وجهة نظر: قراءة نقدية في مشروع الوثيقة المذهبية لحزب "الأصالة والمعاصرة"

خديجة الرويسي القيادية اليسارية في حزب "البام" أثناء جولة للإقناع بمشروع حزبها في الحملة الانتخابية الأخيرة - أرشيف
يقدم الباحث عبد الرحيم خالص، من خلال هذه المقالة، محاولة لمُقاربة مشروع الوثيقة المرجعية الفكرية والسياسية لحزب “الأصالة والمعاصرة”، والمعنونة بـ “الديمقراطية الاجتماعية ورهانات التحديث السياسي بالمغرب”. وهي وثيقة، يطرحها الحزب للمناقشة العمومية، استعدادا لعقد مؤتمره الوطني الثالث أيام 22، 23 و24 يناير 2016 بمدينة بوزنيقة.
ويقول خالص في تقديمه لقراءته إنه “وبعد اطلاعنا على مختلف أفكار هذا المشروع الصادر تقريبا في 57 صفحة والمنشور بالموقع الإلكتروني للحزب، سوف نحاول مقاربته، بدورنا، من خلال تقديم بعض التوصيفات العامة لكن الدقيقة، عَمّا يُشير إليه مشروع الوثيقة، في نقطة أولى (1-)، من جهة؛ وفي نقطة ثانية (2-)، تقديم أهم الملاحظات الممكن من خلالها مناقشة أهم الخطوط الرئيسية لمشروع الوثيقة من جهة أخرى”.
أولا: وَصف عام لمشروع وثيقة المرجعية الفكرية والسياسية لحزب الأصالة والمعاصرة
تجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع الصادر عن اللجة التحضيرية التي تعمل بجانب لجنة الوثيقة المذهبية، يشير في بدايته إلى تعريف لحزب الأصالة والمعاصرة الذي تأسس بتاريخ 07 غشت 2008 في ظرفية يرى فيها المؤسسون “ضرورة تقديم عرض سياسي مغاير يستجيب في منطلقاته ومراميه إلى طبيعة المرحلة الراهنة، مع ما تحملها من رهانات وتحديات مختلفة”، فضلا إلى ما يهدف إليه من “المساهمة إلى جانب قوى التحديث والديمقراطية في إعادة الاعتبار إلى العمل السياسي بمعناه النبيل ونهج سياسة القرب، وتخليق الحياة العامة، والاستجابة لرغبة النخب والفعاليات الجديدة في المساهمة في العمل السياسي من أجل ترسيخ الاختيار الديمقراطي” (ص 03)؛ و”تعميق المنحى النقدي القائم على أساس منهجي، قوامه الربط الجدلي بين المرجعية النظرية (الديمقراطية الاجتماعية) والممارسة السياسية والتنظيمية، عبر خلق فعل تواصلي ذي أبعاد جماهيرية يتعين توجيهها وتأطيرها والتفاعل معها عن قرب” (ص 04).
بالإضافة إلى ذلك، يبدأ المشروع وثيقة المرجعية الفكرية والسياسية بتقديم، يعرض فيه نقطتين أساسيتين:
تتعلق الأولى بمختلف سِمات المرحلة على المستوى الدولي، ومنها سمة النيوليبرالية التي وضعت “أسس السيادة الوطنية للدول والشعوب على المحك” (ص 05)، من خلال تحرير الأسواق وبدء سياسات الانفتاح الاقتصادي والتدخل في تحديد السياسات المالية للدول على المستوى الاقتصادي. أما على المستوى الاجتماعي والسياسي، فقد ساهمت النيوليبرالية في تحولات بنيوية أدت إلى “انتشار البطالة وضعف التغطية الاجتماعية الأساسية، واندلاع الحروب والكوارث البيئية، وندرة الإمكانيات” (ص 06)، مما ساهم في تأزيم الوضع وانفلات العنف بمختلف أشكاله وتجلياته لينتشر في مختلف بقاع المعمور، لاسيما “في بلدان شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء وبعض بلدان آسيا والشرق الأوسط، التي عرفت انتفاضات اجتماعية وسياسية عنيفة، أدت إلى سقوط العديد من الأنظمة الاستبدادية والعسكرية، وتغيير أنظمتها السياسية” (ص 06).
