
انتخابات 4 شتنبر حقائق ورسائل بين الصدمة والوضوح

أعلنت وزارة الداخلية عن تصدر حزبي الاصالة والمعاصرة والاستقلال ( معارضة) نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية ليوم 4 شتنبر 2015، وبنسبة تجاوزت بقليل 50 في المائة . لكن الملفت أن مقرات الحزبين طيلة ليلة اعلان النتائج كانت شبه مهجورة قبل منتصف الليل ومباشرة بعد التوصل بمحاضر ونتائج العديد من الدوائر والمدن، فكيف اذن يفسر واقع مقرات الاحزاب المتصدرة للانتخابات و تصريحات قياداتها مع النتائج المعلنة؟ هو اذن “انتصار” بطعم المرارة.
آراء أخرى
من جانبه، ورغم احتلاله للمرتبة الثالثة، عاش انصار وقيادات ومرشحي حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة أزهى ايامه في تاريخه السياسي، بفعل الاكتساح الكبير والذي فاق كل التوقعات.
من مفارقات نتائج انتخابات 4 شتنبر 2015 والتي جرت في ظل حكومة ما بعد الحراك العربي و ديناميكية حركة 20 فبراير وتصدر وقيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة تحت سقف دستور جديد، أن يسعد الحزب المحتل للرتبة الثالثة اكثر من غيره من الاحزاب المتقدمة للترتيب. هي اذن ” هزيمة ” بطعم الانتصار.
في قراءة مجالية للنتائج وتوزيع المقاعد، تتسرخ المفارقة أكثر وبشكل صارخ، فحزب الاصالة والمعاصرة الذي يقدم نفسه على انه حزب حامل لمشروع حداثي و ديمقراطي، ويراهن على الفئات المتعلمة والطبقة المتوسط و تحديدا كبريات الحواضر المغربية والتي سبق له ان سير العديد منها، منيّ بهزيمة قاسية للغاية ولم تمكّنه من احتلال المرتبة الاولى في الانتخابات الاخيرة سوى مجموع اصواته في العالم القروي، وهي مفارقة تستعصي على المنطق والادراك، مع التشديد ان الانتخابات في العالم القروي تجرى بالاقتراع الفردي الاسمي عكس انتخابات المدن التي يتم فيها الاعتماد على نظام الاقتراع الائحي.
فالحزب الذي يفترض فيه ان يسجل حضورا قويا في المدن وخصوصا كبريات الحواضر مثل الرباط، الدار البيضاء، فاس، وجدة، اكادير ، مراكش، مكناس، طنجة كشفت النتائج المعلنة انهزامه الييّن امام حزب العدالة والتنمية ” الاصولي و المحافظ” كما يقدمه حزب الاصالة والمعاصرة.
سوسيولوجيا ومجاليا وسياسيا، فشل حزب الاصالة والمعاصرة في تامين مبرر وجوده، و اتضح بالملموس القاطع محدودية تأثير خطابه ونخبه .
فحزب الاصالة والمعاصرة الذي كان يراهن على اكتساح المدن وفي اسوء الاحوال الحفاظ على كبريات المجالس التي كان يسيرها فقدها وبشكل ” مذهل” ، فيما تم تعويض خسارته في العالم القروي و المدن الصغيرة.
يحق لحزب العدالة والتنمية ان ينتشي بفوزه. فوز له طعم خاص في الحسابات السياسية الدقيقة. ودون مجازفة وبمنتهى الموضوعية يمكن القول ان المستفيد الاول والاخير من هذه الانتخابات هو حزب العدالة والتنمية.
فوز ” اخوان بنكيران” لم يكن مفاجأ ، ومخطى من يعتقد ذلك ومخطأ حتى من يراهن ويؤمن بذلك. لكن الصدمة ( في الاتجاهين) والحقيقة المذهلة ان لا احد من أكثر المتفائلين و حتى أكثر المتشائمين والمحللين والمهتميين، كان يعتقد ببلوغ حزب العدالة والتنمية هذا الرقم المدهش من المقاعد وفي دوائر انتخابية جد معقدة ، مراكش والدار البيضاء و الرباط وفاس تحديدا.
فكيف حصد حزب المصباح هذه النتائج، وما هي الوصفة السحرية والخطاطة ” الجهمنية” التي اتكأ عليها امين عام حزب العدالة والتنمية عبد الاله بنكيران لتحقيق كل هذا الاكتساح الذي اربك جل المعادلات السياسية في البلد.
