معضلة التواصل لدى مؤسسات الدولة مرة أخرى
مرة أخرى تؤكد الدولة المغربية أن أزمة التواصل أصبحت ثابتة لديها، وأن ما يجري هذه الأيام بشأن حادث التدافع بمنى بالمملكة العربية السعودية، من غياب للمعلومة لأكبر دليل على التغاضي عن هذا الجانب، وعدم إعطائه ما يستحق من عناية، فالتقصير واضح في التواصل مع الرأي العام الوطني الذي ذهب ليبحث عنها في جهات أخرى، مما زاد من هلعه وسخطه، خاصة وأن المعلومة الرائجة تأكد أن مصدرها جهات هدفها الأساسي تصفية حسابها المذهبي مع مملكة آل سعود، مما أخرجها من سياقها وروحها.
آراء أخرى
ففي الوقت الذي تتواصل فيه الدول المعنية مع شعوبها، وتقدم لهم الحصيلة الأولية لعدد القتلى في هذه الحادثة المفجعة، وتقدم كل جديد أولا بأول بما في ذلك دول لا زالت غارقة في التقليدانية، تصر السلطات المغربية على نهج سياسة “النعامة”، فالقيامة قائمة بالمغرب، والدولة تكتفي عبر سفارتها بالمملكة السعودية ببلاغات غارقة في لغة الخشب، تزيد من الضبابية أكثر مما تقدم توضيحات للرأي العام المتلهف لمعرفة تفاصيل ما يجري، وتعتقد السلطات المغربية خطأ أنها بهذه الطريقة في التعامل مع المغاربة أنها تحسن صنعا، أو أنها الطريقة المثلى في زمن مواقع التواصل الاجتماعي والأنترنيت .
هذه الأزمة التواصلية هي جزء من معضلة التواصل التي تعاني منها الدولة ككل، فالمؤسسة العسكرية لا تتواصل، والمؤسسة الحكومية تتواصل بلغة خشبية جافة، حتى لقاء ناطقها الرسمي الأسبوعي أصبح يعاني من الروتين الممل
في الدول الديمقراطية أو التي في طريقها إلى الحرية والكرامة لا تكتفي مؤسسات الدولة في مثل هاته المناسبات المحزنة، بإصدار بلاغات وبيانات تتضمن كل مقومات البيان والتوضيح، بل إن القنوات التلفزيونية الرسمية تعمل على إيقاف كل برامجها والتزاماتها لتفتح الباب أمام التغطية المباشرة لهذا الحدث المفجع، فالأمر يتعلق بحدث قد يكون من ضحاياه مغاربة من درجة “مواطن”، فتجند صحافييها، وتتصل بمحللين ومختصين وشهود عيان، وترسل طاقم صحفي لعين المكان لإنجاز تقارير وربرتاجات، واستضافة مسؤولين إداريين وحكوميين لهم صلة بالقضية، حتى تضع المواطن المغربي في صورة ما يجري، لكن كل هذا وللأسف لم يحدث، استمر بث البرامج والمسلسلات والأفلام المدبلجة، وبرامج الطبخ، وحتى عند حلول موعد الأخبار، أو هكذا يطلق عليها مجازا، لا تشير أو تقترب من هذا الحدث، وكأن لا علاقة لنا نحن المغاربة بما جرى هناك، وكأن عائلات حجاجنا لا قلب ولا عاطفة ولا أحاسيس لهم، مع أن كل همهم معرفة الجديد عن طريق إعلام بلدهم .
شخصيا حاولت التواصل مع مجموعة من المسؤولين الإداريين و الحكوميين الذين لهم علاقة بفاجعة مشعر منى، بعضهم لا يرد على الهاتف، وإذا كنت محظوظا ورد على اتصالاتك فلا تجد عنده إلا الدعاء والتمني، فمسؤول حكومي عندما قال لي ليس لديه أي معلومة مفيدة حتى الآن فهو محق وأنا أفهمه وأتفهمه، ففعلا المعطيات لا توجد لديه ولا لدى رئيسه، ولكنها توجد لدى جهات خارج المؤسسات المنتخبة، لذلك لا أحدا يأتي غدا ويقول لنا أننا فعلا لدينا حكومة قيل أن جزء من الشعب انتخبها واختارها لتدبر له شؤونها ومنها ما نحن بصدده .
وفي الحقيقة فإن هذه الأزمة التواصلية هي جزء من معضلة التواصل التي تعاني منها الدولة ككل، فالمؤسسة العسكرية لا تتواصل، والمؤسسة الحكومية تتواصل بلغة خشبية جافة، حتى لقاء ناطقها الرسمي الأسبوعي أصبح يعاني من الروتين الممل، المؤسسات العمومية الكبرى منعزلة لا ندري ما يجري بداخلها، حتى الديوان الملكي لا يجده المغاربة عندما تكون الحاجة ماسة للتواصل، أما حوارات الوزراء فتلك قصة أخرى، فهي أقرب إلى الدعاية منها إلى الحوار الصحفي الذي له قواعده المتعارف عليها .
في تقديري أصبح من الضروري مراجعة السياسة الإعلامية والتواصلية للدولة، فلا يعقل أن تستمر على نفس النهج في زمن مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، والتطور الإعلامي الإلكتروني على الخصوص .
