ابتدع الليبراليون طرق كثيرة في تبرير استغلال قوة العمل والثروات الطبيعية (البروليتارية و الاستعمار) مقابل سهر الدولة على تدبير المرفق العام (مرحلة التأميم) وضمان جودة ومجانية الخدمات العمومية مقابل ضرائب يسددها المواطنون، في حين تفنن النيوليبراليون في خصخصة وتسليع الحياة البشرية واستنزاف مدمر للطبيعة من خلال عقد التدبير المفوض للمياه ،وخصخصة الشركاء لأبار النفط ، يجري اليوم الحديث عن نوع جديد من خصخصة الصحراء أو أحزمة الطاقة ،وبدخول سنة 2011 يكون العالم قد حقق رقما قياسيا في استثمارات الطاقة المتجددة في العالم برقم وصل إلى 211 بليون دولار ، بزعامة الصين ، بينما صنفت ألمانيا المستثمر الأول في نظم الطاقة الشمسية فوق السطوح .

قامت “ديزرتيك”(1) بضخ استثمارات هائلة في مناطق أحزمة الشمس ،بغية تزويد أوروبا باحتياجاتها الطاقية الخاصة، ويعتقد ،اليوم ،العديد من الفاعلين أن مشروع ديزيرتيك الطموح ، بات ممأزقا بين ضخامة التكاليف ورهانا الاستثمار في الطاقة المتجددة ومحدوديتها في ظل صعوبة التوافقات الدولية ،فحسب الناشط حمزة حوشان(2)، تعود فكرة استثمار الطاقة الشمسية بالصحراء إلى ” أطروحة بحثية، كتبتها نادين ماي في عام 2005 لجامعة براونشفايغ التقنية في ألمانيا. وترى ماي أ، هناك مساحة مهمة في دول شمال أفريقيا تبلغ تقريبا 3.49 مليون كيلومتر مربع لتركيز محطات طاقة شمسية(CSP): المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر. في اعتقاد أن مساحة 254 كم × 254 كم ستكون كافية لتلبية الطلب على الكهرباء الكلي في العالم. ويمكن أن تنتج كمية الكهرباء التي تحتاجها دول الاتحاد الأوروبي الخمس وعشرون على مساحة 110 كم × 110 كم (على افتراض أن مجمّعات الطاقة الشمسية يمكنها التقاط 100٪ من الطاقة).

 وهناك تقدير أكثر واقعية وضعته مبادرة مولد فن الأرض (Land Art Generator Initiative)، يفترض معدل التقاط 20٪ ومساحة أكبر بحوالي ثماني مرات من تلك الواردة في دراسة ماي من أجل تلبية احتياجات العالم من الطاقة. ومع ذلك” 

ان الفكرة قديمة تعود إلى سنة 1913، حيث عرض المهندس الأمريكي فرانك شومان، على النخبة الاستعمارية في مصر،  أول مشروع محطة للطاقة الحرارية الشمسية في العالم إلا أن اندلاع الحرب العالمية الأولى حال دون احتضان المشروع.

تدافع ديزرتيك عن فكرة تعميم الطاقة البديلة على أوروبا ، بتحالف مع ديزيرتيك الصناعية (Dii) – وهما كيانين مختلفين ولكنهما مرتبطين – بغطاء تكلفة مالي قدر ب 400 مليار يورو لربط محطات الطاقة الشمسية في الصحراء بأوروبا القارية من خلال كابلات خاصة لنقل التيار المباشر ذي التوتر العالي لتزويد الإتحاد الأوروبي بـ 20٪ من احتياجاته من الكهرباء. 

نحو اقتصاد ريع جديد وتعميق للتبعية 

جاء في “لانسيت” وهي مجلة طبية ” أن بقاء  مجتمعات بأكملها في العالم العربي قد أصبح على المحك ” ويرى الخبراء انه في العشرين سنة ستشهد تحولا جذريا في أوضاعها ،إلى درجة ستصبح  المدن الكبيرة في المنطقة مهددة بالعطش، كالجزائر و القاهرة و الدار البيضاء ،لتصل إلى عتبة تحت مستوى الفقر المائي المطلق المحدد ب500 متر مكعب للشخص الواحد ، فأشكال الجفاف التي عرفتها المنطقة عملت على تدمير سبل العيش ل 800 ألف شخص  في شرق سوريا ونفوق 85% من الماشية وتهجير 160 قرية قبل 2011، وأضرت المياه المالحة بدلتا النيل في مصر و دلتا ملوية بالمغرب ، بل بلغ درجة خطورتها بتهديد وجود مدن بأكملها كطرابلس و الإسكندرية . 

إن البلدان النامية  التي في مجمل أنظمتها ،تتأسس على اقتصاديات ريعية ، ومرهونة بتبعية ملحوظة للبلدان الرأسمالية ، لاتملك أي منظور استراتيجي تحرري ، لتنمية مستدامة حقيقية

ومن ثم بات رهان البحث عن الطاقة البديلة و المتجددة ،خيارا لا مفر منه أمام الدول،  وحسب تقرير الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغير ، الصادر عن  المنتدى العربي للبيئة والتنمية لسنة 2011 ، يبلغ خزان  المنطقة العربية الكهرمائي المركب  نحو 10,7 ميغاواط، تتوزع على محطات كهرمائية كبيرة في مصر والعراق، ومحطات صغيرة في الجزائر والأردن وموريتانيا والمغرب والسودان وسورية وتونس.ويعمل المصرف المركزي في لبنان بدءا من 2009  على دعم مشاريع كفاءة الطاقة و الطاقة المتجددة(NEEREA).