اذا تم التسليم بانتصار حزب العدالة والتنمية فان اكتساحه كان مستبعدا جدا، وهنا تجبر النزاهة الفكرية و الصرامة الموضوعية ، دون ضغينة و دون تحامل قول الامور كما هي وتسمية الاشياء بمسمياتها :
أولا : منذ وصول الاستاذ عبد الاله بنكيران الى رئاسة حكومة المملكة المغربية، تم تسويق صورة مغلوطة عن الرجل، ومع مرور الوقت تأكد بما لا يدع مجال للشك ان عبد الاله بنكيران داهية سياسي بامتياز ، لا يتردد في المواجهة و مخاطبة عامة الناس ، مسلحا بلغة عامية لا يتردد في استعمالها وتوظيفها وتبسيط الامور السياسية المعقدة لقاعدته الناخبة المستهدفة. بمعنى أدق ان بنكيران راهن على ” السيبلاج” وهي عامة الشعب من البسطاء متحللا من القول و التفكير والاستهداف النخبوي.
ثانيا: بنكيران يعرف قيمة الملكية عند المغاربة، فتجده في كل كلماته وخطاباته ، يخطب ود الملكية ، ومقابل ذلك يطلق كامل مدفعيته على خصومه في المعارضة، سواء الممثلة في البرلمان او المتواجدة خارجه. وتحديدا احزاب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و الاصالة والمعاصرة. وبالعودة الى جل التصريحات القوية والنارية لهذا الزعيم الحزبي وطيلة 4 سنوات، فانه كان يستهدف تهديدا قيادات هذه الاحزاب وليس كياناتها و قياداتها التاريخية بل تجده بالعكس يمجد فيها داخل البرلمان و خارجه.
عبد الاله بنكيران لا يتردد في قصف ادريس لشكر، الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفي نفس الوقت يعلي من مقال عبد الرحيم بوعبيد و عبد الرحمان اليوسفي، بل لم يتردد في القول بعيد تشكيل حكومته سنة 2011 ” بغيت نسخن كتافي بالاتحاد الاشتراكي” . نفس الشييء فعله مع حميد شباط و الياس العماري في مواجهة مصطفى باكوري.
ثالثا: باحترافية عالية بل حتى مدهشة، تحرّر بنكيران رويدا رويدا من تهمة ” الاخوانية” و نكسة الربيع العربي و ايديولوجية الاسلام السياسي، ففيما كان يجتهد كثيرا في التطبيع مع مدنية الدولة و القاء كل المسؤوليات الدينية و الشأن الديني برمته على ” امارة المؤمنين” تورّط خصومه السياسيون في خندق الزمهم هم فقط في دائرة مختنقة لم تجد تجاوبا كليا من الشعب فيما تجاوزها هو بشكل سلس وعرف كيف يحوّل تهمة ” الظلامي ” و ” الخوانجي” الى ” رجل معقول”.
رابعا: من المؤكد أن الاصوات التي حصدها حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات الجماعية والجهوية الاخيرة ، والتي فاقت مليون ونصف، ليست كلها ” خالصة لحزب العدالة والتنمية” . فجزء مهم منها ” اصوات عقابية” جادت بها أطر وقواعد اتحادية و استقلالية وبشكل كبير اصوات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ثم هناك اصوات أكثر ” الصوت الانتقامي” ضدا في حزب الاصالة والمعاصرة.
ولكم ان تعودوا الى جولات بنكيران في مختلف المدن والاقاليم اثناء الحملة الانتخابية ، وهي تجمعات ضخمة لم يسبقه لها اي حزب آخر ، وكيف كان يوجه القواعد، بعدم التصويت على ” البام” و الاستقلال .
عموما، يمكن التأكيد على ان المستفيذ الاكبر من هذه الانتخابات هما حزبي الاصالة والمعاصرة و حزب العدالة والتنمية، ومن حيث المعطى السياسي الخالص فان حزب العدالة والتنمية تصدر المشهد السياسي و هزم خصومه شر هزيمة ، مستفيذا من تراكم اخطاء الخصم .
