وجهة نظر

أنيس بلافريج يكتب: المغرب الذي يدافع عن قضية الصحراء العادلة أصبح شريكاً لكيان يسعى لإبادة شعب شقيق وتصفية قضيته

لقاء الملك محمد السادس مع وفد إسرائيلي بعد تطبيع العلاقات مع تل أبيب

أنيس بلافريج

منذ ما يقرب من 20 شهرًا، ونحن نعيش في عذاب وشعور بالعجز بسبب صور القتل والدمار التي تصلنا يوميًا من غزة،.

قادتنا – ملوكًا ورؤساء – يتفرجون دون رد فعل على تحويل غزة إلى معسكر إبادة ضخم تُطبَّق فيه جميع أساليب القتل ضد إخواننا وأخواتنا الفلسطينيين.

 

بعد قرابة 20 شهرًا من الإبادة الجماعية، التي تُبث على الهواء، لشعب يرتبط بنا بعلاقات دينية وثقافية ولغوية وأسرية ومؤسساتية، لا يبدو أن شيئًا يهز قادتنا.

مع الأسف يبقى مستوى الضغط الشعبي دون المستوى المطلوب للتأثير على القرار السياسي الرسمي.

وجاء “طوفان الأقصى ” في 7 أكتوبر 2023 ليذكِّرهم بما نسيه البعض: أن الفلسطينيين ما زالوا حاضرين ويطالبون بالعدالة والعدالة لا تعني الاعمال الخيرية..

“صفقة القرن” فشلت ، فما بنيَ على باطل فهو باطل.

لقد بنيت “اتفاقات أبراهام” على فرضية أن لا وجود للفلسطينيين، وبالتالي لا قضية فلسطينية ولا حل الدولتين كما تطالب به الأمم المتحدة والقمم العربية.

بينما يرى ترمب ونتانياهو الحل في التهجير القسري.

وفي حين يتظاهر بالتفاوض، فإن نتنياهو يزيد من وثيرة المجازر في غزة، وكذلك عمليات هدم بيوت الفلسطينيين و طردهم من مدنهم وقراهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

لقد ردٌَ وزير الحرب الصهيوني ” إسرائيل كاتس”، على ماكرون بقوله: “يمكنكم الاعتراف بدولة فلسطينية على الورق، أما نحن فنبني هنا الدولة اليهودية الإسرائيلية على الأرض”.

أما لبنان فيتعرض للقصف المستمر رغم اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله، وكذلك سوريا التي يتم تدمير ترسانتها بشكل منهجي من قبل الطيران الإسرائيلي وتستباح أراضيها ، بينما يجاهر جولاني، العضو السابق في تنظيم داعش والذي دفعه أردوغان للاستيلاء على السلطة في دمشق، بولائه للمحتل الصهيوني.

ويبقى اليمن البلد العربي الوحيد الذي يُظهر طريق التضامن العربي الحقيقي، ويضحي بما لديه من اجل نصرة المقاومة الفلسطينية وفك الحصار عن غزة.

ورغم إمكانياته المحدودة، فإن صواريخه تصل إلى المراكز الحيوية للاحتلال، وحتى إذا تم اعتراض البعض منها، فإنها تسبب اضطرابات في الحركة الجوية والبحرية وتوقف الأنشطة اليومية عندما تدق صفارات الإنذار.

تمكن اليمن من التفاوض على وقف إطلاق نار مع الولايات المتحدة بينما يواصل إرسال الصواريخ الباليستية نحو إسرائيل، وهذا بحد ذاته انتصارا على الحلف الصهيو/أمريكي.

إن الحرب الشاملة ستبدأ عندما يفتح نتنياهو الجبهة الإيرانية.
فإنه يتلهف لفعل ذلك وسيفعله بعد أن يتأكد من الدعم اللوجستي والعسكري غير المشروط من ترامب، وتعاون بعض القادة العرب.