بينما، تتعلق الثانية بتحديات بلادنا في سياق دولي متغير، وقد كان أبرز تلك التحديات، مواجهة الحراك الاجتماعي الذي ساهم في بروز دينامية تغييرية، تُحاول إكمال مسار الانتقال الديمقراطي بالمغرب؛ والذي تُوِّج بإصدار وثيقة دستورية سنة 2011 كان “عنوانها البارز ضمان الحقوق والحريات، وفصل متوازن بين مختلف السلط، وتفعيل مقتضيات الحكامة المؤسساتية والمشاركة وربط المسؤولية بالمحاسبة وكذا الجهوية المتقدمة…” (ص 06).
فضلا عن ذلك، سَعى المغرب إلى رِبح رهان الالتزامات الدولية، من خلال تفعيل الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها في مجال ترسيخ مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ودولة الحق والقانون، بالإضافة إلى التشبث باحترام حقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا، “مع تثمين مقومات الشخصية الوطنية الأصيلة بتعدد وتنوع روافدها. وإيلاء الأهمية لقضايا التنمية المستدامة، ومحاربة الفقر والهشاشة والتهميش والإقصاء، والبناء القاعدي” (ص 07)؛ وذلك، من خلال “اعتماد الجهوية المتقدمة ومزيدا من اللامركزية واللاتمركز، كمسارات تروم تحقيق القرب، والمشاركة كأسلوب لضمان الحكامة الجيدة” (ص 07). فضلا عن “خلق الشروط الضرورية لاسترجاع ثقة المواطنات والمواطنين في نُبل العمل السياسي وأهمية الانخراط الملتزم للجميع في المجهود الجماعي من أجل رفع تحديات المستقبل: تنموية وبيئية وروحية وأمنية” (ص 07).
في هذا الإطار، يَحُث مشروع الوثيقة على ضرورة تأسيس نظام عالمي جديد، يكون أكثر عدالة وإنصافا، وتكون أهدافه مُوَجّهة إلى حماية الإنسانية من كل أنواع الشرور ومختلف منابع العنف والإرهاب وأسباب تنامي الكراهية وموجات الحروب الداخلية والخارجية، سواء في مجال العلاقات الدولية عموما أو في مجال العلاقات الانسانية خصوصا. مع العلم، بأن كل هاته الخطوات، يجب أن تتم في حدود احترام سيادة الدول، صغيرة كانت أو كبيرة، من خلال إتاحة الفرص لمختلف الكيانات الدولية للمساهمة في تكوين “عالم متعدد الأقطاب” (ص 07).
وفي هذا العالم المتعدد، يجب على المغرب أن يلعب دورا متميزا، سواء إقليميا أو دوليا، “من خلال ديبلوماسية نشيطة وفعالة واستباقية، تستجيب لشروط عولمة الألفية الثالثة” (ص 08). وأولى الأدوار التي يجب أن يلعبها، في هذا المجال، هي تلك التي تصون وحدته الترابية والإقليمية، انطلاقا من مشاريع سياسية تنموية، تستهدف تسوية مختلف النزاعات الدائرة حول السيادة الوطنية، من خلال سياسات واقعية مثل الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي؛ وذلك، لتفادي الصراعات والحروب التي تكلف الإنسان حياته ومعيشه ومستقبله.