اذا كشفت نتائج انتخابات 4 شتنبر 2015 ، تدني شعبية حزب الاصالة والمعاصرة، ( رغم احتلاله الصف الاول) وفشله في تحقيق غايته، وأفصحت عن تقدم متواصل لحزب العدالة والتنمية ، فان نتائج هذه الانتخابات كشف معطى مجتمعي صادم للطبقة السياسية والاعلامية والمهتمين بالشأن العام، الى وهو التصويت العقابي ضد المعارضة .
لا تتردد كل الاحزاب اغلبية ومعارضة في فضح بعضها البعض و توزيع التهم باغراق العلمية الانتخابية باموال طائلة و ” مجنونة” ، لكن الصدمة كانت اثناء فرز النتائج، حيث ظهر جليا، ان جل المستفيدين من المال الانتخابي صوتوا عكس المطلوب منهم، وهنا تجب الاقرار ان الشعب المغربي اصبح اكثر وعيا بل تجاوز نخبه السياسية و الاعلامية ، وهذه رسالة واضحة وهادئة للقيمين على الشأن العام لاعادة التفكير جدريا في طريقة التفكير والاشتغال.
جزء مهم من المغاربة قاطع الانتخابات، وله ما يبرره، وجزء لا يستهان به يدخل ضمن نطاق الملغاة ( بالمناسبة الى حدود الساعة لا حزب ولا وزارة الداخلية كشفوا عن عدد الاصوات الملغاة خلال هذه الانتخابات)، والجزء المتبقي والصوت المعبر عنه ذهب في مجمله الى حزب العدالة والتنمية . وهذه حقيقة فرضها شعب او على الاقل جزء مهم منه وآمن بحكومة ما بعد الحراك العربي و دينامية 20 فبراير، وحسب رائي هذه اكبر واهم رسالة تم توجيهها في الانتخابات الاخيرة.
اذا كان حزب العدالة والتنمية هو الفائز الاكبر بالانتخابات الاخيرة ( وهو محتل للصف الثالث) و المستفيد الابرز من هذه الانتخابات هو حزب الاصالة والمعاصرة ( رغم احتلاله للصف الاول) ، فان الخاسر الاكبر والضحية الاولى في هذه الانتخابات هو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
حزب خارج اي ” عمودية” ، خارج اي رئاسة جهوية، حزب فقط كل قلاعه التاريخية بنسبة 100 في المائة، حزب حصد الصفر في العملية الانتخابية برمتها، في حين قاوم حزب الاستقلال حتى آخر رمق للابقاء على حظوظه ضمن مربع الكبار، لكن ” شطب” الامين العام للحزب من ” عمودية عاصمة الحزب” فاس وبنتيجة ” سرليالية” وقياداته في كبريات المدن جعل من حزب الميزان ثاني المتضررين، وهو ما ادركه هذا الحزب جيدا وفرض على قياداته عدم الاحتفاء والاستمتاع بنشوة ” الانتصار” على حزب بنكيران والحلول في المرتبة الثانية.
مفارقات وعجائب هذه الانتخابات، لا تنتهي، فكل المطرودين من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحتى المغادرين حققوا نتائج فاقت توقعات حزبهم الام، ففي مدينة اكادير حقق طارق القباج الرتبة الثانية وراء حزب العدالة والتنمية ب 10 مقاعد، لائحة عمر بلافريج 9 مقاعد بمقاطعة الرياض بالرباط خلف العدالة والتنمية،و نجلة الراحل احمد الزايدي فازت حيث فشل الاتحاديون ( يونس مجاهد، نجل ادريس لشكر وغيرهم) ، وغيرها من النتائج متفاوتة في حزب الاستقلال و العديد من الدوائر.
وفي قراءة عامة للنتائج مع الترتيب، يمكن الجزم ان هناك اصطناع خريطة وقطبية مغشوشة سقط في المال. حيث لا يمكن لحزب العدالة والتنمية ان يأخد مكان حزب الاستقلال، ولا يمكن لحزب الاصالة والمعاصرة ان يأخد مكان حزب الاتحاد الاشتراكي. زمن احزاب الوفاق و الكثلة انتهى، وزمن فرض تقاطبات في كلى الاتجاهين لا شك سيفضي الى الكارثة.
