نظرة موجزة للتأخر "الديمقراطي" في المغرب...
الملك سلطة دينية والملك سلطة سياسية.
آراء أخرى
الملك “أمير المؤمنين” وسلطة دينية.
نظام السلطان في المغرب وامتلاكه صفة أمير المؤمنين، التي تشكل ضمنا استمرار لـ”لخلافة الإسلامية” تمكن السلطان من احتكار جميع السلطات الزمنية والدينية، وتلتبس السلطة الدينية بالسلطة الملكية السياسية وقد تتجاوز الظهائر الملكية النصوص القانونية والدستور. وبالتالي فإن خدمة النخب الحزبية لمصالح المؤسسة الملكية والقرب منها يصنعان نخب النظام السياسي والمجتمع ويفتح طريقها نحو النفوذ، مهما كان انتماء أفراد هذه السياسي.
إن السلطة الدينية تضفي على السلطان وسلطته السياسية الواسعة نوعا من التوقير والقداسة وعدم المحاسبة، إذ وفقا لثقافة ولإيديولوجية الحُكـْـم السلطة الزمنية للسلطان تستمد من إرادة ومشيئة الله.
والدستور المغربي، الوثيقة السياسية التي تكثف طبيعة النظام السياسي، يشدد على مرجعيته الإسلامية لتبرير احتكار الملكية للسلطة في المغرب بالنظر لكون “لمغرب ليس بلدا علمانيا، إنه ملكية، الإسلام فيها هو دين الدولة… وهذا الإسلام حاضر في حياتنا اليومية، وبموجب السلطات التي يخولها إلي الدستور، فإنني أسهر على استمراره…” (1)
وبالتالي تصبح سلطة وصلاحية وأهمية البرلمان والحكومة ومؤسسات الدولة شكلية وخاضعة لسلطة وصلاحيات الملك وخضوع جميع مؤسسات الدولة في النظام السياسي هو ما تكرسه وترمز إليه طقوس البيعة وتقديم الولاء.
لذلك رئيس الحكومة يمارس إدارة الشأن الحكومي تحت سلطة الملك وقراراته وتوجيهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها والتي يتم اتخاذها في مجلس وزراء برأسه الملك.
وللملك سلطة حل الحكومة والبرلمان وإعلان حالة الاستثناء.
والملك قائد أعلى للجيش ولمجلس الأمن.
والملك رئيس المجلس الأعلى للقضاء وكل مؤسسات الدولة الدستورية.
الملك يختار مستشاريه الذين هم فعلا من يساعدون الملك على بلورالقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي تحت سلطته السياسة والتشريعية والتنفيذية، كما يختار كذلك من يكون وزير الداخلية والأمين العام للحكومة. وفي الواقع فإن وزارة الداخلية بالولاة وبالعمال وبالقياد تشكل الجهاز الإداري للسلطة التنفيذية للملك.
وبالتالي ينطرح على اقوى الديمقراطية أسئلة أساسية:
– والملك يملك كل هذه السلطات والصلاحيات، هل يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي في المغرب؟
– هل يمكن للنضال الديمقراطي من داخل مؤسسات النظام السياسي كما هو مُمَارَس في واقعنا السياسي، أن يحقق “الملكية البرلمانية”؟
– لماذا لم تستطع القوى الديمقراطية بلورة ممارسة سياسية وتنظيمية قادرة على كسب ثقة النضال الجماهيري العفوي والارتباط الديمقراطي به وتنظيمه ليصبح قوة اجتماعية ديمقراطية؟
2
الديمقراطية نظريا وممارسة نظام سياسي يمكن الشعب من امتلاك السلطة السياسية والقرار ويفوضها لممثليه المنتخبين من طرف الشعب نفسه بالاقتراع العام الحر والنزيه. لكن في الأنظمة السياسية التاريخية التي تعرفها البشرية الديمقراطية ترتبط بمصالح طبقية اقتصادية واجتماعية وسياسية و ثقافية. تبلورت الديمقراطية الحديثة في زمن مسار الثورة البرجوازية الفرنسية واستفاد مفكرو الثورة من الديمقراطية .”دعه يفعل.. دعه يمر” المنسوب للاقتصادي الفرنسي فنسان غورناي (Vincent de Gournay)، شعار وظفه الفيلسوف والباحث الاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث (Adam Smith ) وفق تصوره للدفاع على سياسة تقليص كبير لتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية لتحرير التعاملات والعلاقات الاقتصادية كي تصبح الأسواق الرأسمالية أكثر حرية إلى أبعد حدود، وترك الأسواق تحكم نفسها بنفسها. وستؤسس أنظمة الرأسمالية المتقدمة منظمات مالية عالمية (البنك العالمي و صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية) روجت فكرة “تحرير الأسواق” لإخراج اقتصاد الدول “المتخلفة” رأسماليا من التخلف لكن هذه السياسة الرأسمالية الليبرالية لم تؤد إلا إلى سيطرة الشركات والبنوك العالمية على اقتصاد بلدان العالم.