من خلال، ما تقدم، يمكن القول بأن مشروع الوثيقة، يتضمن أيضا، فضلا عن كل ما تم وصفه في إطار التقديم، ما أسمته الوثيقة بـ “السياق السياسي العام” (ص 08)، والذي يحتوي نقطتين أساسيتين:
· نقطة متعلقة بالحزب وخيار الديمقراطية الإجتماعية، وتتناول عدة منطلقات ومرتكزات (ص 12)، تعتمد أساسا على:
1- أسس تدبير الاختلاف (ص 13)؛
2- مصداقية المؤسسات والفاعلين (ص 16)؛
3- بناء دولة المواطنة (ص 16)؛
4- كرامة الإنسان وتثبيت السلم والاستقرار المجتمعيين (ص 19)؛
5- تخليق الحياة العامة وتأطير المواطنات والمواطنين في انسجام مع المقتضيات القانونية (ص 21)؛
6- إبداع الحلول للمشاكل المجتمعية (ص 23)؛
7- العدالة الاجتماعية والحكامة ونظام النزاهة والشفافية (ص 25)؛
8- الأمن والحريات (ص 27)؛
9- رهان الحق في بيئة نظيفة وسليمة (ص 29)؛
· ونقطة متعلقة بالديمقراطية الاجتماعية ورهانات التحديث السياسي والاقتصادي والثقافي (ص 31)، وترتكز أساسا على:
1- التحولات الاجتماعية وتأثيرها على الحياة السياسية (ص 32)؛
2- في مقومات التجديد السياسي بالمغرب (ص 34)، والذي يعتمد بدوره على:
§ دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية (ص 35)، من خلال:
ü بناء مجال سياسي ديمقراطي (ص 36)؛
ü بناء دولة التنمية والعدالة التوزيعية (ص 37)؛
ü ضمان الحقوق الاجتماعية (ص 40)؛
ü تشييد دولة الجهات والعدالة المجالية (ص 42)؛
§ ثم الديمقراطية الاجتماعية وبناء ثقافة سياسية حديثة (ص 43)، من خلال:
ü المبدأ العقلاني وخيار الواقعية السياسية الديمقراطية (ص 43)؛
ü في الحاجة إلى خطاب سياسي جديد (ص 45)؛
ü الحكامة التدبيرية ونجاعة الفعل السياسي (ص 46)؛
3- رهان التحديث وعلاقة البعد الثقافي بالأصالة والمعاصرة (ص 47)، من خلال:
§ عناصر في التحولات الثقافية (ص 47)؛
§ منطلقاتنا في مشروع التحديث الثقافي (ص 49)؛
4- رهان التنشئة الاجتماعية (ص 53).
وعموما، إن مختلف الأفكار والمقترحات والمعلومات التي يتضمنها مشروع وثيقة المرجعية الفكرية والسياسية لحزب الأصالة والمعاصرة، ودون الدخول في تفاصيلها الدقيقة بشكل معمق، كما وضحنا خطوطها العريضة أعلاه، تجدر الإشارة إلى غناها اللغوي والمعرفي ثم الفكري من جهة، وإلى تعدد أفكارها الإبداعية والاقتراحية لاسيما في مجال التحديث السياسي والاقتصادي والثقافي من جهة ثانية. إلا أن كل تلك المعطيات والأوصاف التي تضمنها المشروع، لا يمنعنا من إبداء بعض الملاحضات التوجيهية التي ستتخذ معنى المؤاخذة أحيانا ومعنى التوجيهات أحيانا أخرى.
ثانيا: بعض الملاحظات التوجيهية حول مشروع وثيقة المرجعية الفكرية والسياسية لحزب الأصالة والمعاصرة
تجدر الإشارة إلى أن الملاحظات التي يمكن تقديمها، في هذا الإطار، ستتناول بشكل غير مباشر كل ما يقدمه مشروع الوثيقة بشكل عام، بحيث لن نُوازي ملاحظاتنا مع مختلف النقط الواردة في المشروع كما بينا أعلاه. ولكننا سنعتمد فقط على البعد الموضوعي للمشروع أكثر من البعد الشكلي؛ وذلك، بهدف تقريب مختلف المتتبعين للشأن السياسي المغربي عموما والشأن الحزبي خصوصا، من مختلف المضامين التي يحاول حزب الأصالة والمعاصرة، معالجتها في مشروع وثيقته التي سيعرضها “ربما” للتصويت في مؤتمره القادم، على اعتبار أن هذا المشروع، يمثل ركيزة أساسية أيضا لكل من القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب المزمع التصويت أيضا على بعض التعديلات بخصوصيهما.