 يتيح للاستثمار الجديد في المنطقة من الاستفادة من مصادر طاقة شمسية بمنطقة الخليج العربي و شمال إفريقيا ،حيث انعدام الموارد الهيدروكربونية ،عبر استخدام التكلنولوجيا الفوتوفولطية ، التي قد تصل إلى مابين 1460 و3000 كيلواط في المتر المربع ،بغاية ضخ المياه و الاتصالات السلكية و اللاسلكية و الإضاءة من مواقع نائية.

وهو ما حدا بمركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية إلى إبرام عقود لإنشاء نظام فوتوفولطي بقدرة 3 ميغاواط ذروة، في حين وقعت أرامكو عقداً لإنشاء محطة فوتوفولطية مركبة على ظِلَّة بقدرة 10 ميغاواط ذروة في الظهران، وهي ستكون أكبر محطة فوتوفولطية في العالم.في حين سعت حكومة عمان لإطلاق محطة شمسية بقدرة 150 ميغاواط ، أما البحرين فتطور عبر الهيئة الوطنية للنفط و الغاز شبكتها لتصل إلى مقدرة إنتاج 20 ميغاواط، وتقوم مصر بتجارب لتصل إلى مقدرة إنتاج 140 ميغاواط في الكريماتر ،أما الجزائر و المغرب فقد ثم تأسيس محطات الطاقة الشمسية الهجينة (هايبرد؟) ، كما يجري نفس الشيء في الكويت وقطر. 

انه تطور ملحوظ في قدرات المنطقة على توليد الطاقة الكهرومائية ،حيث يحاول الاستثمار الجديد ، الرهان على المنطقة المتواجدة في” أحزمة الشمس ” للاستفادة المزدوجة من الضوء و الحرارة ، ففي عام 2008 أنتجت ما يعادل 21 تيراواط بسرعة رياح تقدر ما بين 8 و11 مترا للثانية في مصر (خليج السويس) ومابين 5و7 في الأردن،وجرى تركيب وحدات طاقة رياح موصولة بالشبكة العامة في نطاق تجاري بين مصر (550 ميغاواط) و المغرب (280ميغاواط).

لابد من فرض رقابة شعبية على الاستثمارات الجديدة

إن البلدان النامية  التي في مجمل أنظمتها ،تتأسس على اقتصاديات ريعية ، ومرهونة بتبعية ملحوظة للبلدان الرأسمالية ، لاتملك أي منظور استراتيجي تحرري ، لتنمية مستدامة حقيقية ، وما استثمارها المشترك والمرهون باقتصاديات الشركات الكبرى ، إلا محاولة لربح بقايا كعكة ضمن مخطط امبريالي يهدف إلى الانتقال التدريجي الحتمي من اقتصاد صناعي مدمر لكوكب الأرض إلى اقتصاد استخراجي لايقل خطرا عن سابقه من حيث استنزاف الثروة المائية …كما أن الأنظمة السياسية بالمنطقة لانفتح إمكانية الدفاع عن سيادة “وطنية أو شعبية” على ثرواتها .في ظل إنتاج سنوي لمعدلات البطالة ، وتقشف يعيق أي إمكانيات لتشجيع البحث العلمي ،وجدير بالذكر أن  معدل استثمار الدول العربية في البحث العلمي لايتجاوز 0.2%. في حين تستثمر إسرائيل ما يقارب 8% من دخلها القومي في البحث العلمي، مما يجعلها من أقوى الدول قدرة على استشراف آفاقها وضمان أمنها القومي.. إن هاته النظم لا تعبر في تشكيلة نظما السياسية،عن منظورات تحررية حقيقية قادرة على إزالة العوائق ، مما بجدر بالحركات الاجتماعية الجديدة و البيئية و المناهضة للعولمة والطبقة العاملة على ضرورة التسريع بتطوير بدائلها وطرق نضالها من أجل إقرار سلطة مزدوجة ،ترتبط بفرض الرقابة الشعبية على الثروات الطبيعية و الإطار التشريعي المؤسساتي.

الهامش 

1. ديزيرتيك: مؤسسة تشكلت من نخب و صناعيين و شركات متعددة الجنسية مثل E.ON، ميونيخ ري وسيمنس ودويتش بنك، وكذلك مؤسسة ديزيرتيك نادي روما، العلماء الأعضاء في شبكة TREC تمتلك مكاتب في هامبورغ وهايدلبرغ بألمانيا،أنشأت مؤسسة ديزيرتيك في 20 يناير من عام 2009 بهدف تسريع وتعزيز تنفيذ مشروع ديزيرتيك للطاقة النظيفة ، تنشط المؤسسة في المجالات التالية: دعم نقل المعرفة والتعاون العلمي بين جميع الأطراف: أطلقت عام 2010 شبكة جامعة ديزيرتيك لتكون بمثابة منصة للتعاون العلمي والأكاديمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. دورها الأساسي يقوم على نشر التكنولوجيا وتطوير مناهج دراسية في جامعات المنطقة مختصة بمجالات الطاقة المتجددة. الأعضاء المؤسسون لها هم مؤسسة ديزيرتيك بالإضافة إلى 18 جامعة ومركز بحثي من منطقة المتوسط وشمالي اقريقيا.