سيطرة الرأسمالية المعولمة على البلدان المسماة بلدان “العالم الثالث” أو “البلدان المتخلفة” اقتصاديا وديمقراطيا أو بلدان الجنوب، عمقت أزمة وتدهور الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لهذه البلدان، و بالتالي تعمقت هوة اللا مساواة في مجتمعاتها بارتفاع نسبة البطالة والفقر، وأصبحت الأرض والطبيعة معرضة للتدمير المستمر.
أنواع الديمقراطية
الديمقراطية شبه مباشرة
الديمقراطية شبه المباشرة شكل من الديمقراطية يجمع بين الديمقراطية المباشرة والديمقراطية التمثيلية. وتمكن الديمقراطية شبه مباشرة للمواطنين و للمواطنات بالموافقة على القانون أو برفضه عبر الاستفتاء، كما يجري ذلك في فرنسا أو في سويسرا مثلا. وفي حالات يمكن أن يكون الاستفتاء محلي و وطني بمبادرة من الشعب عبر عرائض لإسقاط سياسة ما أو إقالة مسئول في الدولة كتجربة إيطاليا وسويسرا. وفي فرنسا لا يمارس الاستفتاء بمبادرة شعبية إلا نادرا وجزئيا مع أن هذا حق المواطنين و المواطنات بالمبادرة لطلب إجراء استفتاء حول قضية تنظمه المادة 1- 72 وإمكانية إجراء استفتاء محلي بناء على مبادرة من الجماعة الترابية بعد إقراره في جمعيتها المحلية.
الديمقراطية المباشرة
الديمقراطية المباشرة تبلورت كأول ممارسة ديمقراطية يتسم بها نظام السياسي يمكن الشعب من ممارسة مباشرة للسلطة السياسية حيث تكون المدن أو مجموعات اجتماعية منظمة في مجالس يمارس فيها الناس ديمقراطية مباشرة. ويبقى مطروحا سؤال كيف يمكن تطبيق الديمقراطية المباشرة في واقع بنيات المجتمع الذي أصبح ممتدا ديموغرافيا ، معقدا وعدد أفراد الشعب كبيرا.
لكن نظام الديمقراطية المباشرة نجح في بلد سويسرا بالنظر لنظامها الفدرالي الذي يتشكل من 26 مقاطعة (Canton ) وكل كانتون يتوفر على دستوره الخاص (الذي يصادق عليه البرلمان الفدرالي) وبرلمان و حكومة.
سلطة الشعب
يمكن للشعب السويسري أو”صاحب السيادة” المنتخبين قلب الموازين القوى وتغيير ما تريد تطبيقه الحكومة أو ما يصادق عليه البرلمان، إذ يحق للناخبين تجميع خمسين ألف توقيع على الأقل في ظرف لا يتجاوز 100 يوم لطرح استفتاء شعبي يدعو إلى تعديل أو إبطال القانون.
كما من حق مجموعة من الكانتونات لا يقل عددها عن ثمانية الدعوة إلى تنظيم استفتاء شعبي بشأن قضايا تخصهم.
