يشكل الأعيان في المغرب ظاهرة سياسية فريدة تستحق البحث بالرغم من التراكم المهم الذي حققته الدراسات الأجنبية والوطنية، التي قام بها الباحثون في هذا المجال مثل كيلنر وواتربوري وغيرتز ولوفو والعروي وحمودي.. حيث درست آليات إنتاج السلطة السياسية في المجتمع المغربي. وهي دراسات خلصت، بالرغم من تباينها، إلى أن العالم القروي، و الفلاح المغربي على وجه الخصوص، يشكلون القاعدة الأنطربولوجية المحددة للإستقرار السياسي في المغرب، باعتبارهما المدافع عن الملكية و المؤسسات السياسية التي تدور في فلكها.

وبالرغم من راهنية و جدية هذا الطرح فإن هذه الدراسات تظل قديمة نوعا ما، بالنظر إلى أن فرضياتها المؤسسة قد تم صياغتها في سياق تاريخي يتطابق مع مغرب الستينيات والسبعينات من القرن الماضي. من هنا فإن إعادة التساؤل حول طبيعة الأعيان و النخب في المغرب من شأنه أن يعيد النقاش من جديد حول أدوارها السياسية المعلنة والمضمرة من جهة وحول الكلفة المادية والرمزية التي يجب على الدولة تحملها مقابل خدماتها للإستقرار السياسي والمؤسساتي.

بطبيعة الحال، لا يمكن إعتماد مقاربة ماركسية في هذا المجال، بالرغم من جاذبيتها النظرية و شيوعها لدى العديد المحللين لأنها تعتقد، بشكل غير مؤسس علميا، أن الدولة مجرد مؤسسة سياسية في خدمة الطبقات الحاكمة وأحلافها. و الحال أن هذه الأخيرة ليست إلا فضاء مؤسساتيا متشعبا و متفاوتا، حيث تتنافس وتتقاطع وتتصادم و تتحالف مختلف شرائح المجتمع و جميع أطيافه السياسية والثقافية والعرقية و الترابية. و بالتالي فالدولة لا يمكن أن تكون في خدمة فئة أو طبقة سياسية بعينها بشكل دائم ، ما دامت تشكل هذه الأخيرة وحدودها متغيرين لا يدومان في الزمان و المكان. 

 هيمنة الأعيان على دواليب الدولة تظل في الأساس صيرورة سياسية يتم من خلالها مهننة نشاط السياسي الداعم للدولة. إذ ينتقل الأعيان من وضعية خدمة الدولة التطوعية إلى وضعية خدمتها بشكل احترافي و دائم

من هذه الزاوية، يطرح التساؤل حول مدى تحمل دولة مثل المغرب، حيث تشح الموارد  المادية والرمزية، لعبئ التحالفات والتجاذبات السياسية التي يعقدها الأعيان بينهم لدوام ولائهم وخدمتهم لها. ذلك أن ولاء هؤلاء للدولة لا يستقيم إلا اذا كانت لهذه الأخيرة القدرة على أداء ثمنه المادي والرمزي الذي يظل متصاعدا باستمرار. حيث أن ولاء الأعيان للدولة يضل مشروطا بقدرة هذه الأخيرة على دفع ثمنه مهما ارتفع في السوق السياسي. بذلك تصبح الدولة في وضعية تعاقد ضمني بينها و بين أعيانها، تضمن بمقتضاه لهؤلاء و لذويهم وزبنائهم، ليس فقط الوظائف السامية في دواليبها، بل أيضا تمكينهم قانونيا واقتصاديا وجبائيا من الاستثمار وتدوير رؤوس اموالهم مقابل خدماتهم السياسية، ناهيك عن توفير الحماية القانونية والأمنية لهم، بما يجعلهم بمنئى عن المسائلة الشعبية و المحاسبة القانونية.  هنا يجب التأكيد أن الدولة لا تضمن حماية هؤلاء الأعيان من تلقاء نفسها، بل هم من يضمن ذلك لأنفسهم ما داموا يتحكمون، أفقيا وعموديا،  بشبكاتهم و علاقاتهم الأسرية و المصلحية في مسارات القرار السياسي و الاقتصادي. 

انطلاقا من هنا تصبح الدولة جزءا من أعيانها، الذين يقايضون استقرارها و ديمومتها بمدى قدرتها على الأداء. أي أن الدولة تصبح في وضعية التبعية لأعيانها و ولائهم، هي في الأصل من صنعها،  و بالتالي يتم الانتقال من سياق أعيان الدولة إلى سياق دولة الأعيان.