بمرور سنة على تعيين حكومة عزيز أخنوش، تطفو الوعود الحكومية على السطح مجددا، حاملة معها تساؤلات حول مدى وفاء الحكومة الجديدة بالالتزامات التي سطرتها في برنامجها.

فرغم الانتقادات التي طالت الوعود الانتخابية ثم الالتزامات المضمنة في البرنامج الحكومي، ووصف بعضها بالوعود الكاذبة، ظلت الحكومة، وقيادة أحزابها الثلاثة، تؤكد أنها ستفي بهذه الوعود، ليطرح التساؤل بعد عام؛ هل شرعت حكومة أخنوش في الوفاء بوعودها؟

وعود في مهب الريح

بدءا بصفحته الأولى، يُطل البرنامج الحكومي بحزمة من الوعود والالتزامات التي تصبو إلى الإصلاح الديمقراطي وتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية وخلق فرص شغل للجميع، والحكامة، وغيرها. وفي تفاصيل البرنامج، نجد مجموعة من الالتزامات التي سطرت لها الحكومة سنة 2022 تاريخا لتفعيلها، لكن وإلى حدود اليوم لا تزال هذه الوعود مجرد حبر على الورق.

ففيما يخص إرساء دعائم الدولة الاجتماعية، وعدت الحكومة في برنامجها بـ”مدخول كرامة” لفائدة المسنين، يستفيد منه البالغون 65 عاما فما فوق، وقد التزمت الحكومة ببدء صرف هذه المنحة ابتداء من الفصل الرابع من السنة الجارية.

لكن ولحدود اليوم، وبعد دخول الفصل الرابع من العام، لا يزال منح المسنين 400 درهم شهريا، والذي من المفروض أن يزداد بتوالي السنوات إلى أن يصل إلى 1000 درهم في 2026 –لا يزال- مجرد وعد.

الأمر نفسه مع الوعد الحكومي بمنح الأسر المعوزة تعويضات تبلغ 300 درهم لكل طفل في حدود ثلاثة أطفال لدعم التمدرس، فرغم أن الحكومة التزمت بصرف هذا التعويض اعتبارا من الفصل الرابع من 2022 إلا أنه وإلى غاية اليوم لا وجود لهذا الدعم على أرض الواقع.

وإلى جانب ذلك، التزمت الحكومة بتقديم دعم مدى الحياة للأشخاص في وضعية إعاقة، رابطة إياه بمدخول كرامة للمسنين والتعويضات عن الأطفال، لكن ولحدود اليوم تستمر هذه الفئة في المعاناة، ولم تتوصل بعد بأي دعم حكومي.

ومن جملة الالتزامات التي جاء بها البرنامج الحكومي، جعْل نسبة النمو 4 في المئة عبر مجموعة من الإجراءات المبتكرة، ورغم أن الحكومة خفضت التوقع في قانون مالية 2022 إلى 3,2 في المئة، فإنها عادت لتخفض توقعها إلى 1,5 في المئة، في حين يتوقع بنك المغرب أن نسبة النمو هذا العام لن تتجاوز 0,8 في المئة، بما يعنيه ذلك من انعكاسات على مختلف الوعود الحكومية بخلق فرص الشغل وخفض معدلات الفقر وغيرها.

وإذا كان تراجع النمو له مجموعة من العوامل الخارجية والداخلية التي تتجاوز إرادة الحكومة، فإن هذه الأخيرة تجد نفسها محرجة، خاصة وأن رئيسها عزيز أخنوش خلال تجمع انتخابي بأكادير انتقد “كذب” حزب العدالة والتنمية بهذا الخصوص، وقال “مغانديروش بحال حزب سياسي قال إنه سيحقق نسبة نمو ما بين 4.5 و 5.5 في المئة، وحقق 1.7 في المئة”، معتبرا أن مثل هذه الوعود الكاذبة هي التي تسبب فقدان الثقة.

وأضاف خلال ذات التجمع “نحن ناس المعقول ولا يمكن أن نقدم للمغاربة أرقاما نكذب عليهم فيها، ولا يمكن أن نقدم إلا الأرقام التي نحن متيقنون منها. فعندما نقول إننا سنقوم بعمل ما، فمعناه أننا سنقوم به، وإذا كنا غير قادرين على شيء فإننا نصمت ولا نعد به”.

وعود طموحة وواقع معاكس 

وإذا كانت الحكومة قد أخلفت جزءا من أهم وعودها والتي كان يفترض أن تكون قد رأت النور، فإن جزءا آخر من الوعود يظل لليوم مدار تساؤل، وتتزايد الشكوك حول القدرة على الوفاء به، خاصة وأن المؤشرات المرتبطة به تظل بعيدة، والواقع يعاكسه..