ويمكن للناخبين جمع مائة ألف توقيع الضرورية في ظرف لا يتعدى ثمانية عشر شهرا لطرح مبادرة شعبية تهدف إلى تعديل الدستور أو إضافة مواد إليه.
3
ما سلف يبين أن الديمقراطية مصالح مادية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية. وكل طبقة حاكمة (أو تحالف طبقي حاكم) لها مصالح سياسية وتتشبث باستمرار شكل وطبيعة نظامها السياسي لأن السياسة التي تطبقها تخدم أساسا مصالحها الطبقية ولأنها تسخر مؤسسات الدولة سياسيا وإيديولوجيا لاستمرار سيطرتها وتوظف الطبقة الحاكمة كل العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية لاستمرار مصالحها وإخضاع المجتمع لهذه المصالح.
لقد وضح تاريخ أنظمة الرأسمالية وديمقراطيتها البرجوازية أن المساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين المواطنين في مجتمعها التي تدعيها “ديمقراطية” البرجوازية لم تتحقق في الواقع الملموس للطبقات الشعبية التي تعمق تدهور أوضاعها ويعاني جلها الفقر والبؤس والشقاء، لأن ديمقراطية البرجوازية ديمقراطية مزيفة ولا تخدم سوى مصالح الطبقة البرجوازية.
إن واقع اللا مساواة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في أنظمة ومجتمعات الرأسمالية دفع حركات الطبقة البروليتاريا والطبقات الشعبية لبلورة ديمقراطية الاشتراكية التي هي نقيض جذري وبديل لديمقراطية البورجوازية. وتبلورت ديمقراطية الاشتراكية كنقد وتجاوز انعدام المساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بين المواطنين والمواطنات في المجتمع وكنقد وتجاوز الاستغلال الطبقي الذي تمارسه طبقة البرجوازية التي تحتكر ملكية وسائل الإنتاج وتستولي على أكبر حصة من فائض القيمة الذي تنتجه البروليتاريا وعموم الفئات الشعبية لتنمية أرباحها وثروتها.
ديمقراطية الاشتراكية تمكن الشعب من تسيير شئونه بنفسه ونهج سياسة اقتصادية واجتماعية وثقافية تلبي حاجياته الفلاحية والتجارية والصناعية وتقدم تحديث المجتمع والعلاقات الاجتماعية و توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية (الشغل والتعليم والصحة والسكن) واحترامها واحترام الحقوق السياسية والثقافية لتحقيق عدالة اجتماعية شاملة.
4
إن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في المغرب يوفر صيرورة إنضاج سياسي للشرط الموضوعي الذي تمثله الحركات الجماهيرية المناضلة والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة وتعميق وعيها السياسي الديمقراطي وتأهيل ممارستها السياسية النضالية الديمقراطية.
لكن هل الشرط الذاتي للحركة السياسية والنقابية الديمقراطية التي تنشد التغيير الديمقراطي الراديكالي متوفر وقادر على تنظيم حركة نضال جماهير الشعب وتسليحها بالوعي السياسي الديمقراطي لبناء المجتمع الديمقراطي.
أم أن هذه المرحلة التي يعيشها الشعب المغربي وحركاته الاجتماعية الاحتجاجية والمنتفضة المتفرقة والمشتتة والمتسمة بقدر كبير من العفوية هي حركة نضالية ظرفية لن تَرْتَقِ إلى حركة جماهيرية ديمقراطية وقوة اجتماعية منظمة واعية قادرة عل فرز قيادتها السياسية الوطنية وقياداتها محلية وبرنامجها السياسي والاجتماعي الاقتصادي والثقافي الديمقراطي يتجاوز الإصلاح الظرفي والشكلي لمؤسسات الدولة ولأوضاع جماهير الشعب المغربي؟
هل يمكن اعتبار ما رسخته نضالات “حركة 20 فبراير” والحركة الجماهيرية الاحتجاجية الديمقراطية، و آخرها “حراك الريف” وجرادة وزاكورة وأوطاط الحاج وصمود مناضلي الحراك في السجون، وجماهير شعبية متضامنة، مقدمة لصيرورة التغيير السياسي والاجتماعي الديمقراطي الراديكالي المنشود؟
إن التغيير الديمقراطي المنشود يمر، كضرورة سياسية، عبر تغيير طبيعة النظام السياسي من نظام سياسي، قاعدته السياسية والقانونية الدستورية ومؤسساته السياسية وبنياته المجتمعية المبنية على “ديمقراطية مزيفة” بالنظر لأنها خاضعة لسلطوية المخزن ولشرعنة النظام السياسي بالدين ولمصالح الطبقية البرجوازية الكمبرادورية، إلى نظام سياسي قاعدته السياسية والقانونية دستور ديمقراطي تضعه مجلس تأسيسي وفق تصور وبرنامج ديمقراطي ومؤسسات سياسية ديمقراطية تمكن الشعب فعلا من القرار السياسي.
