ما جاء في تسريب جيروزاليم بوست أول امس بخصوص التدربات العسكرية لشباب مغاربة من الطائفة اليهودية في معسكرات اسرائيلية يشكل وصمة عار على جبين كل مغربي ومنعطفا مهما في تاريخ العلاقات الاسرائيلية المغربية. 

لحدود كتابة هذه السطور، ما عدا تعليق قوي ومشرف للمناضلة خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الانسان، التي شجبت هذا المستجد بصريح العبارة، لم نر بعد أيرد فعل قوي وحازم من بالكيانات السياسية والمدنية التي يشهد لها التاريخ بنضالها العريق والمستميت من أجل القضية الفلسطينية.

حتى السياسيون الذين اعتادوا القفز على حائط بنكيران القصير، ولا يفوتون أي فرصة لتصفية حساباتهم السياسية الضيقة، التزموا الصمت المطبق. طبعا، يعلم الجميع أن “المعارضة الرسمية” في المغرب، إذا التزمت الصمت حيال قرار حكومي مثير الجدل، فذلك يعني ان يعني انه نابع عن إرادة ملكية محضة.. ولا نحتاج إلى الكثير من الحجج لدعم هذا الطرح، كما لا نريد العودة إلى كل المحطات السوداء في تاريخ العلاقة بين المؤسسة الملكية والكيان الصهيوني، بدءًا بلقاء إفران الذي جمع الملك الراحل الحسن الثاني بالمجرم شيمون بيريز، وما ورد في التقارير العسكرية الإسرائيلية التي رفعت عنها السرية مؤخرا، والتي كشفت أن الحسن الثاني سمح للموساد بالتجسس على القمة العربية التي انعقدت في الرباط سنة 1965، دون أن ننسى التقارير التي تسلط الضوء كل سنة على انتعاش التبادل التجاري بين المغرب والكيان الاسرائيلي، والمعطيات التي كشف عنها المناضل المغربي “سيون أسيدون” في المقابلة التي خص بها صحيفة “لكم” الإلكترونية قبل أيام، والكاتب المغربي “جاكوب كوهين” الذي لا يتردد في اتهام اشخاص مقربين من الملك محمد السادس بالتخابر مع الموساد..

لا ندري اليوم لماذا صمتوا مع أن هؤلاء الشبان، على عكس المجرم بيريتز، مغاربة مغاربة يعيشون بين ظهرانينا

نحن اليوم أمام دليل مادي ملموس، يكشف عن تعاون عسكري واضح جليّ، ويخفي وراءه العديد من علامات الاستفهام . إذ لا شك أنها ليست حالة معزولة، ولهذا وجب التساؤل عن العدد الاجمالي للشبان المغاربة الذين كونتهم اسرائيل وادمجتهم في جيشها؟ والذين تعتزم تكوينهم في المستقبل؟ وهل يتوقف الامر عند التدريب والدعم البشري أم انه ليس إلا رأس جبل الجليد؟ منذ متى بدأت هذه التربصات؟ وبأي ثمن؟ 

أيام العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006، تعالت أصوات مغربية، منهم وزراء في الحكومة الحالية، بمن فيهم رئيسها عبد الاله بنكيران، يطالبون بسحب الجنسية المغربية من وزير الدفاع الاسرائيلي عمير بيريتز. لا ندري اليوم لماذا صمتوا مع أن هؤلاء الشبان، على عكس المجرم بيريتز، مغاربة مغاربة يعيشون بين ظهرانينا. واذا كان إسلاميو العدالة والتنمية واليسار الحكومي قد تنكروا لمواقفهم السابقة بمجرد وصولهم الى الحكومة فأين اختفت الاصوات الاخرى؟ 

 وأيام العدوان الاخير على غزة، كشف مسؤولون في الجيش الصهيوني وصحف اسرائيلية عن تواطؤ أنظمة عربية مع إسرائيل من أجل ذبح اخوانهم الفلسطينيين. وقتها كانت الحكومة المغربية في صف المداومين على بيانات الشجب والتنديد الكلامي المبتدل.. ولم تكن قط محط اتهام لأنه كان واضحا أن الأمر يتعلق بدول عربية تملك الكثير من المال، وتسعى الى الانتقام من “الاخوان المسلمين” من خلال كسر شوكة “حماس” وتأليب الرأي العام الغزاوي ضدها، وهو ما جعل الكثيرين يوجهون أصابع الاتهام الى دول خليجية بعينها، ومن بينهم المناضل الفلسطيني عزام التميمي الذي فضل “تسمية القط بالقط” في لقاء على “الجزيرة”، ولم يخطر ببال أحد ان الحكومة المغربية معنية بأي شكل من الأشكال بهذا التواطؤ الدموي

 إن التسريب الذي بين أيدينا اليوم، والذي لا نعتقد أن الحكومة المغربية تستطيع أن تنفيه، مثلما لا نفهم الدافع وراء سحبه من موقع “جيروزاليم بوست” 24 ساعة بعد نشره، وبعد أن نقلته عنها العشرات من الصحف والوكالات العالمية، يضرب عرض الحائط كل تلك اللازمات الدبلوماسية الرنانة التي اعتاد المسؤولون المغاربة أن يمطروا بها مسامع على الذين يطالبون بوقف التطبيع، وينتقدون السياسة الخارجية المغربية وتماطلها عن دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني الغاشم… عن اي سلام سيتحدثون ما داموا ينسقون مع اسرائيل لتكوين مغاربة من أجل الالتحاق بجيش الاحتلال والذبح والإبادة؟

للنظام المغربي علاقة غريبة بتصدير الجهاديين. خلال سنوات السبعينيات من القرن الماضي، عندما تحالفت أمريكا مع الجهاديين الافغان لمحاربة الروس،  كانت السلطة تستقطب الشباب المغاربة وتبعثهم الى افغانستان. وعندما انقلب المجاهدون على أمريكا وأسسوا “القاعدة” صارت تحاربهم. وخلال بداية الثورة السورية عندما انتعشت الفتاوي الرسمية وشبه الرسمية من المحيط إلى الخليج لتحفيز الشباب للقتال في سوريا كانت تغض الطرف عن رحلاتهم. وبعدما انقلبت امريكا على “الربيع العربي”، انبرت الشرطة المغربية تراقبهم وتحاصرهم وتعتقلهم.. الآن بعد ان تاكد انها تصدر “الجهاديين” الى ربيبة امريكا في الشرق الاوسط، من السذاجة أن نطرح السؤال متى وهل ستنقلب عليهم، ما داموا يجندون من أجل دكّ المدن الفلسطينية، وتسوية مبانيها وبيوتها ومدارسها مع الارض، وملئ مستشفياتها باشلاء ابنائها وبناتها واطفالها.. يا للمرارة..