من جديد تتحرك أيادي العبث التي لا تعرف سبيلا للحركة إلا في الظلام أوتحت الضباب، وتنفذ واحدة من غزواتها إرضاء لنزواتها، مستهدِفة أنصار الديمقراطية التي تخيفها وتفزعها، لأنها تفضح كره الناس عموم الناس لها. 

 

هذه الأيادي العابثة اختارت قبل أيام في مسار استهدافها الدنيء للمناضلين المنتصرين للديمقراطية، عبد العلي حامي الدين، المستشار البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، والذي ظل هدفا مركزيا لعبثها ودناءتها بغاية اغتياله سياسيا أو عزله باجترار تهمة ملّ المتابعون تكرارها وعافت الآذان سماعها بعد أن أثبتت السلطة المختصة براءته منها، والمتعلقة بمفارقة الطالب بنعيسى أيت الجيد للحياة قبل حوالي اثنين وعشرين سنة. 

 

المناسبة التي اختارتها أيادي الظلام لتوجيه تعليماتها للأدوات التي تشتغل بها، كانت إعلان عبد العلي حامي الدين مرشحا لتحمل مسؤولية رئاسة فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، بعد أن ظل الحزب محروما من ولوجه منذ إحداثه، وبدون حياء اختارت الأدوات المياومة عند الأيادي إياها توقيت جلسة دستورية  شكلت لحظة مهمة في المسار السياسي في البلاد، لتقف مجترّة أمام البرلمان شعارات تشهير بالصورة وبالاسم ببرلماني حملته الإرادة الشعبية والديمقراطية ولا شيء غيرهما إلى مقعده، دون أن نرى أثرا للمارسات التي تُواجه بها عادة مثل هذه الوقفات ما يعني أنها جرت برعاية أصحاب التعليمات!

 

دعونا نقرأ سويا ما وراء هذه الغيرة التي تتملك فجأة المتاجرين بدم واسم الطالب بنعيسى أيت الجيد، ونتحرى ماذا يريدون بالضبط وكيف يشتغلون، لنعرف إلى أي حد يمكن تصديق ادعاءاتهم والوثوق بدفوعاتهم. 

 

جرت العادة أن يتم تداول اسم حامي الدين من طرف جهات معروف توجهها الأيديولوجي والسياسي، وظل الأمر مقبولا في اطار مستوى معين تفسره الأطروحة التي تؤطر الصراع السياسي عند هذه الجهات، لكن رصد إثارة اسمه في ملف أيت الجيد خلال السنوات الأخيرة يكشف تزايد الإثارة حدّ السعار في مناسبات معينة، كان منها إعلانه مقررا للجنة الوطنية للحوار حول المجتمع المدني والادوار الدستورية الجديدة، ثم مناسبة الحديث عن إمكانية توليه حقيبة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني بعد استقالة الوزير الحبيب الشوباني، ثم أخيرا مناسبة ولوجه لمجلس المستشارين واعلانه رئيسا لفريق العدالة والتنمية، فضلا عن مناسبات أخرى قدم خلالها قراءات دستورية لأحداث  وقرارات مختلفة. 

 

يظهر إذن أن أيادي العبث المنتشية بالاشتغال في الظلام، يزعجها في حامي الدين تقدمه بخطى ثابة وواثقة في ولوج المؤسسات وتولي المهمات، لا شيئا آخر لا يوجد إلا في أجندتهم الإقصائية، ورغبتهم في ألا يكون حامي الدين بشخصه أو بانتمائه جالسا على مقعد يعتقدون أنه خُلق لهم لا لغيرهم ولو تطلب منهم الأمر السطو والسيطرة عليه كما هو معروف عليهم وبرز في منهجهم منذ سنوات وزكته انتخابات رؤساء مجالس بعض الجهات والاقاليم. 

 

طيب ما الذي يُزعج هؤلاء بالضبط، سياق تحركاتهم الأخيرة يفضح مواقفهم، ويعري ادعاءاتهم، فحامي الدين جاء الى الغرفة الثانية في البرلمان، بإرادة الناخبين في نزال انتخابي لم يخطِّط له، وإنما استجاب فيه لقرار حزبه، وكان آخر من وضع ملف ترشيحه لحظات قبل انتهاء الآجال القانونية، ليرشحه أعضاء حزبه بمجلس جهة الرباط بطريقة ديمقراطية لمجلس المستشارين، ثم بعد ذلك تم ترشيحه بما يُشبه الاجماع لرئاسة فريق الحزب، كل هذا بعد خضوعه لمساطر معروفة لا تحابي في العدالة والتنمية اسما دون اسم الا بناء معايير الكفاءة والنضالية، إذن وصول حامي الدين إلى مجلس المستشارين كان وفق مسار طبيعي، بشرعية ديمقراطية، وعلى الأقل لم يصل إلى هذا المجلس مختبئا خلف تجار الانتخابات كما فعل غيره، ولم يترشح لرئاسة المجلس برصيد 12 مستشارا جهويا تحولوا في ظروف غير مفهومة إلى 37، أين المشكل يا ترى في كل  هذا، المشكل أن هؤلاء بكل اختصار ضد الديمقراطية وضد شرعية الإرادة الشعبية ومن هواة مصادرة الحقوق المدنية والسياسية.. هذا كل ما في الأمر دون أن نحتاج إلى الخوض في شرعية الترافع عن بنعيسى أيت الجيد ابن الإقليم الذي أنحدر منه! 

 

اليوم هناك حاجة ماسة إلى مواجهة هذا العبث، ومحاصرته رغم أن امتداده  محدود جدا، حتى لا يتكرس كمنهج يُراد به إخراس الأصوات أو ليّ الذراع، لكسب نقط باطلة في صراع التحكم والاستبداد مع الحرية والديمقراطية.