ككل سنة نظمت جماعة “العدل والإحسان”، بطنجة ليلة أمس الجمعة 05 يناير  الجاري، ندوة تحت عنوان “المراحل الانتقالية.. مداخل التحقق وآليات التدبير”، وذلك في إطار الأنشطة التي تنظمها الجماعة إحياء للذكرى الخامسة لوفاة مرشدها، بمشاركة عبد العزيز النويضي الحقوقي والأستاذ الجامعي، وخالد العسري الباحث في العلوم السياسية، بالإضافة إلى شُعيب عاهدي الخبير في الشؤون الدولية.

غياب الفدرالية

وسط غياب مثير لمختلف الأحزاب المشكلة لفدرالية اليسار (حزب الطليعة، الاشتراكي الموحد، المؤتمر الوطني الاتحادي)، أحيت الجماعة بعاصمة البوغاز الذكرى الخامسة لوفاة مرشدها .

وإذا كان غياب محليات تنظيمات الفدرالية عن لقاءت العدل والإحسان أصبح شبه مألوف، فإن غياب مجموعة من الرموز المنتمية لهذا التجمع التي دأبت على التنسيق والحضور مع الجماعة، أرجعته العديد من المصادر إلى الضغوطات التي تتعرض لها داخل أحزابها، كما أن الاستحقاقات الدورية المقبلة لبعض أحزاب الفدرالية من العوامل الأساسية لهذه القطيعة، وفي مقدمتها المؤتمر الوطني الرابع للحزب الاشتراكي الموحد المنتظر عقده أيام 19 و 20 و 21 يناير الجاري .

مقابل هذا الغياب، عرفت الندوة حضورا كبيرا لمختلف التنظيمات السياسية والنقابية والدعوية والجمعوية والإعلامية، وهكذا حضرت أحزاب وتنظيمات  النهج الديمقراطي، حزب الأمة، وحركة التوحيد والإصلاح، والحركة من أجل الأمة، ومجموعة معتبرة من رموز المدينة من دعاة وقانونيين، وحقوقيين، وإعلاميين، وكتاب وباحثين ..

مناقب ياسين في الدعوة إلى الحوار

كلمة الجماعة بطنجة تلاها هشام بلغزواني ركزت على مواقف الراحل ياسين من العمل المشترك والتعاون بين جميع الغيورين لإنقاذ الوطن من الظلم والطغيان والاستبداد، وأشار بلغزواني إلى أن مشروع الراحل أسس للتغيير الذي ما فتئنا ننصب موائد حوارية ومشاريع تشاركية لمناقشته، مؤكدا على ركيزة الحوار في مشروع التغيير باعتباره منطلقا ومبدأ استراتيجي يناط به ويدور عليه فعل التغيير.

وعرج المتحدث إلى أن كل كتب المرشد تشير إلى”قضايا متناولة وأطاريح مبثوثة في قالب حواري معروض للنقاش العلمي الرصين، مع كل من يروم التغيير، فهذا حوار مع صديقي الأمازيغي، وذاك حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، وذاك حوار الماضي والمستقبل”.

واستشهد بقولة للراحل ياسين جاء فيها “الحوار ضروري مع كل من يحركه غضب شريف ضد أعداء الأمة، مع كل من تغلي في صدره الغيرة على ما آلت إليه الأمة، مع كل من له طموح شريف ليخدم الأمة، لعاقل مسئول أيقظته مسؤولياته نكبات الأمة..”.

ويأتي أهمية موضوع الندوة “المراحل الانتقالية.. مداخل التحقق وآليات التدبير” بحسب أرضيتها التي وزعت على الصحفيين، لما له أهمية كبرى خاصة في البلدان العربية بعد ما تم إجهاض إرادة الشعوب وطموحها لتحقيق قيم الكرامة والحرية من طرف الثورات المضادة بسبب الأخطاء الفادحة التي ارتكبت إبان المرحلة الانتقالية.

النويضي : النظام في المغرب مغلق والحقل المفتوح تتحكم فيه وزارة الداخلية

اعتبر الأستاذ عبد العزيز النويضي في معرض حديثه عن الانتقال نحو الديمقراطية، أن من أبرز الحقوق المرتبطة بالمشاركة السياسية، هو ما سماه بالحق في الديمقراطية، الحق في التنظيم وتأسيس الأحزاب، والنقابات والجمعيات على قدم المساواة، والحق في حرية التعبير، وولوج الإعلام العمومي على قدم المساواة، والحق في الوصول إلى المعلومات، وكذلك الحق في انتخابات حرة ونزيهة ودورية .