فبعدما لم تتمكن الحكومة من تحقيق أي من برامج “إحداث الدخل الاجتماعي لتماسك وكرامة الأسر المغربية” في التاريخ المعلن عنه، يبقى مصير البرنامج الأخير في هذا الباب والمتعلق بمنحة ولادة قدرها 2000 درهم للطفل الأول و1000 درهم للطفل الثاني، محط شك، خاصة وأن الحكومة وضعت له سنة 2023 تاريخا لانطلاق التفعيل.

ومن أبرز الوعود الحكومية التي تلفها الشكوك ويعاكس تنفيذها واقع الأرقام، إخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، في الوقت الذي يزداد الضغط على الأسر المغربية بسبب الارتفاع المستمر للأسعار وإثقال كاهل الأسر وقدرتها الشرائية، باعتراف الحكومة، وبلوغ التضخم لمستوى 7,8 في المئة، وتسجيل مندوبية التخطيط أن أزيد من 79 في المئة من الأسر تدهور مستوى معيشتها، إضافة إلى تدهور الوضع المالي لأزيد من نصف الأسر، ناهيك عن أرقام أخرى تعاكس الوعد الحكومي والتي نشرتها المندوبية في مذكرتها حول الظرفية لدى الأسر في الفصل الثاني من العام الجاري.

ولا يبدو أن وعد تحقيق مليون فرصة شغل يسير بالشكل المطلوب في ظل نسبة النمو الحالية، وفي ظل الانتقادات التي تطال برامج الحكومة، خاصة “أوراش” الذي سجل تقرير لمرصد العمل الحكومي أن نسبة تحقيق أهدافه بلغت 3 في المئة في جهة كلميم و15 في المئة في الدار البيضاء، وبلغ كأعلى نسبة 88 في المئة بجهة الشمال، رغم أنه لا يضمن الديمومة والاستقرار للمستفيدين.

هذا البرنامج الذي بلغ عدد المستفيدين منه 80 ألف شخص لغاية الشهر الجاري، سجل تقرير المرصد أنه إلى جانب تباين نتائجه بالجهات، عرف ارتباكا وتعثرات، ناهيك عما طاله من شبهات تدبيره من جمعيات مقربة من المسؤولين.

هذا في الوقت الذي سجل فيه ذات التقرير تعثر انطلاق برنامج “فرصة” وعدم تحقيقه لأي نتائج كمية أو نوعية منذ إعطاء انطلاقته.

وبخصوص الوعود الحكومية في قطاع التعليم، والتزامات النهوض بالمدرسة العمومية وتكافؤ الفرص وجعل المغرب ضمن الدول 60 الأفضل عالميا وإعادة الاعتبار للمدرس، فتكاد تجمع التقارير، وكذا البلاغات النقابية على استمرار نفس الأعطاب في المنظومة التربوية، والدخول المدرسي الحالي يشهد على ذلك، حيث تم تسجيل استمرار الأقسام المشتركة والهدر المدرسي والنقص الحاد في الأطر، مع استمرار احتجاجات وإضرابات مختلف الفئات التعليمية التي لم ترُقها العروض التي تقدمها الوزارة الوصية في إطار الحوار القطاعي، فضلا عن أن وعد 7500 درهم أجرة للأساتذة لا يزال النقاش حوله معطلا، ويستمر المغرب متأخرا في تصنيفات التعليم.

ورغم أن الحكومة لم تضع سقفا زمنيا لجملة من التزاماتها إلا أنه ولغاية اليوم لا تبدو بوادر تحقيق هذه الالتزامات، ومن ذلك تحسين ظروف استقبال المرضى وتسهيل الولوج للعلاج، ورفع نسبة نشاط النساء ل30 في المئة، والاهتمام بمغاربة العالم وقضايا الهجرة، وتحقيق الشفافية وتكافؤ الفرص، وغيرها.

بايتاس: عنصر الأزمة عطّل تحقيق الوعود

وتعزو الحكومة عدم تحقيق التزاماتها المذكورة في التاريخ المحدد لها إلى ظروف الأزمة التي ميزت عملها هذا العام، مؤكدة أنها ماضية في الوفاء بكل وعودها.

ففي جواب لمصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة على سؤال في الموضوع لموقع “لكم” قال إن قانون المالية للسنة الأولى غالبا ما لا يكون خالصا للحكومة، وذلك في مختلف التجارب الديمقراطية حول العالم.

وينضاف إلى ذلك، يضيف الوزير، ظهور عنصر جديد وهو عنصر الأزمة على الصعيد الدولي والذي لا ينكره أحد، وقد تسبب في ارتفاع كبير للأسعار إلى درجة أننا نتحدث اليوم عن فتح اعتمادات إضافية لصندوق المقاصة، كما أن تقديرات قانون المالية لسنة 2022 ما كانت لتتوقع ما حدث.

