قال محمد الساسي القيادي في حزب “فدرالية اليسار” وأستاذ العلوم السياسية، إن الأثر البارز لحركة 20 فبراير هو دفع النظام لتعديل الدستور، لأن فكرة تعديل الدستور والإتيان بدستور جديد لم تكن في الأجندة السياسية للعهد الجديد.

وجاء حديث الساسي في الندوة التي نظمتها “فدرالية اليسار”، أمس الجمعة، حول ” أثر حركة 20 فبراير في التاريخ الدستوري المغربي”، والتي تضمنت أيضا مناقشة كتاب محمد مدني أستاذ العلوم السياسية حول “المسألة الدستورية في المغرب”.

وأشار الساسي أن النظام كان يتحدث عن الإصلاح المؤسسي على مستوى الجهوية والقضاء، وأهم تنازل قدمه النظام لحركة 20 فبراير هو الدستور الجديد، لكن هل هو اقتناع منه بالتغيير؟ أم عملية تكيف في انتظار هدوء العاصفة؟.

الدستور ليس تراكميا

وأكد  الساسي أن الدستور الذي يأتي لا يكون بالضرورة متقدما عن الذي سبقه، لأنه ليس تراكميا، فدستور سنة 1970 أسوأ من دستور 1962، ودستور 1972 أحسن من دستور 1970 لكنه أقل من دستور 1962، علما أن أسوأ الدساتير المغربية على الإطلاق هو دستور 1970.

واعتبر الساسي أن دستور 1992 متقدم على دستور 1972، ودستور 1996 متأخر على دستور 1992، ودستور 2011 هو أحسنهم جميعا لكنه ليس دستور الملكية البرلماينة.

وأبرز أن ظروف إجراء الاستفتاء على دستور 2011 أظهرت أن نوايا النظام لم تكن تتجه إلى تغيير البلاد نحو تطور مؤسسي يسمح لها بالانفتاح على العصر الديمقراطي، فالنظام تصرف على أساس عزل الديناميات على بعضها البعض حتى لا تصب جميعا في 20 فبراير.

كما اقترح على مختلف الفاعلين صفقة عامة أساسها لا تشاركوا في الحركة وسأحل مشاكلكم كلا على حدة، وأول من التقط هذه الإشارة هو حزب “العدالة والتنمية”.

سلوك النظام 

وشرح الساسي خمس مراحل في تغير سلوك الحكم اتجاه حركة 20 فبراير، أولها التشويه والمحاصرة، ثم مرحلة المغازلة، والمرحلة الثالثة كانت للقمع المباشر، ثم القمع بالوكالة، والمرحلة الخامسة كانت لتصفية الحساب.

وسجل أنه في مراحل القمع المباشر أو القمع بالوكالة ظهر أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لعبت دورا في تعبئة بعض الجمعيات المحلية والشباب الملكي، واللجوء إلى البودشيشية لمواجهة الدستور، مما أظهر أن النظام لم يكن يتقن معركة الرد على الشارع بجزء من الشارع.

ولفت إلى أن موقف حزب “العدالة والتنمية” كان حاسما حيث أعطى للنظام كلمة نعم للدستور، ونعم لعدم المشاركة في حركة 20 فبراير، وعدم المنازعة في طريقة إجراء الاستفتاء، وفي نظامية إجراءات الاستفتاء، مقابل وجوده في رئاسة الحكومة.

وشدد الساسي على أن النظام كان مهتما بنعمين أساسيين، نعم على دستور “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ونعم لدستور حزب “العدالة والتنمية”.

وقال أنه من نقاط قوة حركة 20 فبراير أنها صنعت الحدث وعبئت ما لم تنجح في تعبئـته نقابة أو حزب سياسي، وخلقت خلخلة سياسية وحزبية، وعمقت التسييس الشبابي، ووضعت سلسلة من المطالب المتكاملة التي كانت خلفيتها تصب في فكرة الانتقال، ودفعت النظام لتقديم بعض التنازلات التي طال انتظارها.

الدمقرطة نزعة ثقيلة

وأشار الساسي أن الحركة كانت تشكو أيضا  من مجموعة من نقاط الضعف، أولها أن كتلة كبيرة من المواطنين لم تشارك فيها، وحتى الأطراف المشاركة فيها لم يكن لها تصور عام مشترك حول المسألة الدستورية والديمقراطية، وهذا يتجلى في غموض بعض الشعارات، إلى جانب أن الفئات المتوسطة انقسمت إلى ثلاث مجموعات، فئة من الطبقة المتوسطة أغراها شعار بنكيران “الإصلاح مقابل الاستقرار”، وفئة شاركت في الحركة، وفئة أخرى وهي تمثل الأغلبية لم تشارك.

وأكد الساسي أن الحركة لم تنجح في التحول إلى نواة للانتقال، وأصيبت بضعف عام بعد انسحاب “العدل والإحسان” منها وصعود عبد الإله بنكيران، لكنها استمرت في أشكال أخرى إبداعية فنية، لكن الحركة تبقى فكرة تمثل دافعا أو صيغة جديدة للظهور، لأن الدمقرطة اليوم نزعة ثقيلة ولا يمكن تجنبها.

وتابع ” أنا شخصيا أعتبر ما نعيش اليوم من قمع وانقضاض على حرية التعبير ومحاصرة بعض المعارضين، وما تعرض له حراك الريف وزاكورة ينم عن خوف للنظام من أن تأتي حركة أخرى، لذلك يقوم بقمع استباقي خوفا من أن تأتي العاصفة، والعاصفة آتية لا محالة، لأن الدمقرطة نزعة ثقيلة والبلدان التي عرفت عملية انتقال ديمقراطي مرت من عدة مخاضات”.

وأكمل بالقول “مررنا بالمخاض الأول ولاحظنا في المنطقة هبات متتالية ولا بد أن تأتي هبات أخرى، لأنه لا يمكن أن تبقى هذه المنطقة معزولة عن تيار الدمقرطة العالمي، لهذا حركة 20 فبراير ستستمر وإن بأشكال أخرى وفي مواعيد لا نتوقعها”.

وزاد “مع دستور 20111 يستمر جزء هام من أعطاب البناء الديمقراطي، واستمرار الملكية التنفيذية، وهي شعار قيل قبل دستور 2011، وبعد ظهور الدستور الجديد طرح سؤال عريض حول مدى إنهاء عهد الملكية التنفيذية”.

وخلص الساسي على أن دستور 2011 لم ينهي الملكية التنفيذية التي استمرت عبر صيغ مختلفة، من ضمنها الاجتماعات الملكية، والأوراش الملكية التي يسلط عليها ضوء كبير في وسائل الإعلام، وعبر ما روج له عبد الإله بنكيران واعتبار أن الدستور نص معلق على شرط، فالصلاحيات المتاحة لرئيس الحكومة يطبقها بعد أن يلتقط الإشارة بذلك، وفكرة الملك الاستراتيجيي، والملك المصحح، والملك الذي يملأ الفراغ الذي تتركه الحكومة، وكل هذا جعل دستور 2011 ليس هو الدستور الذي يؤطر عمليا المشهد السياسي والعملية السياسية في المغرب..