(1) تعقد النقابة الوطنية للصحافة المغربية مؤتمرا وطنيا نهاية هذا الأسبوع في ظل غياب كلي لأي إعداد حقيقي لمحطة من هذا النوع. أدبيا، لم نتوصل كأعضاء بأوراق المؤتمر، وغابت أي اجتماعات تواصلية من طرف القياديين، باستثناء اجتماع يتيم بالرباط. أضف إلى ذلك التدبير التنظيمي الرديء للنقابة: عدم تجديد الفروع، عدد تجديد الانخراط السنوي للأعضاء. الغياب الشبه التام للأنشطة الإشعاعية الداخلية والخارجية (التكوينات والندوات)، غياب الشفافية في التدبير المالي (النقابة ممولة أساسا من المال العام). ضعف كبير للنقابة والمسيطرين عليها في سياق يتسم بالهجوم الشرس على حقوق الصحفيين والعاملين في قطاع الأعلام الخاص كما العام. يضاف إلى ذلك ظروف العمل المتردية، وحالات الاستغلال البشعة خاصة بالمواقع والتلفزات الرقمية، وعدم تجديد الاتفاقية الجماعية منذ 2010، إلى غير ذلك من التراجعات الكبيرة التي يشهدها القطاع أمام عجز تام من النقابة.

أمام هاته المعطيات وأخرى، لا يمكن لي الحضور لمؤتمر كضيف دوره أن يصفق (ويتم إعطائه ربما الحق في الكلمة لدقائق) ليعطي الشرعية “لقيادات” أبانت عن ضعف في التدبير التنظيمي والديمقراطي لمنظمة تدافع أولا عن حرية التعبير وثانيا عن حقوق الصحفيين والعاملين بالقطاع.

يضاف إلى كل هذا، مكان عقد المؤتمر، الذي يطرح اختياره في حد ذاته أكثر من علامة استفهام، لماذا مراكش بينما 90 في مائة من الصحفيين متواجدون في محور الرباط – الدار البيضاء.

(2) قد يرد أحد المدافعين عن ” القيادة” الحالية في النقابة (وهم كثر، بفضل عدد الامتيازات التي تقدم لهم)، بالقول: ” تريد نقابة ثورية”، أجيب فقط على هذا الادعاء المحتمل، ومن خلاله على تصوري الحالي لنقابة الصحفيين: العمل النقابي، أولا وقبل كل شيء “نضال خبزي” بالمعنى الايجابي للكلمة. أعضاء نقابة ينخرطون فيها من أجل انتزاع مكاسب اجتماعية صرفة (أجور، تغطية صحية، الخ). في حالة قطاع الصحافة، النقابة تتحمل مسؤولية أخرى لا تقل أهمية (بل تعتبر من بين أولوياتها) هي الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير عموما. في حال نقابتنا “العتيدة”، فلا هذه ولا تلك!

لا خط “سياسي” واضح من قضايا الحريات يتم تصريفها من خلال مواقف وبلاغات، ولا نضال اجتماعي متواصل من أجل تحسين ظروف عمل الصحفيين والعاملين في قطاع الإعلام. فالنقابة، في وضعها الراهن، أصبحت تخدم مصالح مجموعة صغيرة تستفيد من ريع نقابي ممول من المال العام (منحة وزارة الاتصال).

يضاف إلى كل هذا، أن ضعف العمل النقابي بالمحال الصحاف حاليا في المغرب، لا يجب قراءته بمنأى عن ما يقع في باقي القطاعات. النقابة تأثرت كثيرا من ضعف أحزاب وجرائد أحزاب سياسية شكلت حتى بداية التسعينات العمود الفقري للنقابة، بل ورهنت مسار العمل النقابي الصحفي داخل النقابة بمواقف ومواقع أحزابها.

(3) الثنائي المسيطر على النقابة منذ أكثر من 20 سنة، )يونس مجاهد، وعبد الله البقالي( لا يلام في أي شيء، فهو يقوم بالمهمة المنوطة به ويتقاضى الأجر على ذلك من مناصب وامتيازات. فأمام الفراغ الخطير الذي تعرفه النقابة والساحة النضالية في مجال الإعلام ومهنه، بات المجال مفتوحا ” للمنتفعين” و”المنتفعات” من أجل بسط سيطرتهم على النقابة بدون أي عناء. اللوم كل اللوم على قبيلة الصحفيين والصحفيات الذين استكانوا لهذا الوضع المقيت. أمر محير هذا الضعف النضالي لدى أعضاء مهنة ينتظر منها الدفاع عن كل القضايا العادلة. لقد تسربت أمراض عدة للجسم الصحفي طيلة هذه المدة. حيث أصبحت المهنة ـ للأسف ـ لصيقة بالانتهازية، المحسوبية، “المرقة”، الرشوة (الصغرى والكبرى)، الخوف الشديد من الباطرون، الاستقالة من أي عمل تنظيمي جماعي لفائدة مصالح شخصية. وفي الآن نفسه، خلق التحول الرقمي للإعلام، بروليتاريا رقمية شابة وفاقدة للبوصلة، غارقة في الاستغلال من طرف شبه باطرونا تمتص دم شباب طموح ولكن بتكوين سيء يجعله يقبل بظروف عمل (أقرب إلى الرٍّق). كل هذا في غياب شبه تام لـ “قياد” النقابة. زعامات أرستقراطية لبروليتاريا صحفية تعمل في ظروف “قرون وسطوية” لن تراها قي مقرات النقابة الجهوية، بل داخل ردهات فنادق خمس نجوم وصالات المطارات الدولية. إنه العبث.

يضاف إلى كل هذا، يجب التأكيد على أن مهنة الصحافة والإعلام عموما في المغرب تضم شابات وشباب على مستوى عال من المهنية، والالتزام بأخلاق المهنة، والتفاني في العمل. جيل مازال يسعى لتغيير وضع أصبح لا يطاق.

(4)، أخر شيء حول موضوع مؤتمر نقابة الصحافة هو كلمة شكر وأمل. أوجه الشكر للحركة التصحيحية للنقابة الوطنية للصحافة المغربية ” صحافيون من أجل نقابة ديمقراطية”، على العمل الشجاع والدؤوب من أجل كشف كواليس تدبير النقابة والمعطيات التي تم نشرها تؤكد طرح “المقاطعة”. وكلمة أمل في حق جيل من الصحفيين والصحفيات المهنيين والنزهاء الذين يمارسون مهنة أساسية من أجل بناء مغرب ديمقراطي في ظرف سياسي تراجعي.

وأخيرا، الرداءة والفساد ليسوا قدرا منزلا، لكن معركة الحرية والكرامة للصحفيين ضرورة حتمية.