عشر سنوات من تأمين هذا المحصول كيف ما كانت الظروف المناخية لصفقنا له لكن الوقائع تقول العكس.

وأفاد أقصبي أن أخنوش يقول إن هدف المخطط الأخضر، تقليص المساحات المزروعة من الحبوب من خمسة مليون هكتار إلى أربعة مليون لصالح المساحات المزروعة من الأشجار والفواكه والخضر والمنتوجات التصديرية، لكن الآن المساحة المزروعة من الحبوب وصلت إلى خمسة مليون هكتار بمعنى أنه لم ينجح في هذا أيضا .

وتابع أقصبي كلامه قائلا” يجب الانتباه أن ما يسعى إليه أخنوش في المخطط الأخضر من تقليص المساحات المزروعة من الحبوب، لا يأخذ بعين الاعتبار الدوافع النفسية للفلاحين اللذين يتشبثون بزراعة الحبوب لأنها مكون أساسي لهم وللماشية التي تعد بنك الفلاح، وهذه حقائق سوسيولوجية يجهلها واضعو مخطط المغرب الأخضر، كما أنه من الحماقة تقليص المساحات المزروعة من الحبوب”.

وأشار نفس المتحدث أن عوامل استقرار المحاصيل غير موجودة مثل الأسمدة ونوعية البذور والمبيدات، بحيث أنها لم تتطور بالسرعة الضرورية لأننا لازلنا متخلفين جدا على مستوى عوامل تكثيف المحصول التي ترفع الإنتاجية، مضيفا ان مستوى الفلاحة المغربية لم يتطور بشكل كبير حتى نصل إلى ما هو مطلوب، لذلك فإنه لا داع للتباهي بتحقيق 103 مليون قنطار التي يرجع الفضل فيها للظروف المناخية فقط.

وأكد أقصبي أنه منذ 10سنوات يستورد المغرب مستوى قياسي من الحبوب يصل إلى 30 مليون قنطار إذا كانت السنة جيدة، و 50مليون قنطار إذا كانت سيئة، إذن معدل الاكتفاء الذاتي يتأرجح بين 40 و60 في المائة، وهذا مستوى مرتفع وخطير ولا يظهر أي مستوى تقدم على صعيد تحقيق الأمن الغذائي من الحبوب منذ 40سنة من السياسات الفلاحية بما فيها مخطط المغرب الأخضر.

وشدد أقصبي على أن السياسات الفلاحية بالمغرب فاشلة مادام أننا لم نحقق الاكتفاء الذاتي، ولم نرفع مستوى الإنتاج ليقلص التبعية الغذائية على الأقل بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية كالسكر الذي لازلنا نستورد منه ما يقارب 50% من حاجياتنا، ومايقارب من 95% من حاجياتنا من الزيوت النباتية، لهذا فإن وصف هذه السياسات الفلاحية بالفاشلة هو أمر موضوعي وليس حكم قيمة.

وأوضح أقصبي أن ما يؤكد فشل السياسات الفلاحية أيضا هو مستوى عيش الفلاحين بالعالم القروي، التي تشير الإحصائيات الرسمية ومن بينها معطيات المندوبية السامية للتخطيط، أن ثلثي الفقر بالمغرب موجود بالعالم القروي، مشيرا إلى انه لو كانت السياسات الحكومية ناجحة لتحسن مستوى دخل الفلاحين.

وأضاف في ذات السياق، أن السياسات الفلاحية فشلت في توقيف تدهور الموارد الطبيعية خاصة المياه  والأراضي والغابات، مشيرا إلى وجه آخر من فشلها هو أن معظم المحصول من الحبوب مصدره الأراضي البورية وليست السقوية مما يسائل أيضا سياسة السدود.

وأضاف أقصبي ” أن السياسات الفلاحية رهنت كل الإمكانيات المالية والبشرية والاستثمارية في المناطق السقوية وفي محاور السدود ومساحة هذه المناطقة تبلغ فقط مليون ونصف هكتار.

وأوضح أن تركيز كل الإمكانيات في 10% من الأراضي وتهميش 90% من الأراضي البورية، يؤدي لتهميش الإنسان أيضا، مشيرا إلى أن  التخلف الكبير في الإنتاج، ناتج عن التمييز الموجود في حق هذه الأراضي منذ أكثر من أربعين سنة.

وتابع أقصبي أن الدولة تركز على الأراضي المسقية لأن منتوجاتها من الخضر والفواكه مربحة وتوجه نحو التصدير، في حين تهمل البورية التي تنتج الحبوب مع أنها جد مهمة.

وأكد أقصبي أن مخطط المغرب الأخضر هو استمرار للاختيارات والسياسات الفلاحية السابقة، وللإنصاف فقد حقق بعض الإنجازات لكن للفلاحين الكبار فقط وليس للفلاحين الصغار وفي الأراضي المسقية وليس بالبورية.