إن إيران واليمن لن يبقيا وحيدين في ساحة المعركة لمواجهة الظلم والبربرية الإسرائيلية-الأمريكية.

ستتدخل حركات المقاومة المسلحة في المنطقة، وستعزز شعوب العالم عزلة المعتدين وفرض العقوبات عليهم.

ومن المرجح تشكيل تحالف إقليمي معارض لتهجير الفلسطينيين ولمخطط الهيمنة الصهيو/أمريكي ، يضم بين آخرين مصر والعراق،

وضمن إعادة هيكلة العالم العربي، فإن المغرب والإمارات مطالبان بأن يكونا القواعد الخلفية لإسرائيل لدعم المجهود الحربي “للحلفاء” واستقبال المهاجرين الصهاينة إليهما.

وسيكون تدحرج عجلة الحرب مدمرًا للمغرب، سياسيًا واقتصاديًا.

والمغرب، الذي يدافع عن قضية عادلة، وهي قضية الصحراء، أصبح شريكاً لكيان المستوطنين المتعصبين الذي يسعى لإبادة شعب شقيق وتصفية قضيته.

وغدًا، إذا اندلعت حرب العدوان على إيران، سيجد المغرب نفسه في معسكر المعتدين.

نحن المغاربة نرفض هذا الوضع رفضاً قاطعاً.

وهل يمكن الدفاع عن المصالح الوطنية العادلة بسياسة تعارض المبادئ الأخلاقية وتدير ظهرها لتاريخنا وقيامنا الأساسية؟

وما الفائدة من الاعتراف بمغربية الصحراء، إذا كان الثمن هو وضع المغرب بأكمله تحت سيطرة كيان لا يعترف بقانون أو قاعدة إلا بتفوقه العنصري، وسياسته تقوم على أساطير توراتية، والاستيلاء بالقوة على الممتلكات، وفرض الأمر الواقع؟

ألا يعرف القادة الذين يفتحون أبواب المغرب على مصراعيها لإسرائيل، كيف بدأت الصهيونية في فلسطين قبل قرن؟
لقد بدأت متواضعة، ثم خططت بشكل منهجي، بدعم من بريطانيا، للاستيلاء على أفضل الأراضي والموارد وممتلكات الفلسطينيين، وانتهى الامر بطردهم من وطنهم.

نحن المغاربة نرفض أن يتحول وطننا إلى فلسطين ثانية!

يحتل المغرب مكانة خاصة في قلوب الفلسطينيين.

ويعود ذلك الى تاريخ العلاقات بين الشعبين، وتحديداً إلى معركة تحرير القدس من الاحتلال الصليبي عام 1187، حيث انضم متطوعون مغاربة بأعداد كبيرة إلى جيش صلاح الدين الأيوبي، وتميزوا بشجاعتهم.

واعترافاً بدورهم في تحرير القدس و لحماية المسجد الأقصى، منح صلاح الدين هؤلاء المجاهدين وقفاً مجاوراً لحائط البراق الغربي ، والذي سُمّي بـ”حي المغاربة”،

لكن موشي دايان أمر بتدميره بالجرافات في 10 يونيو 1967، بعد احتلال الجيش الصهيوني للقدس الشرقية.

واليوم، يتوغل المستوطنون المتعصبون يوميًا داخل المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، لأداء طقوسهم التلمودية.

ولا يخفون نيتهم تدميره.

ختامًا، ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة للعالم العربي، المطالب بالدفاع عن استقلاله وحريته في مواجهة الهيمنة الصهيونية التوسعية ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية.

وأكثر من أي وقت مضى، أصبح النضال ضد الصهيونية ومن أجل تحرير فلسطين هو ذاته نضالٌ من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.

إنها حقاً لحظة تاريخية تسير فيها الأحداث بخطى سريعة.

4 يونيو 2025

  • المقال التالي

    الآن

    يُمكنكم تحميل تطبيقنا الرسمي

    الآن يُمكنكم تحميل تطبيق موقع "لكم" المزيد +