قال مصطفى اليحياوي، أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، إن “التقدير السياسي الأهم في هذه المرحلة هو أن الملك سيمارس صلاحياته آخذا بعين الاعتبار تصوره العام للفريق الحكومي الذي يريده وفق مزاجه، الذي يرجع إلى منطق 2002 و2007 وأن أي فرد يمكن أن يشوش عليه سيتحفظ القصر على استوزاره”.

ويرى اليحياوي، في تصريح لموقع “لكم”، أن “الملك سيعمل على تنزيل الجيل الثاني من الأوراش الكبرى بغض النظر عن توجه بنكيران السياسي، فبالنسبة للملك أن يحكم بشراكة مع (العدالة والتنمية) أمر عادي لكن وفق ما يتصوره هو”، مضيفا، “وذلك له ارتباط وثيق بالعلاقات الاستراتيجية مع شركائه الدوليين خصوصا فيما يتعلق بالاستثمارات الإماراتية والتزاماته في إفريقيا”.

وأكد المتحدث أن “الملك يحتاج إلى تقنيين وليس إلى السياسيين، لذلك فالتخلي عن الرميد في وزارة العدل مرتبط بهذا الأساس، على اعتبار أن الرميد وضع الركائز الأساسية للعدالة، التي تحتاج إلى التنفيذ فقط من طرف تقنيين لا يخلقون التوتر في الهيئات القضائية وليس بالضرورة وفق تصور الرميد”.

وأوضح المحلل السياسي، أن “الملك يحتاج إلى تقنيين كذلك لتنزيل الأوراش الكبرى، وأن البرنامج الحكومي وفق تصور القصر يحتاج إلى فريق عمل بخطة (القليل من السياسة والكثير من التقنية)”، مؤكدا على أن تصور القصر للحكومة، غير مرتبط بالسياسة، بل بمزاج الملك، الذي يريد أن يكون مركزا مؤثرا في تنشيط العمل الحكومي. لكن “في حزب (العدالة والتنمية) تقل التقنية وتكثر السياسة، يعني أنه صعب عليه مواكبة الجيل الثاني من الأوراش الكبرى”، يضيف المتحدث.

ونبه الخبير في الخريطة الانتخابية المغربية، أن “الخطر القادم هو الشارع المسيس، الذي لم يهضم بعد هذه المفارقات، لأن الوسائط الحزبية ستفقد دورها وستترك السلطة في مواجهة مباشرة مع الشارع”.

وتابع بالقول: “الخطير في الأمر كذلك هو أن معدل الجريمة سيرتفع، وأزمة التعليم ستنفجر، لأن التقنيين لن يستطيعوا تجاوز الإشكالات التدبيرية في القطاع نظرا لحساسية الوضع مع النقابات”.

ورجح اليحياوي تعيين حكومة العثماني أن “يكون بسبب المزاج السياسي للقصر، الذي يقول إن الملك متحمس للفعل العمومي، يريد الفعل وليس السياسة، يحكم ويسود بفعله بشكل كبير، ولا يريد أن يرجع إلى الوراء”، مضيفا: “عكس ما كان يفعله بنكيران، الذي جعل الشارع ينتبه لفاعل ثاني، يؤثر سياسيا أكثر من الملك، لذلك وجب وقف هذا المد البنكيراني في السياسة”.

واستطرد المتحدث بالقول: “أما بالنسبة للملكية فالتنمية أولى من السياسة، ولا تعتبر الانتخابات ركيزة أساسية للانتقال الديمقراطي، خصوصا أن الأحزاب كلها تقريبا تشتكي من بنكيران، الأحزاب تفكر بمنطق التوافق بدل صناديق الاقتراع، وهي تخوف الملك من بنكيران”.

ويتوقع المحلل السياسي، أن تكون هذه الحكومة بدون معارضة، لأنه في اعتقاده أن بنكيران “الذي يمكن أن يقوم بها انتهى سياسيا على المستوى الرسمي، وأن (البيجيدي) يعمل دائما على احتواء آليات الصراع، كما أن الثقافة الدعوية لهذا الحزب تجعله يحافظ على الوحدة التنظيمية للحزب، لذلك لن يغامر بموقف قد يؤدي إلى تقسيمه”.

وأشار اليحياوي إلى أن “كلفة تدبير القصر لهذه المرحلة السياسية، ستكون صعبة، خصوصا أن أي صراع خرج للشارع سيتحول بشكل مباشر إلى صدام بين دوائر القرار والشعب، لأنه يصعب محو المجهود السياسي الذي قام به بنكيران في المجتمع”، مؤكدا على أن “الذين يخططون لهذه المرحلة السياسية الدقيقة، في تدبير هذه الإرادة الملكية يغامرون كثيرا نظرا لسياق التوتر الذي تعيشه مناطق العالم”.

ويتوقع الباحث في الجغرافيا السياسية ألا تتوقف دينامية 20 فبراير، واصفا إياها بـالـ”bus” الذي يتحرك حسب الظروف السياسية والاجتماعية لكن يصعب إطفاؤه بهذه المعطيات السياسية الواردة، ولأن “إمكانية إقناع الأحزاب للشارع مستبعدة، والعثماني غير مقنع في لغة التواصل السياسي”، يضيف المتحدث، مشيرا إلى أن “عدم قدرة العثماني على إقناع الشارع والطبقة المتوسطة بالخصوص، سيجعل الدولة تحرك القوات العمومية وسنكون أمام أزمة حقوق الإنسان”.

واعتبر اليحياوي أن النخب التي أنتجها خطاب بنكيران في الانتخابات الجماعية، لم تستطيع تسيير الجماعات، ودخلت في توترات مع السلطة، وأن الذي لم يفهمه بنكيران هو أنه لا يمكن بناء فعل سياسي منتج بدون عقلنة الإرادة السياسية أي تقدير مصالح الحظوة المخزنية.