في مقال نشره على موقع “ذي غارديان”، قال  آرييل بيرنشتاين، الجندي السابق في جيش “تساحل” الإسرائيلي، إن إسرائيل ليس لديها الحق في استخدام قوتنا العسكرية للانتقام، كما يحدث الآن في غزة.

واضاف الجندي السابق الذي شارك في حرب غزة عام 2014، إن ذكرياته عن القتال والدمار الذي خلفوه ورائهم عام 2014 ستطارده إلى الأبد.  وختم برنشتاين الذي أصبح باحثا في منظمة “كسر الصمت” غير الحكومية المناهضة للاحتلال الاسرائيلي، أن “القوة وحدها لن تجلب السلام”.

وفيما يلي نص المقال الذي نشر تحت عنوان:

قاتلت من بيت إلى بيت وأدركت بأن القوة وحدها لن تجلب السلام

في صباح يوم 7 أكتوبر استيقظت في تل أبيب على أصوات صفارات الإنذار. وبعد فترة وجيزة غمرني صبيب مستمر من الأخبار المروعة. وبينما بدأنا في تجميع الصورة المرعبة حول الأعمال الوحشية التي ارتكبتها حماس ذلك الصباح، أصبح من الواضح أن إسرائيل كانت تواجه حرباً أخرى في غزة ـ وهذه المرة على نطاق مختلف تماماً.

أكتب هذه السطور بعد مرور 20 يومًا من ذلك السبت الملعون، الذي قُتل خلاله المئات من أبناء وطني وشعبي، وبعد تسع سنوات من إرسالي لمحاربة حماس داخل قطاع غزة، في عام 2014 .

أتذكر نفسي عندما كنت في العشرين من عمري، جنديًا في وحدة القوات الخاصة عندما خطوت تلك الخطوات السريالية الأولى داخل غزة، وهو المكان الذي لم نكن نراه حتى ذلك الحين إلا في نشرات الأخبار.

لم يكن لدينا سوى القليل من الإدراك بالحالة التي كان عليها قطاع غزة، وكيف يعيش الناس حياتهم هناك، ومن هم؛ لقد كنا نفكر في غزة بشكل غامض فقط، باعتبارها فضا ءً غادرًا يتمنى جميع سكانه موتنا. اليوم أتذكر أنني كنت أشعر بالقلق والخوف من أن البعض من الجنود مثلي قد لا يعود على قيد الحياة.

مكثنا هناك مدة أسبوعين تقريبا. وكانت مهمتنا هي احتلال حي البورة في بيت حانون وتطهير الحي من الإرهابيين مع دعم قوات الهندسة التي أرسلت لتدمير الأنفاق التي حفرتها حركة خماس.

كان القتال في غزة مختلفاً عن أي عملية شاركت فيها من قبل في الضفة الغربية. لم يسبق لي أن رأيت جيش الدفاع الإسرائيلي يستخدم مثل هذه القوة النارية المكثفة. وبما أن الجيش الإسرائيلي أمر المدنيين بمغادرة الحي، فإن أي شخص يبقى – كما قيل لنا – فهو أحد نشطاء حماس أو مؤيديها، وبالتالي فهو هدف مشروع لإطلاق الرصاص عليه.

لم أشكك في الأوامر التي أعطيت لي أو أتمرد عليها ؛ لقد كنت قلقا للغاية بشأن البقاء على قيد الحياة مع أصدقائي. خلال الأسبوعين اللذين قضيناهما في ذلك الحي، كنا نبلغ باستمرار عن تحركات مشبوهة وكمائن وبيوت مفخخة. ورصد مقاتلو حماس إحدى مجموعاتنا في المنزل المجاور، وأطلقوا صاروخا فقتلوا الضابط الملازم روي بيليس. مزق الانفجار جسده واضطر رفاقه من نفس الوحدة إلى جمع أشلائه.

احتللنا منازل خالية هرب سكانها، تاركين وراءهم آثارًا للحياة الطبيعية مثل الصور العائلية والكتب المدرسية.

رأينا جثة امرأة مسنة ربما كانت عالقة في لحظة تبادل إطلاق النار، وقد تشوه وجهها وهي ترقد تحت الأنقاض.

وصادف فريق من وحدة مجاورة أسرة فلسطينية مكونة من عشرة أفراد، لم يكن أي منهم إرهابيا. تدريجيا أصبح من الصعب علينا تصديق أننا كنا في ساحة معركة. لقد كان في الحقيقة حيا مدنيا.