مِن هذا المنطلق، يُمكننا إبداء الملاحظات التوجيهية الآتية:
1- أول ملاحظة، تتعلق بالخلط البين ما بين عدة كلمات أشبه بالمترادفات؛ بحيث، لا يميز مشروع الوثيقة ما بين مفهوم “المرجعية الفكرية والسياسية”، ومفهوم “الرؤية الحزبية”، ومفهوم “الوثيقة المذهبية” بالإضافة إلى عدة مترادفات أخرى كالبرنامج السياسي للحزب؛ وذلك، على مستوى المعنى العام وليس على المستوى الاصطلاحي الضيق.
– فعلى مستوى المرجعية، تجدر الإشارة إلى أننا نتحدث عن مصدرنا العام الذي نعتمده فكريا وسياسيا، ونستقي منه مجمل أفكارنا وتوجهاتنا؛ وهو ما يتمثل في كل ما يمكنه أو كل ما من شأنه أن يكون قدوتنا الفكرية والسياسية في العمل الحزبي؛ ويمكن تجاوزا واختصارا، الحديث عن الأيديولوجية التي يعتمدها الحزب ويتبناها في مختلف أفكاره وتوجهاته السياسية.
– بينما، على مستوى، الرؤية الحزبية، فغالبا ما يُقصد بها، نظرة الحزب حسب وجهة نظر زعمائه ومناضليه ونخبته الحزبية إلى مختلف القضايا السياسية التي يتخذها مجالا لأنشطته أو يتبناها كأهداف يسعى إلى تحقيقها. وتتضمن، في الغالب، خطط واستراتيجيات، سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، بهدف تحقيق مختلف حاجيات المواطنين ومطالب المجتمع عموما.
– أما الوثيقة المذهبية، فتجمع بين الإثنين، أي بين المرجعية والرؤية لتنسج لنا وثيقة جامعة شاملة لكل ما يدخل ضمن أيديولوجية الحزب وأهدافه السياسية. ولذلك، تتضمن الوثيقة المذهبية، الخطوط العريضة التي يسير على نهجها الحزب، وغالبا ما تكون على شكل مبادئ وقواعد للعمل السياسي، يتم احترامها من طرف قواعد الحزب وهياكله داخليا وخارجيا.
من الملاحظ، إذن، وجود خلط غير مقصود في المضامين العامة التي يتضمنها المشروع باعتباره مرجعية فكرية وسياسية كما يُعلن الحزب وليس رؤية أو وثيقة مذهبية أو برنامجا سياسيا انتخابيا مرحليا. مع العلم بأن كلا من المرجعية والرؤية، قابلتان للتحول إلى وثيقة مذهبية؛ وهذا، ربما، ما يسعى إليه حزب الأصالة والمعاصرة، من خلال عرض مشروع الوثيقة على النقاش العمومي الواسع والفعال؛
2- نلاحظ، أيضا، وجود بعض أحكام القيمة التي يتضمنها مشروع الوثيقة والتي يجب ضمنيا عدم التصريح بها ولا تضمينها داخل بعض فقرات الوثيقة؛ بحيث، يجب تفاديها في مضامين المرجعيات الفكرية والسياسية التي تعتمدها مختلف الأحزاب السياسية عموما.
إننا، نقصد بذلك، في مشروع الوثيقة، بعض الإشارات التي يستحضر فيها الحزب مسار الحكومة الحالية، منذ تكلفها بتدبير الشأن السياسي للمغاربة، في إطار دستور سنة 2011؛ بحيث ظل التقرير، يتحدث، في أكثر من مقام، عن نظرته السلبية إلى عمل الحكومة، من خلال أحكام قيمة غير مستساغة في هذا الإطار.