هذه الظرفية، حسب بايتاس، جعلت تحدي الحكومة تحديا مزدوجا، حيث كان عليها أن تدبر الأزمة عبر مجموعة من الإجراءات للتخفيف من وطأتها على المواطن والاقتصاد الوطني، ومن جهة أخرى، كان لديها تحدي تنفيذ البرنامج الحكومي الذي فيه مجموعة من الالتزامات.

مصطفى بايتاس

ورغم أن العام الأول تميز بالأزمة، إلا أن الحكومة تعتبر حصيلتها إيجابية، سواء فيما يتعلق بالتقدم في الترسانة القانونية المرتبطة بورش الحماية الاجتماعية، أو فيما يتعلق بمأسسة الحوار الاجتماعي وإطلاق الحوار القطاعي في مختلف الوزارات والذي سيشكل منطلقا من أجل الوفاء بالتزاماتها.

كما تسجل الحكومة بإيجاب الدعم الذي قدمته للمقاولات والقطاع السياحي وقطاع الفلاحة وغيرها من القطاعات المتضررة، فضلا عن إخراج ميثاق الاستثمار وما يرتبط به.

وإلى جانب ذلك، تعتبر الحكومة أنها قامت بعدة إجراءات للحفاظ على القدرة الشرائية للمغاربة، ومن ذلك تقديم الدعم لمهنيي المحروقات ومضاعفة الاعتمادات المخصصة لصندوق المقاصة ليصل إلى 32 مليار درهم، وذلك حفاظا على أسعار الدقيق والغاز وغيرها من المواد المدعومة.

وشدد الناطق الرسمي على أن الحكومة ماضية في مسار تفعيل مختلف الإجراءات التي وعدت بها، بما فيها التعويضات عن الأبناء، مبرزا أن هذا التعويض مرتبط بورش الحماية الاجتماعية الذي سيأتي في السنة المقبلة، أما السنة الأولى كانت من أجل تعميم التغطية الصحية، وقد تم إكمال كل المراسيم المتعلقة بها.

ووعد بايتاس بأن الوعود التي لم تستطع الحكومة الوفاء بها في الفصل الرابع من هذا العام كما جاء في البرنامج، ستبدأ في إقرارها في أواخر عام 2023، ناهيك عن تفعيل كل الإجراءات داخل آجالها المحددة.

أوراز: الظروف الحالية تضع الوعود على المحك 

رشيد أوراز الباحث الرئيس بالمعهد المغربي لتحليل السياسات، أكد على أن الحكومة جاءت في سياق يتسم بالعديد من العوامل غير المساعدة، أولها تأثيرات ما بعد كوفيد، والجفاف الذي طبع هذه السنة، وتبعات الحرب بأوكرانيا من تضخم ومشاكل على مستوى سلاسل الإمداد، والغلاء في أسعار الطاقة.

واعتبر أوراز في تصريح لموقع “لكم” أن الحكومة بالمخططات والفرضيات التي وضعتها في قانون مالية أعدته لسنة عادية، لم تستطع مواجهة كل هذه التحديات، وكل ما قامت به هو تقديم بعض الدعم لبعض القطاعات، لكن على مستوى التشغيل ليس هناك تقدم كبير، وهو الشأن نفسه على مستوى الاستثمار، والدليل على ذلك أن معدل النمو سيبقى أقل من 2 في المئة، وهو ما يعني أن المشاكل التي تراكمت منذ 2020 ستبقى في 2023.

رشيد أوراز

وشدد المحلل أن التحديات خلال السنوات القادمة ستبقى هي نفسها، منبها إلى أن مواجهتها بنفس الطريقة التقليدية من خلال الاعتماد على مبادرات حكومية لحل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية لن يجدي ولن يؤدي لأي حلول.

واعتبر أوراز أنه وفي ظل الظروف الحالية، من الصعب أن تحقق الحكومة الوعود التي جاءت بها في برنامجها، خاصة إذا استمرت بالعمل بنفس الطريقة الحالية.

وأوضح أن الذي يخلق الوظائف والنمو الاقتصادي هو القطاع الخاص والاستثمار الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر، لكن في ظل الأوضاع الدولية والمحلية الراهنة من الصعب تحقيق هذه الأهداف، وهو ما ينعكس على البرامج الاجتماعية التي لا يمكن أن تفي بها الحكومة في السنوات المقبلة، ما لم يكن هناك ما يكفي من نمو اقتصادي وعائدات وموارد.

وشدد الباحث على ضرورة فتح المجال للقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر والكفاءات المغربية لتساهم في دينامية التنمية وتقديم الحلول والاقتراحات لتطوير الاقتصاد وإصلاح الإدارة والمؤسسات، بهدف تجنب السيناريو الأسوأ الذي يهدد الكثير من البلدان في المنطقة، وهو اللااستقرار وتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات القادمة.