ليخلص إلى أننا في المغرب لم نبدأ بعد أي انتقال ديمقراطي، ولا زلنا في مرحلة بعيدة ولا زال النظام مغلقا، وليست فيه أي منافسة، فالملك هو الذي يتخذ القرارات الحاسمة في الداخل والخارج.

 مشيرا إلى أن هناك حقل مفتوح تتحكم فيه وزارة الداخلية، فهي التي ترى من سيدخل الحقل، ومن ستدخل هي الحقل، وما هي الأحزاب التي ستصنعها أو التي ستدعمها؟ وما هي الصحف التي ستشجعها؟ وما هي صحف التشهير التي ستطلقها على المعارضين؟ وكيف سيحتكر الإعلام السمعي البصري؟ وكيف يتم هندسة الانتخابات وهندسة الحكومات؟ وعند الاقتضاء يتم خرق القانون وخرق الدستور، يقول النويضي.

ووصف الحقوقي البارز النظام في المغرب “بالامسؤولية المنظمة”، فالجهة التي تتخذ القرارات الأساسية لا يحاسبها أحد، وليست لها مسؤولية، وسلطتها غير مرتبطة بتقديم الحساب والجهات الأخرى مثل الحكومة والوزراء والولاة والعمال وخاصة المنتخبين، الذي يتخذ القرارات التي تهم الملايين لا يحاسب في ما يحاسب من ليست له السلطة.

ومن شروط الانتقال الديمقراطي يضيف النويضي أنه يجب تفكيك هذه البنية، وخلق تراضي بين القوى المؤمنة بالتغيير لخلخلة موازين القوى، وصولا إلى نوع من التطبيع بين مختلف القوى، مشيرا إلى ضرورة التفاهم بين اليسار والإسلاميين .

العسري : ليس بالضرورة إعادة إنتاج التجارب الفاشلة 

من جهته تساءل الباحث في العلوم السياسية خالد العسري، عن سبب عدم وجود حوار في المغرب؟ وأضاف متسائلا هل بسبب الاستبداد؟ هل بسبب القبضة المخزنية ؟ هل بسبب الاختلافات السياسية ؟ هل بسبب الفكر الانبطاحي ؟ هل بسبب الامتيازات ؟ أم هناك أسباب أخرى؟

واستحضر المتحدث العديد من التجارب الدولية بشأن الانتقال الديمقراطي، محذرا من مآلات بعض المراحل الانتقالية التي انتقلت من الاستبداد إلى الاستبداد، منتقدا بعض المقاربات التي تقول إما نحن أو الفوضى، وبهذا المنطق كأننا سنقول أننا وصلنا إلى نهاية التاريخ، وهي عقليات يقول العسري تختزل “العبودية الطوعية”، واستطرد قائلا “نحن في العربي نقول الحكيم من اتعظ بغيره، فليس من الضرورة إعادة هذه التجارب الفاشلة”.

واقترح الباحث ثلاث نقاط لإنجاح ما أسماه بالمسار الديمقراطي، أولا : بناء المسار الديمقراطي، وحدد لهاـ شبه اتفاق على مستلزمات المشروعية الديمقراطيةـ منطق التسويات والتوافقات، والتسوية مقدمة على الانتخابات يؤكد العسري، ثانيا : الحفاظ على قدرات الدولة، لأن هناك من يتصور أن كل من يخرج إلى الشارع يريد إسقاط الدولة، ومنها أساسا المصالحة التاريخية، كما حدث في إسبانيا وبعض دول أمريكا الجنوبية، ثالثا : ترسيخ وحدة الأمة.

عاهدي : هناك محفزات لنجاح التجربة المغربية للانتقال نحو الديمقراطية

أما شُعيب عاهدي الخبير في الشؤون الدولية فقد تطرق هو الآخر إلى نماذج دول مرت من الانتقال الديموقراطي، ثم تحدث عن المغرب وأشار إلى ضرورة القطع مع الماضي وعدم المبالغة في التوجس من المستقبل بين المكونات السياسية التي تصنع وتقود التغيير.

وسلط الباحث في هذا الصدد الضوء على العديد من التجارب المتعلقة بالإنتقال الديمقراطي خاصة بأمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا، واعتبرها محفزة لنجاح التجربة المغربية، للإنتقال الآمن نحو الديمقراطية.