تقول الوثيقة، على سبيل المثال، بأنه قد “شكلت السنوات الخمس اللاحقة على المصادقة على دستور 2011 عنوان فشل الحكومة في مستويات مختلفة في إعمال مقتضيات الدستور” (ص 10)؛ بالإضافة إلى ذلك، تصدر وثيقة المشروع المزيد من أحكام القيمة أيضا، بتأكيدها على: “عدم انسجام البرنامج الحكومي وضعف إجراءاته الاستشرافية وضعف تحديد وسائل تحقيق مقترحاته” (ص 10).
فإذا كان هذا المشروع، وثيقة مرجعية للحزب، فلماذا نجدها تتحدث عن مؤسسات وقطاعات وجماعات! يتم إصدار “أحكام قيمة” بخصوصها؟
3- يلاحظ، أيضا، بأن مشروع الوثيقة ذو طابع عام، يتحدث في العموميات، دون أن يقدم رؤية فكرية وسياسية لمشروعه المجتمعي القائم على الديمقراطية الاجتماعية من جهة، ومشروع التحديث السياسي القائم على فكرة “التجديد السياسي” (ص 34 و35) كمفهوم وظيفي مرتبط أساسا بالديمقراطية الاجتماعية نفسها من جهة أخرى.
وعليه، فالقائمون على صياغة مشروع الوثيقة، لم يعملوا بشكل منهجي – على ما نعتقد – لعرض مشروعهم الفكري والسياسي كرؤية للحزب أكثر مما اعتمدوا على الوثيقة كمرجعية ترتكز على ما هو متوفر عكس ما يفترضه بُعد النظر، من خلال ضرورة تبني خطط واستراتيجيات معينة ومحددة مسبقا وبكل دقة؛ وفي هذا الإطار، نجد مشروع الوثيقة أقرب إلى برنامج سياسي حزبي منه إلى مرجعية فكرية وسياسية منظمة ودقيقة جدا !
4- إن غياب رؤية واضحة عند صائغي مشروع الورقة، حسب ما هو ملاحظ بالنسبة إلينا، نقصد بها: غياب خطط واستراتيجيات ذات أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، ناتجة عن أبحاث ميدانية أو دراسات سابقة للوضعية السياسية العامة والحزبية الخاصة بالمغرب؛ الأمر، الذي قد يُفضي إلى سقوط مشروع الورقة في مجرد كونها، تجميع للمعطيات والأفكار وعرضها دون منهجية تحتكم إلى رؤية موضوعية كما أبرزنا في الوصف العام سابقا؛ بحيث، نجد هذا المشروع، لا تميز لنا بين ثلاثة وضعيات أساسية، كان من المفترض اتباعها منهجيا لإبراز المشروع الفكري والسياسي للحزب بشكل منطقي وواقعي. وتتضمن هذه الوضعيات ما يلي:
– الوضعية السابقة: وهي حالة الواقع السياسي والحزبي بالمغرب في الماضي القريب، وما يعرفه من تطورات أو بالأحرى ما يعانيه من تراجعات وتأخرات في شتى المجالات؛ وذلك، بخلاف ما أصبحت عليه الوضعية الحالية؛
– الوضعية الآنية: وهي حالة الحاضر وما يعرفه الواقع السياسي والحزبي بالمغرب من إشكاليات وأزمات تفترض من مختلف الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين ولاسيما الحزبيين، اقتراح الحلول الممكنة والبديلة لتلك الوضعية المتأزمة على كل المستويات؛ وذلك، بخلاف ما هو مأمول التوصل إليه وتحقيقه لصالح المواطنين والوطن، في إطار السعي إلى بلوغ المصلحة العامة للدولة والمجتمع؛
– الوضعية المأمولة: وهي حالة المستقبل القريب وما يجب أن يكون عليه الواقع السياسي والحزبي على السواء. ويجب، أن نراعي في ذلك، مختلف حقوق وحريات الأجيال الحالية والأجيال المقبلة في جميع القطاعات، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا وبيئيا… الخ.