وبالتالي فاتغيير الديمقراطي يتطلب تغيير جذري لممارسة القوى السياسية والنقابية والمدنية الديمقراطية واليسارية في المغرب، وتبني قطيعة سياسية مع نظام المخزن والبرجوازية الكمبرادورية وسياستها وثقافتها السائدة في البلاد.
وهذه القطيعة السياسية والثقافية والمدنية هي ضرورة سياسية تاريخية. و”حركة 20 فبراير” ونضالها الديمقراطي الجماهيري طرحت بالضبظ هذه الضرورة السياسية لهذه القطيعة. وتأكدت ضرورة هذه القطيعة مع الحركات الاحتجاجية وخصوصا مع الحراك الديمقراطي للريف وجرادة والمناطق الأخرى. لكن غاب في هذا الصراع السياسي، وطنيا، الشرط الذاتي المتمثل في القوة السياسية الديمقراطية المرتبطة بالحركات الجماهيرية الديمقراطية والمعبرة عن وعيها الديمقراطي والمُنَظـِّـمَة والمُوَحِّدَة لممارستها الديمقراطية ولقيادتها وطنيا ومحليا.
إن هذه القطيعة السياسية تتطلب نقدا سياسيا صارما للموقف السلبي لأغلب القيادات السياسية والنقابية الديمقراطية وللمثقفين/المثقفات وللفنانين/الفنانات، الذين استمروا مرتبطين في الأغلب الأعم بالخطاب فقط بالصراع الاجتماعي الجماهيري الذي تخوضه الحركات الاجتماعية في الريف وجرادة وزاكورة و وطاط الحاج والرشيدية ومناطق أخرى ، لأن هذه القوى الديمقراطية لا توجه ممارستها وفعلها السياسي والفكري والثقافي للطبقات الشعبية الكادحة والمحرومة لتأهيل صيرورة النضال الديمقراطي الجماهيري من أجل التغيير الديمقراطي الحقيقي كمرحلة تاريخية ضرورية لترقية الفعل السياسي والثقافي والفني المغربي إلى متطلبات بلورة وعي سياسي ديمقراطي وثقافة وطنية ديمقراطية.
لكن مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة تبين أن خطاب النخب السياسية السائدة المنتخبة والنخب الثقافية التقليدية والمخزنية والتي يدعي خطابها “الليبرالية” والديمقراطية ومناهضة الفساد والاستبداد، لم يكن سوى خطاب شعارات مزيفة. وبالتالي اتضح أن نخب العدالة والتنمية وهذه الأحزاب خاضعين للأمر الواقع الذي يفرضه نظام المخزن وسلطويته ولم تبلور في الواقع ممارسة سياسة واجتماعية وثقافية تحارب أسباب السلطوية والاستبداد والفساد.
إن هذا الواقع يبين أن التغيير الديمقراطي ومناهضة الاستبداد والفساد يتطلب فك الارتباط، أي القطيعة السياسية، كضرورة سياسية تاريخية، مع النظام السياسي المخزني التبعي ومؤسساته.
(1) موقع:
www.maroc.ma/ar/نص-الحديث-الذي-أدلى-به-الملك-محمد-السادس-لصحيفة-إيل-باييس-الإسبانية/خطابات-ملكية