نعم،لقد ضمن حزب العدالة والتنمية موقعه في ثاني انتخابات بعد الحراك العربي، وهو بالمناسبة حزب صغير للغاية، اقلية منظمة في مواجهة اغلبية مشتتة. حزب العدالة والتنمية اليوم يتمدد في كل مفاصل الدولة. فبعد اربع سنوات من تسييره للشأن العام، زادت شعبيته وانتشر نفوده. هو وحيد في الساحة في مواجهة الفراغ . بالامس هيمن على الانتخابات التشريعية، وبعدها المناصب السامية، واليوم يأخد العمادات بالاقتراع المباشر، يسيطر على المدن، بل مكنه هذا الاستحقاق الانتخابي من فرض منطقه حتى في ثلث الجهات، وغدا في مجلس المستشارين وقبلها ايضا دخل دائرة المركزيات النقابية الاكثر تمثيلية، وبعد غد في التشريعيات المقبلة لن تخرج نتائجه على ما حققه في الانتخابات الجماعية والجهوية.
طيب، لنطرح السؤال بكل جرأة وحياد، لماذا كل هذا الاكتساح؟
ليس في الامر تدليس ولا تنجيم. انه الواقع. انهم المغاربة. حزب العدالة والتنمية استفادة وبشكل براغماتي مدهش من تجربة عبد الرحمان اليوسفي. بنكيران يسعى جاهدا الى عدم تكرار اخطاء الاتحاد الاشتراكي.
اتمنى ان تتذكروا جيدا ما قاله ولا يمل من تكراره بنكران لاخوته في الحزب ” اضمنوا لي انفسكم اضمن لكم المستقبل”. هذا واحد من سر نجاح حزب العدالة والتنمية.
نظافة اليد، التواصل المكثف والرد على كل الاتهامات،مهما بلغت خطورتها، خدمة القرب، اشراك الناس في المعلومة واحيانا دون تحفظ، الحفاظ وبقوة الى حد استعمال الديكتاتورية على وحدة الصف الحزبي، التعامل الاخلاقي والاحترام، الراي الشخصي حر ومضمون و القرار الحزبي ملزم، الحجة بالحجة، الشجاعة، الديمقراطية الداخلية.
اضافة الى ما سبق نضيف، الضعف المهول للمعارضة وخطابها. فجزء كبير من شعبية بنكيران وحزبه جاءت على حساب العماري وشباط ولشكر، وخاصة تواضع ادائهم و احيانا تهورهم. وجزء مهم من الحملة الانتخابية للحزب انصبت على هؤلاء اكثر من شرح المنجزات الحكومية و تقديم الوعود وتبرير الفشل.
ومن الاخطاء الكبيرة لقيادات المعارضة، التركيز على شخصية بنكيران ومحاولة تسفيهها، واطلاق التهم المجانية واحيانا ” العنيفة- المضحكة)، في حقه دون الاخد بعين الاعتبار صفته كرئيس لحكومة المملكة المغربية و معين من طرف ملك البلاد ورئيس الدولة.
اخطاء قيادات المعارضة لم تقف فقط عند هذا الحد، بل دفع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال بدرجة اقل ضريبة غالية في انجرارهم وراء حزب الاصالة والمعاصرة، هذا فضلا عن الترهل التنظيمي و النزيف الحزبي الداخلي والاستقطاب الانتخابوي و معضلة مصداقية قيادات المعارضة.
هنا يبرز جليا، دهاء الامين العام لحزب العدالة والتنمية ، الذي راهن على الزمن و لعب بالجزئيات الى ابعد حدود، ورمى بتناقضات حزبه وتواضع اداءه الحكومي و تنامي الاختلافات الحزبية الى مربع الخصم، فكان له ما ارد.
ما نعيشه اليوم وحتى غدا في زمن منظور ليس توازنا حزبيا ، وثنائية قطبية بين حزبي ” البام” و ” الي بجي دي” ، ما يجري اليوم اختلال كلي وتمزيق للمشهد الحزبي من الاستقلال الى يوم الناس هذا ، فلا اليسار اصبح يسارا وتحول الى كيانات اصغر من علبة كبريت تنخرقه امراض عصية العلاج، ولا يمين له لون وطعم ولا زال اخطبوطا يراكم الثروات، ولا وسط واضح كينات متحللة حربائية دون قيادة ولا قاعدة
في الختام يمكن الوقوف على معطيين هامين، ونحن نستقرأ نتائج انتخابات 4 شتنبر 2015 ، وتفوق حزب العدالة والتنمية على باقي الاحزاب السياسية المغربية.