ولذلك، فإن غياب – إلى حد ما – هذا التصنيف، يجعل مناقشة المشروع، يتم في إطار عام، غير منهجي وغير ممرحل بشكل واضح وجلي؛ الأمر، الذي قد يتسبب في كثير من سوء الفهم أثناء قراءة وتفسير وتحليل العديد من النقط الواردة فيه؛
5- يعرف، مشروع الوثيقة، وحدة في الموضوع، لا توازيه “منهجيا” وحدة في المضامين التي تعالجها المرجعية. بحيث، نلاحظ بأن عنوان المشروع هو “الديمقراطية الاجتماعية ورهانات التحديث السياسي بالمغرب”، والذي يعرض للنقاش علاقة الديمقراطية الاجتماعية (ص 31) بمختلف الرهانات التي يمكن اعتمادها لتحقيق التحديث السياسي (ص 35) والاقتصادي (ص 45) والثقافي (ص 49) بالمغرب. وهو، ما لم تتحدث الوثيقة عنه بشكل منهجي، وذهبت في اتجاه الحديث عن مشاريع الحزب، من خلال سعيه إلى تكريس الديمقراطية في شكلها الاجتماعي الذي يعتمد القرب الميداني مع المواطنين من جهة، ورغبة الحزب في إحداث تغيير سياسي بالمقارنة مع الأحزاب الأخرى الفاعلة في المشهد السياسي والحزبي المغربي؛ وبالتالي، لا نجد تنايبا بين الموضوع ومختلف المضامين المبسطة على مستوى صفحات المشروع.
بل، إن من سلبيات مشروع الوثيقة، هو محاولته ورغبته في الإحاطة الشاملة بمختلف المجالات وجزئياتها الاجتماعية كالصحة والبيئة والتدين وغيرها من المجالات دون أن يقيم تمييزا معياريا يفرق بين كل مجال على حدة، ووفق تصميم لا يخل بالزمن السياسي ولا بالوسط الاجتماعي الذي يتناسب وذلك المضمون المدافع عنه. ولذلك، نجد المشروع، يخلط بشكل “غير احترافي” بين عوالم لا تلتقي أو بين مواضيع لا تجمع بينها أية علاقة وطيدة لاسيما في الواقع المغربي! الأمر، الذي شكل هوة كبيرة ما بين موضوع المشروع ومختلف مضامينه الداخلية!
6- يجب، على مشروع الوثيقة، أن يكون أكثر واقعية ويبتعد عما هو طوباوي ومفارق للواقع المعيش لدى المواطنين؛ بحيث، يجب أن يستجيب لواقع الإمكانيات المتوفرة لدى الحزب، لا أقل ولا أكثر؛ لأن كل ما ورد في المشروع، تقريبا، هو عبارة عن أفكار ومشاريع أشبه بـ “أحلام” و”أمنيات” و”آمال”، من وجهة نظر المواطنين، لأنها لا تتضمن – في نظرهم – أية إشارات إلى الضمانات الممكن اعتمادها لترجمتها على المستوى الواقعي. ففي الحالات الشبيهة بذلك، كما هو مثلا في إطار أغلب الحملات الانتخابية، نجد ما تعرضه الوثيقة أشبه تقريبا بالوعود السياسية الحزبية التي غالبا ما توصف بـ “الكاذبة” ! وبالتالي، فإن تحويلها إلى واقع ملموس، لا يفترض فقط النِّيَّة الحسنة، بل يتطلب أيضا الالتزام بالمقتضيات القانونية المُلزِمَة والضمانات العملية فضلا عن الرأسمال البشري والمالي الكافي لتجسيدها على أرض الواقع.
