عندما يحاصرك الموت من كل الجهات الأربعة، يصبح وجودك بلا معنى، فأنت ميت، فإذن أنت غير موجود!..عندما تعيش الموت بكل مكابدات العالم، وتمضي بلا أفق في النفق المظلم، تحمل قبرك، يصير الموت هو قهوة الصباح وكوابيس المساء، لا تبقى الحياة جديرة بأن تعاش، فنم طويلا، ودع السنين تمضي بلا وداع!..

عندما يصير عالمنا الإسلامي مقبرة كبيرة تتسع للقتل والموت والحرب والخراب، وتتعفن فيه الجثت وتتكوم فوق بعضها، ولا تجد من يستنكر ويتحرك، فقل سلاما واقطع كل جسور الوصال!.. 

عندما يمسح المؤمنون – بحسب أوهامهم- أيديهم الملطخة بالدماء في منديل “القضاء والقدر”.. فيصير “القضاء والقدر” هو المتهم الوحيد، فاعلم ان الجهل المقدس قد سكن القلوب والعقول!

كل هذا القتل الأعمى وبرك الدماء الكبيرة التي تسكن جغرافيتنا الإسلامية، دون جغرافية العالم.. ألا تعني لنا شيئا؟!.. ألا تفجر داخلنا سيول التساؤلات المكبوثة؟!

لقد انتقلنا من زمن الموت البطيء إلى زمن الموت السريع، وصارت كلمة “عاجل” التي تتسابق فضائياتنا إلى بثها، تنذر بدخولنا زمن النهايات ومرحلة الأفول بإمتياز!

الموت واحد وأسبابه متعددة.. فمن لم يقتله عزرائيل قتلته إسرائيل، ومن لم تقتله إسرائيل قتلته  أجلاف عربائيل وداعش وأصحاب الفيل!.. فأين المفر؟! 

فهذه شعوب يقتلها كاتم الصوت، وتلك تباد ببراميل متفجرة يموت من هولها الموت، واولائك  الحجيج في البقاع المقدسة يقتلهم الزحام بعد الإهمال والفوت!..

 الموت عندما يبرر بالجهل المقدس تفقد الحياة معناها، ويصبح الحق في الحياة بلا دلالة، ويصبح القتل عمدا أو خطأ قدرا مقدورا، وليس جريمة بما كسبت أيدينا، فيطول موسم حصاد الرؤوس وخنق النفوس وإزهاق الأرواح، وتصير المدينة الإسلامية مدينة أشباح ومومياء..

و”الجهل المقدس” يدفع ويزال ب”المعرفة الضارة” – كما يصنفها البعض!.. المعرفة الكاشفة والفاضحة المبطلة لسكوك الغفران، وللمعبد المتحالف مع الطغيان، وللدواعش والدواحش الذين يتقربون إلى آلهتهم الطائفية بقتل الإنسان!

الحياة جديرة بأن تعاش، ومن لا معاش له لا معاد له، ومن عاش في هذه الدنيا أعمى، فسيكون في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، ومن لا يحترم حق الحياة فهو مجرم وإن صام وصلى واعتمر وحج، فأعيدوا للدين حقائقه

القدر والقضاء المفترى عليه من طرف أصحاب نظرية الجهل المقدس، ليس جبرا ولا قهرا ولا قصرا كما يشاع ويداع..

 “القدر” هو سنن الله الكونية.. هو القانون الذي لا يبدل ولا يغير، والمتكون من كلمة “كن فيكون”، وهذه دائرة خارج اختيار الإنسان، لأنها تمثل “الموضوعي” المتعالي عن ذات الإنسان.. 

و”القضاء” هو السنة التشريعية.. هو الحرية التي أناطها الله بالإنسان، والمتكون من كلمات”الأمر والنهي”، وهذه الدائرة داخل اختيار الإنسان، لأنها تمثل “الذاتي” الخاضع لإرادة الإنسان..

والموت من “قدر الله”، ولا أحد يستطيع أن يدفع عنه الموت في نهاية المطاف، لكن “قضاء الله” فيه أن أمد الأعمار يطول بحسن الإيمان وإشاعة الخير وبتجويد الحياة وإشاعة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والسلم النفسي والبدني، وحسن التغذية والرعاية الصحية والبيئية وغيرها، لأنها أسباب أناطها الله تعالى بالحياة، التي من راعاها، بارك الله له في عمره، ومن أهذرها بالحروب والقتل والمجاعات والأوبئة والاستبداد المخرب للعمران والفساد والأزمات المتنوعة يقصر من أمد الحياة.. 

ولذلك اعتبر الشرع أن قتل النفس المحرمة جريمة، لأنها تنقص من عمر المقتول، وجعل لها عقابا هو قتل الجاني، أي بنقص عمره كما  تسبب في نقص عمر غيره.. 

فالأعمار تزيد.. ..” وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ” حسب جودة الحياة، وتنقص.. ” وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ”  حسب رداءتها..” إِلا فِي كِتَابٍ” فكتاب الحياة يجمع كل عناصر الحياة الطيبة أو الشقية، وتكليف الإنسان هو تجويد الحياة وجعلها طيبة..  “إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” فاطر 11، والأرزاق تتسع أو تضيق حسب مصادر الثروةالرزق.. “ليأكلوا من ثمره “، والكسبالعمل.. “وما عملته أيديهم”.. “أفلا يشكرون” يسن 34 

فكفى من ترويج “الجهل المقدس” فالقتل ليس مبررا، وهو جريمة جعل الله تعالى لها حدودا، فإما أن نعيش جميعا وإما ان نقتل فرادى! 

وكفى من تعليق أخطاءنا على مشجب القضاء والقدر، فالله أتبث للإنسان إرادة حرة، قال سبحانه وتعالى:” منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة” آل عمران 152.. وأتبث كذلك للإنسان مشيئة، قال عز وجل:” لمن شاء منكم أن يستقيم” التكوير 28.. وطبعا كل ذلك يتم داخل سنن الله الكونية والقدرية..” وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين” التكوير 29.

الحياة جديرة بأن تعاش، ومن لا معاش له لا معاد له، ومن عاش في هذه الدنيا أعمى، فسيكون في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، ومن لا يحترم حق الحياة فهو مجرم وإن صام وصلى واعتمر وحج، فأعيدوا للدين حقائقه، فلا تتشبثوا برسومه وتضيعوا مقاصده ومعانيه.. فعالمنا الإسلامي بسبب “جهلكم المقدس” صار مشتلا للموت والقتل والتدمير والكوارث الغير مبررة، وصار أمد الحياة قصيرا، بالمقارنة بأمد الحياة في الدول المتحضرة التي تحترم الحق في الحياة، وتوفر له أسبابه، وتدفع عنه موانعه.