المعطى الاول: القدرة على امتصاص الضربات ، وخاصة الاعلامية. فاذا تأكد فشل قيادات المعارضة في ” فرملة ” تمدد حزب العدالة والتنمية، وتذكرون جيدا كم مرة قال بنكيران ” بهذا النوع من المعارضة، سنذهب لننام ونحن واثقون من الفوز في الاستحقاقات المقبلة” هناك ايضا التجني و التحامل الاعلامي الكبير جدا على حزب المصباح وقياداته. فجل الاخبار التي تم ترويجها عن الحزب وهي بعيدة كل البعد عن الموضوعية و الحقيقة وغير احترافية، فكانت وقودا للحزب لتحويل تواضعه في التدبير الحكومي الى مظلومية، وهنا يراكم بنكيران وحزبه النقط تلو الاخرى. فكلما اجتمع اعضاء الحزب لا يتحدثون عن المنجزات و الاكراهات بقدر ما يتحدثون عن اهمية وضرورة رص الصفوف ومواجهة الاعلام باعلام آخر بديل وفي كل الواجهات والمواجهات . ويكفي قولا ان حزب العدالة والتنمية كان مند ازيد من 5 سنوات وحتى قبل وصوله للحكومة الحزب رقم 1 في الاعلام الرقمي مقارنة مع باقي الاحزاب السياسية وخاصة التي تدعي الحداثة، أما في شبكات التواصل الاجتماعي فحدث ولا حرج، بل قل ، ان مجموعة من قيادات الحزب تحولوا الى نشطاء فايسبوكيين فعليا بمن فيهم الوزراء عكس باقي قيادات الاحزاب التي تبدوا متخلفة مقارنة مع اعضاء حزب العدالة والتنمية.
ولكم صورة المشهد كاملة:
على مدار سنوات شنت حملت مكثفة على : وزير التجهيز والنقل ورئيس بلدية القنيطرة عبد العزيز الرباح ، فكانت النتيجة ان الرباح حطم الرقم القياسي في نتيجة التصويت، وعاد لرئاسة بلدية القنيطرة من موقع قوة اكثر مما سبق.
نفس الامر مع جامع المعتصم، الذي زاد على منصب مدير ديون رئيس الحكومة عمدة سلا مرورا بعبد العالي حامي الدين ووصولا بالحبيب الشوباني الذي تمت ترقيته حزبيا الى رئيس جهة درعة تافيلات، وهو منصب بميزانية وصلاحيات تفوق ميزانية الوزارة وصلاحيات وزير وهي ممتدة الى 6 سنوات بدل السنة المتبقية له في عمر الحكومة. وغيرها كثير من الامثلة.
خلاصة.
بمجهود قليل، نجح بنكيران في اسثمار غباء المعارضة ورفع من منسوب مصداقية حزبه بل نجح حتى في حصد اصواتها، مراهنا على وعي الشعب وكذلك جاءت نتائج صناديق الاقتراع مع التذكير مجددا ان نصف اصوات العدالة والتنمية الاخيرة عقابية وانتقامية ضدا في احزاب المعارضة. نعم استفاد حزب المصباح من مرونة التعامل والتدبير وابان على قدرة كبيرة في التاقلم و قوة التواصل واعاد الاعتبار الى شخصية الزعيم والكاريزمة التي نظّر لها لسنوات على انها يجب ان تنتهي وتزول،وفرض مجددا اسمه في الخريطة السياسية بالمملكة وفي موقع اقوى مما كان عليه واذا لم يتم اجراء عمليات قيصرية في صفوف احزاب المعارضة وتواضع صناع القرار و الادراك الجيد لتصويت الشعب، فان زحف حزب العدالة والتنمية مرشح للتمدد وخارج كل التوقعات وهو التورط الاكبر الذي يتحاشاه عبد الاله بنكيران وقيادات حزبه لكن وجب التأكيد ان السياسية فن الممكن والطبيعة لا تقبل الفراغ و لا تأمين في السياسية.
والى جانب قوة شخصية الامين العام للحزب والذي لا يشك احد في دوره ” البيداغوجي” في مصالحة عامة الناس بالسياسية . شخصية حزبية مؤثرة لا تشبه باقي قيادات الاحزاب السياسية، يجب التأكيد كذلك على الماكينة التنظيمية للحزب ورأس حربتها الشباب والنساء، وقد مكنت جولات بنكيران طيلة مدة الحملة الانتخابية لدعم مرشحي حزبه العديد من مرشحي الحزب من اصوات معتبرة تفاجأ بها حتى المرشحون انفسهم،بالمقابل لم يظهر أي اثر للتجمعات التي عقدها حزبي الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ادريس لشكر و حميد شباط الامين العام لحزب الاستقلالن والتي كانت بدورها تعج بالالاف وحرارة الاستقبال، وهنا بالضبط يطرح السؤال الذي يجب طرحه مليون مرة ..