ولذلك، لا نريد لهذه الوثيقة أن تنحو منحى طوباويا، أكثر مما نريدها، أن تلامس الواقع وتقترب من طموحات المواطنين، من خلال السياسات الواقعية أو ما تسميه الوثيقة نفسها بالواقعية السياسية (ص 44)، من دون التعالي عن الممكنات فيما هو متوفر لدى الحزب ذاتيا وموضوعيا وواقعيا؛
7- فإذا كانت المرجعية الفكرية والسياسية لحزب الأصالة والمعاصرة، تعتبر بمثابة “وثيقة مذهبية”، تحاول الإحاطة بمختلف توجهات الحزب السياسية، فإن طرحها للنقاش والتداول بين مختلف المهتمين بالشأن الحزبي ومختلف الباحثين في المجال السياسي، فضلا عن المناضلين الحزبيين، سوف يثري النقاش بشكل موسع، لكن في اتجاه أحادي النظر! ونقصد بذلك، الخوف من انحصار النقاش على المشروع الحزبي النظري فقط، دون أن يتجاوزه إلى المشروع التطبيقي السياسي على المستوى الواقعي والموازي لفكرة المشروع أساسا.
فرغم تعدد وجهات النظر التي يمكن من خلالها دراسة الوثيقة ومناقشتها، إلا أن عدم عرضها على بعض معايير الصلاحية الفكرية واللغوية على مستوى مبادئ المصداقية والصدق والمعقولية والعقلانية والنجاعة، سوف يُعرض الوثيقة لحالة من القصور النظري بخلاف ما يمكن أن تساهم به من أفكار وتوجيهات في حالة استحضارها لأخلاقيات النقاش التواصلي العام؛
ختاما، ومن خلال كل ما تقدم، يمكن القول بأن مختلف الملاحظات التوجيهية المقدمة حول مشروع وثيقة المرجعية الفكرية والسياسية لحزب الأصالة والمعاصرة، استعدادا لعقد مؤتمره الوطني الثالث، ليست سوى جانب لا يتجزأ من مشروع متكامل الأوجه، يمكن أن يهدف إلى دراسة متكاملة، تجمع ما بين المرجعية/ الوثيقة المذهبية للحزب والقانون الأساسي والنظام الداخلي؛ وذلك، إذا ما أردنا أن نكون أكثر موضوعيين مع ما نقاربه من وثائق ذات طابع مؤسساتي حزبي من الدرجة الأولى. ولذلك، تجدر الإشارة إلى أن المُطَّلِع على مشروع الوثيقة، كيفما كانت صفته، مهتم بالوضعية السياسية أو باحثا متخصصا في الشأن الحزبي أو مواطنا عاديا، غالبا ما ستثيره نفس بعض تلك الملاحظات الموجهة أعلاه.
في هذا الإطار، ولكي نوفر مجالا واسعا لبحث أكثر تعمقا، وبخاصة لمن يرغب في دراسة الوثيقة المرجعية (أو المذهبية) لحزب الأصالة والمعاصرة، نطرح، في هذا المقام، بعض الأسئلة الوجيهة، والتي يمكن أن تكون منطلقا لإجابات أكثر دقة وتوسعا، في المستقبل القريب، وهي:
– ما مدى واقعية مشروع وثيقة المرجعية الفكرية والسياسية لحزب الأصالة والمعاصرة وإمكانية تجاوبها مع مختلف الطوحات التي تطرحها الظرفية السياسية الحالية بالمغرب؟ مع ما يستتبع ذلك، من قدرة على الاستجابة لمختلف حاجيات المجتمع عامة ومتطلبات المواطنين بشكل خاص؟
– ثم ما مدى تضمينها لمؤشرات تحول وتطور نحو وثيقة مذهبية بالمعايير المتعارف عليها كالمصداقية والصدق والنسبية والاستمرارية ثم القابلية للتنفيذ، من خلال مشاريع تنموية وسياسات عمومية ملموسة على أرض الواقع، يكون فيها الحزب فاعلا أساسيا واستراتيجيا؟
– باحث في القانون العام – المغرب