قال محمد جبرون، المفكر والباحث في التاريخ، إن “تعيين الملك لسعد الدين العثماني، الرجل الثاني في حزب “العدالة والتنمية”، يحمل رسائل عدة أهمها أن “المغرب في حاجة إلى رجال لهم القدرة على استيعاب الاختلافات والخلافات والتجاوب مع مراكز السلطة بشكل سليم”، منها كذلك أن مراكز القرار تريد رجلا على رأس الحكومة يكون أقل إثارة وحضورا في الإعلام، على عكس ما كان يقوم به عبد الإله بنكيران طيلة فترة المشاورات وحتى طيلة الحكومة السابقة.

وأفاد جبرون في حديثه مع موقع “لكم”، أن “القصر عين العثماني لتيسير قدرة الحزب على التواصل مع مراكز القرار”، موضحا أنه “من بين أخطاء بنكيران أنه كان يسعى إلى فرض طريقة معينة في التواصل مع القصر”، مشيرا إلى أن “المشكلة في الفترة السابقة أنه لا أحد في حزب (العدالة والتنمية) كان ينتقد بنكيران، لذلك فالقصر لا يمكن أن يقبل بهذا الوضع واختار الحل الأنسب”، وفق تعبير المتحدث.

ولفت جبرون إلى أن “رسائل التعيين لم تكن موجهة فقط للداخل، فهي موجهة كذلك إلى مراكز القرار في الخارج، التي تؤكد فيها على أن الملكية بالمغرب تكرس دورها التحكيمي”، كما جاء على لسان المتحدث.

واعتبر المتحدث، أن حدث انطلاق المشاورات الحكومية يوم أمس الثلاثاء 21 مارس الجاري، يعكس “توجها جديدا في طريقة تدبير المفاوضات”، وهو تعبير عن “انقلاب على المنهحية السابقة”، بحيث أن “العثماني تخلص من الكثير من العقد والثوابت والخطوط الحمراء، خصوصا حواره مع إلياس العماري الذي له دلالات عدة منها انتهاج العثماني لأسلوب جديد مخالف لتوجهات الأمانة العامة للحزب طيلة قيادة بنكيران لها”.

المؤرخ المغربي، وأحد المثقفين الأكثر جدلا داخل حزب “البيجيدي”، قال إنه “لا يجب تحميل مسؤولية الفشل لبنكيران وحده، لأن له شركاء داخل الحزب، فهو يستجيب لخيارات الأمانة العامة، لذلك فالذي فشل هو الخيارات التي كانت تعتمدها قيادة هذا الحزب”.

تكليف العثماني، وفق ما صرح به جبرون، هو “رسالة قوية هزت فريق الأمانة العامة للحزب، وهذه الهزة يمكن أن تساعد قيادة (البيجيدي) في مسايرة هذا التغيير، وأنهم مضطرين عمليا للتوافق مع ما كانوا يسمونه بـ(التحكم)”، وهذا أمر اعتبره المتحدث “أمرا محمودا من شأنه أن يحافظ على وحدة الحزب كقوة إصلاحية وسيكون في صالح المغرب”.

جبرون، وهو أحد العارفين بشخصية “العثماني”، قال إن “أهم ما يميز رئيس الحكومة الجديد هو قدرته على التكيف والتموقع والتأقلم مع جميع الظرفيات السياسية”، مضيفا أن الشيء السلبي فيه هو أنه لم يحسم مع استمرار الموقف من “التحكم”.

وأكد جبرون، على أن “جهات من دوائر القرار لا ترغب في استمرار بنكيران في رئاسة الحكومة”، موضحا أن “البلوكاج انتهى يوم سحب التكليف من بنكيران”، مضيفا أن “بنكيران ضحية جهتان، الأولى، لسانه القوي، والثانية، البطانة التي تحيط به وتمدح أخطاءه وتدفعه نحو الصراع، وهؤلاء يجب أن يعترفوا أنهم ارتكبوا خطأ جسيما في حق الحزب”.

وأشار المؤرخ المغربي إلى حدث إعفاء بنكيران بما يشكله من اضطراب لدى القيادة، يجب أن يدفع إلى بناء أطروحة جديدة أكثر فعالية، لأن أطروحة المؤتمر الوطني السابق أدخلتهم في مأزق، لذلك قيادة “البيجيدي” تحتاج إلى شجاعة وجرأة.

وقال المصدر ذاته، إن دور الخارج في الانتقال السياسي بالمغرب لا يمكن إنكاره، لذلك، الدولة المغربية عملت على الدفع بصيغة (رابح- رابح)، وهو ما جعل النظام السياسي يقنع شركاءه الدوليين بأنه لا يمكن أن يقوم بتغيير راديكالي سوى أن يدفع باختيار شخص ثانٍ في حزب “العدالة والتنمية” ليقوم بهذه المهمة، وهو شخص في اعتقادي قادر على التفهم وهو أقل الحلول تكلفة، والتواصل مع الخارج يحتاج لرجال لهم قدرة عالية على التكيف والتأقلم”، حسب تفسير جبرون.