اين ذهبت الاصوات والتوقعات وكل الامكانيات ؟
الجواب وببساطة : ذهبت الى بنكيران وحزبه ؟
هذا هو الزلزال السياسي في معناه وتجليه الحقيقي وبكل مسؤولية و موضوعية وتجرد .
لمادا وقع كل هذا ؟
الشعب اجابكم وكل المصيبة انكم انتم بلا اجابة حائرون حتى في فهم ما جرى .
ما نعيشه اليوم وحتى غدا في زمن منظور ليس توازنا حزبيا ، وثنائية قطبية بين حزبي ” البام” و ” الي بجي دي” ، ما يجري اليوم اختلال كلي وتمزيق للمشهد الحزبي من الاستقلال الى يوم الناس هذا ، فلا اليسار اصبح يسارا وتحول الى كيانات اصغر من علبة كبريت تنخرقه امراض عصية العلاج، ولا يمين له لون وطعم ولا زال اخطبوطا يراكم الثروات، ولا وسط واضح كينات متحللة حربائية دون قيادة ولا قاعدة، اننا نعيش قمة الاهتزاز الحزبي و التشوّه والاعاقة السياسية، والسبب في نظري حزب الاصالة والمعاصرة الذي “نجح ” في لخبطة الخريطة الحزبية والسياسية بالبلد بالمقابل فشل للمرة الثالثة في فرض نفسه و الاقناع بالبديل و في حصد ولو نتيجة ايجابية لها فعلا انعكاس مجتمعي وحزبي عميق وهكذا اختلق التوازن عميقا.
من المؤكد ان نتائج انتخابات 4 شتنبر 2015 سيكون لها ما بعدها، وهذه اقوى وابرز رسائل الشعب المغربي و ” خدمات” حزب العدالة والتنمية. فعلى الصعيد الحزبي الداخلي من المستبعد جدا ان يبقى حميد شباط بعدما فقد قيادة نقابة الاتحاد العام للشغالين ثم عمودية فاس ان يقود حزب الاستقلال غدا، والدور قادم على توفيق حجيرة على الارجح لانه الوحيد من ابرز قيادي الحزب الدي لم يتورط في الترشيحات لهذه الانتخابات او عادل الدويري. نفس الرجة ستصيب حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وسيتم السعي الى الاطاحة ” المذلة” بالكاتب الاول كما فعل قادة الحزب مع محمد اليازغي في وقت سابق، ولكن فارق كبير، فالحياة الداخلية و التنظيمية لحزب الاستقلال احسن بكثير من غيرها في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فجل قيادات الحزب الحقيقين غادروا الحزب والتحقوا بفديرالية اليسار ومنهم من اسس حزب البديل الديمقراطي ولكن العديد من قيادات الحزب لم تغادره وفي احسن الاحوال ، ابتعدت او لم تترشح للانتخابات الاخيرة، واذا كان هذا شأن حزبي الاستقلال والاتحاد فان احزاب التجمع الوطني للاحرار و التقدم والاشتراكية والحركية الشعبية و العدالة والتنمية وحتى الاتحاد الدستوري ستحافظ على نفس قيادتها، فيما يظل السؤال الابرز : ما مصير قيادة ” البام” .؟
ان تثور قواعد حزب الاستقلال على شباط، فهذا مفهوم، فالرجل اخرج الحزب من الحكومة ب”صبيانية” و اضاع الحزب جل قلاعه وتنظيماته الانتخابية وحتى معاقله التاريخية وعلى راسها فاس، وفي حزب الاتحاد الاتحاد الاشتراكي فالامر انكى واخطر، فادريس لشكر قائد الحزب، افقد الحزب كل شييء بنسبة 100 في المائة، نقابة الحزب فقدت الثمتيلية في الحوار الاجتماعي مع النقابات الاكثر تمثيلية، ونتائج باهتة في غرف المهنيين، الحزب رفض المشاركة في الحكومة بدعوى العودة للمعارضة وبناء الذات ، وهو ما فشل فيه فشلا ذريعا، و الانتخابات الاخيرة جاءت كآخر مسمار في نعش ولاية ادريس لشكر، دون الحديث طبعا عن تصدع تنظيمات الحزب دون اسثناء وفي مختلف مناطق المغرب وتردي صورته عند المجتمع وفي الاعلام وتراجع دوره في مجال العلاقات الدولية، و تصفية حتى الفريق النيابي الاتحادي مقابل توليه شخصيا رئاسة الفريق، دون الحديث عن استقطابات انتخابية اثارت الكثير من السخط والاستهجان داخل قواعد الحزب.