هذه الذكريات عن القتال والدمار الذي خلفناه وراءنا ستطاردني إلى الأبد.

لقد قادتني تجربتي في غزة إلى نتيجة واضحة: يجب علينا أن ندفع نحو التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين يضع حداً للاحتلال والحصار المفروض على غزة. الحياة في غزة ليست يسيرة على الإطلاق و لقد اندهشت من رفض مجتمعنا التفكير في الوضع في غزة.

لقد كنت أسأل نفسي منذ سنوات لماذا قاتلت في صراع عام 2014 إذا لم يتبعه مجهود سياسي يمنع اندلاع صراع آخر في المستقبل؟

لقد كذب علينا قادتنا قائلين إننا قادرون على إدارة هذا الصراع واحتوائه دون الاضطرار إلى حله على الإطلاق ولهذه الأسباب انخرطت في النضال وكان من الواضح بالنسبة لي أن غزة كانت قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار مرة أخرى.

إن إسرائيل مثلها كمثل أي دولة في العالم، لها الحق ـ بل والمسؤولية ـ في حماية مواطنيها. ولهذا السبب اخترت أن أصبح جنديا.

ولكن ليس لدينا الحق في استخدام قوتنا العسكرية للانتقام، ويتعين علينا أن ننظر إلى هدفنا المتمثل في مهاجمة الأهداف العسكرية فقط مع إبقاء الأضرار الجانبية عند أدنى حد ممكن.

ألم نتعلم أي شيء؟ لقد مرت تسع سنوات وخمس حملات عسكرية منذ أن كنت في غزة، ولازالت القيادة السياسية تكرر نفس الأخطاء مرة أخرى.

إن الرد العسكري لا يمكن أن يحقق الأمن بمفرده. وأخشى أن تستمر السياسات المتهورة التي أوصلتنا إلى هذه الأزمة هي التي تقف وراء إملاء قرارات الحكومة في هذه الحرب.

اليوم لم أعد مقاتلا. لقد أصبحت ناشطا مناضلا ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومناصرا لخيار السلام.

في إسرائيل هذه الأيام، يُنظر إلى التضامن مع الفلسطينيين والتمسك برؤية السلام والحياة المشتركة على أنه موقف ساذج في أحسن الأحوال وخيانة في أسوأ الأحوال.

لقد أشعلت مذبحة السابع من أكتوبر غريزة قبلية “نحن في مواجهة الطرف الآخر” بين معظم المواطنين، مما يدفع إلى تعقيد المشكلة .

أثناء القتال في غزة، كنت أصلي من أجل تغليب صوت العقل – عند الحكومة وعند عامة الناس – والذي سيقول بوضوح وبشكل لا لبس فيه أن الانتقام لا يمكن أن يكون هو المخطط الذي نعتمد عليه ، وأن قوة بلادنا يجب أن تستخدم كأداة وليس كهدف.

إلى جانب ذكريات الدمار الذي خلفته الحرب في غزة، أتذكر بوضوح لحظة سعادة واحدة: عندما تم إعلان وقف إطلاق النار.

إن معركتي الحالية هي معركة أيديولوجية، معركة ضد المتطرفين داخل مجتمعنا الذين يحرضون على الفتنة وعلى الكراهية. نحن المناضلون نحاول، بالتعاون مع الشركاء الفلسطينيين، الدفاع عن فكرة الحاجة الملحّة لإنهاء الاحتلال والتوصل إلى اتفاق سياسي مدني.

الآن، أريد أن أنجح في التعبير عن صوت العقل ليقتنع به الجنود الذين تم إرسالهم إلى حرب أخرى لأن القوة العسكرية لن تحل هذه المشكلة إذا لم تقترن بحل سياسي يوفر الأمل للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.

ويجب على المجتمع الدولي أن يساعدنا في تحقيق ذلك. والخطوة الأولى هي الدعوة إلى وقف التصعيد والإفراج عن الرهائن والأسرى.

عندما تنتهي الحرب ويتوقف إطلاق النار، يجب أن ندرك أنها ليست النهاية، بل مجرد البداية. إن كلا الشعبين اللذين يعيشان على هذه الأرض يستحقان مستقبلاً أكثر من مجرد الدمار المتبادل.

ـ آرييل بيرنشتاين هو باحث في منظمة “كسر الصمت” غير الحكومية المناهضة للاحتلال الاسرائيلي.

ـ ترجمة موقع “لكم”