قال حمزة طيبي، وهو باحث مغربي بجامعة نيويورك الحكومية بنغامتن وبكلية الآداب ظهر المهراز، إن السلطة في المغرب تقبل الآن تصدر حزب “العدالة والتنمية” للانتخابات الأخيرة، لأنها في حاجة إليه لتمرر المزيد من القرارات الصعبة ولتأكل الثوم بفم غيرها.

واستطرد طيبي، في تصريحات خص بها موقع “لكم” من أمريكا حيث يوجد الآن، لكن السلطة “غير مرتاحة للتغلغل الذي ما يزال هذا الحزب ينجح في تحقيقه تدريجيا”.

وزاد طيبي، “هذا معناه أن السلطة اليوم هي ضحية اختياراتها، أقصد تحديدا الاختيارات التي اتخدت في زمن الحسن التاني الذي فضل مواجهة اليساريين والتقدميين بتقوية المحافضين والسماح للفكر الإسلاموي بالبروز والانتشار. المشكلة اليوم هو أن حزب “الأصالة والمعاصرة” لم ينجح في تحقيق الأهداف التي جيء به من أجلها، أي محاربة المد الإسلاموي”.

وبخصوص حزب “الأصالة والمعاصرة” الذي رفع شعار وقف زحف “الإسلاميين”، قال طيبي، إن هذا الحزب لم يأت بأية “قيمة مضافة للمشهد السياسي المغربي، بل فقط جاء لخلط الأوراق في الساحة السياسية وإرباك أحزاب سياسية عديدة مستفيدا من الإنهاك الذي تعرضت له خلال الأربع عقود الماضية ومن التناقضات التي أصبحت اليوم تظهر للجميع في بيانات وقرارات وسلوكات هذه الأحزاب”.

وحدد طيبي الأسباب الأساسية وراء فشل “الأصالة والمعاصرة” في مهمته في ثلاثة أسباب، السبب الأول من وجهة نظره، “راجع بالأساس للولادة غير الطبيعية لهذا الحزب في زمن جديد لم يعد مقبولا فيه مثل هذه الولادات، وهذا ما رفضه بالأساس حراك حركة 20 فبراير في سياق الربيع الديمقراطي سنة 2011. صحيح أن أحزابا كثيرة تأسست ربما بطرق ووسائل يمكن اعتبارها أسوأ بكثير من الطريقة التي جاء بها حزب “البام”، الكل يعرف كيف ولد “الاتحاد الدستوري” والكل يعرف كيف ولماذا تدخلت جهات من داخل دواليب السلطة لمساعدة الإسلاميين على تأسيس حزب سياسي، لكن الظرفية التي جاء فيها “البام” كانت مختلفة نظرا لظهور وسائل إعلام إلكترونية جديدة وبديلة وانتشار ثقافة الصورة والفيديو، وبالتالي لم يعد من الممكن إخفاء المعلومة”.

أما السبب الثاني، فأرجعه الباحث المغربي إلى “اعتماد هذا الحزب على الأعيان، والأعيان هنا لا أقصد بهم أغنياء المدن والبوادي، لأن الأغنياء هم مواطنون لهم الحق الكامل في الترشح والتنافس الانتخابي في مناخ سليم وديمقراطي وهذا يقع حتى في أعرق الديمقراطيات، لكن أقصد بهم بالأساس الوجوه الانتخابية التي اشتهرت بالانتقال من حزب إداري “قديم” لحزب إداري “جديد” في مهمة مشبوهة لكي يقفوا أمام أي تنافس انتخابي نزيه بين الأحزاب الوطنية والديمقراطية. صحيح أن “حركة لكل الديمقراطيين” نجحت إلى حد كبير في استقطاب معتقلين سياسيين ويساريين تعرضوا للمضايقات والاعتقالات في زمن الراحل الحسن التاني، لكن في نفس الوقت اعتمد الحزب بعيد مرحلة التأسيس على وجوه جديدة لم نسمع عنها يوما ولم نقرأ عنها أبدا، التي سرعان ما لاحظنا خروقاتها في القرى والمدن. أزمة هذا الحزب اليوم هي شكايات الناس ضد مرشحيه وأيضا إدانات العديد من الأحزاب للخروقات الضخمة ودور السلطة المتأرجح ما بين حياد سلبي وتواطؤ مكشوف لفائدة هذا الوافد الجديد”. 

وفيما يتعلق بالسبب الثالث، فقال طيبي، إنه يعود إلى “افتقاد هذا الكيان الحزبي لهوية سياسية وعقيدة فكرية لا تخلو من التناقضات. صحيح أن أدبيات الحزب يميل خطابها إلى الحداثة وترسيخ بعض، أقول بعض وليس كل، قيم الديمقراطية، لكن هو يرفض ربط أزمة ترسيخ هذه القيم بطبيعة النسق السياسي المغربي، الذي كلما برزت ملامح عصرنته إلا وازداد ترسيخ وجهه التقليداني في هياكل الدولة ومؤسساتها. هذه الفكرة كان قد أشار إليها السي محمد الساسي أشهر قليلة ماضية عندما وصف حداثة حزب البام بـ”الحداثة المبتورة”، في الحقيقة إنها الحداثة الأكثر احتيالية. نتيجة هذه الظاهرة هي معاناة هذا الحزب من سكيزوفرينيا قاتلة، فمرة نسمع يساري نزيه من داخل الحزب يقدم اقتراحات وحلول جد رزينة بخصوص تحديات قطاعية كأزمة صناديق التقاعد و”الإصلاح” الذي تقدمت به حكومة السيد عبد الإلاه بنكيران، وأحيانا نسمع مقتل 4 أشخاص في إقليم وزان على يد مسشار ينتمي لهذا الحزب، والبعض يقول إن السبب وراء هذا الحادث يرجع إلى صراعات حول القنب الهندي، والبعض يقول إنه راجع إلى تصفية حسابات انتخابوية قديمة”.

وخلص طيبي إلى القول “أعتقد هذه ربما أهم الأسباب التي لم تجعل من حزب (الأصالة والمعاصرة) صاحب مشروع بديل يعتق المشهد الحزبي من البؤس والعبث ويواجه قوة الخطابات الإسلاموية والتي مع الأسف ما تزال تحارب أي مجهودات تهدف إلى خلق وعي ديمقراطي يعطي قيمة للفرد ولقيم المواطنة كما هي متعارف عليها كونيا”.