فوسط هذا الزلزال الانتخابي ، الممتد حتى الى احزاب المعارضة مع التاكيد على ” حماية” حزب الاصالة والمعاصرة منه الى حدود الساعة، ، هناك ايضا اهتزازات وسط الاغلبية في ما يتعلق بتوزيع مغانم الانتخابات على مستوى الجهات والمقاطعات والمدن. بقدر ما سيبدي حزب العدالة والتنمية مرونة مدهشة على مستوى الجهات ، لن يتردد في الاقتتال البين والتفاوض الشرس على مستوى رئاسة البلديات ومجالس المدن ( العموديات) وهو رهانه الكبير الذي سيمكنه غدا للتفاوض من موقع افضل للجهات.
وسط هذا الصراع الحزبي المحموم، يجب عدم الاطمئنان الى الكليشيهات والتصنيفات المغشوشة، فحزب التجمع الوطني للاحرار الذي منح الاغلبية لعبد الاله بنكيران بدل حزب الاستقلال، سيكون متعبا للغاية لبنكيران، وعلى كل حال وفي جميع الاحوال فهذه مهمة هذا الحزب منذ وجد ومهمته السياسية” تطويع الاغلبيات مهما كانت” . انه في نهاية المطاف عجلة احتياط، وهذا من صالح بنكيران والذي لن يتردد ( طوعا او جبرا ) في فضح كل اوراق الملعب السياسي المغربي بيمينه ويساره ووسطه وهذا منتهى خطورة اللعبة .
نتائج هذه الانتخابات، ستصل صعودا الى البيت الداخلي للفريق الحكومي، فعلى الاقل هناك خمس وزراء سيغادرون الفريق الحكومي للالتحاق بالمهام الجديدة ، خاصة الجهوية، مما يضفي على الدخول السياسي لسنة 2015-2016 طابعا خاصا ومنفردا ومشحونا للغاية على صعيد الحقل الحزبي.
فبعد نتيجة 4 شتنبر 2015 ومهما كانت نتائج مفاوضات توزيع مقاعد الجهات في اول تجربة بعد دستور 2011 ، وامام سنة انتخابية حاسمة ونهاية المدة الدستورية للحكومة الحالية والتي من المرتقب ان يكون الدخول السياسي و الاجتماعي ملتهبا للغاية، بات واضحا ان مقارعة حزب العدالة والتنمية في الميدان وفي صناديق الاقتراع، وتثبيت التوازن الفعلي والحقيقي، في حاجة الى أحزاب حقيقية ومنظمة جيدا و قوية. أحزاب جدية بنخب حقيقية تستمد شرعيتها من الشعب، و بهوية مغايرة، وبمرشحين وقيادات حزبية تشبه حد التنافس قيادات ومرشحي العدالة والتنمية في نظافة اليد و المصداقية والتواصل والقرب من الناس البسطاء . وايضا باعلام ” واحترافي” ومعارضة سياسية ذات مصداقية، هذا مدخل من مداخل الاستقرار الحقيقي و التنافس الشريف والديمقراطي مع العدالة والتنمية وغيره لن يزيد الاّ في تقويتها الى حد التخمة ، تخمة يوازيها مزيد من المسخ و الغضب. وفي ذلك فاليتنافس المتنافسون.
الشعب المغربي : المصوت منه والمقاطع وصاحب الملغاة ..قال كلمته بوضوح و دهاء و بسلوك حضاري راقي و ايمان عميق بالمؤسسات، بقي فقط مصير التعاطي مع هذه الرسالة التي لا تختلف كثيرا عن رسالة دينامية 20 فبراير، اما حزب العدالة والتنمية فمشكورا ادى مهمته في هذه الانتخابات كساعي البريد؟.