التحدي الكبير الذي كان يرفعه الجميع في وجه حكومة الملتحيين المغاربة، إنجاحها لرهان الاستحقاق الجماعي الأول من نوعه، بعد إقرار دستور 2011، وإخراج القانون التنظيمي للجهة والجماعات، الذي أثار لغطا كبيرا، بين الفرقاء السياسيين المغاربة، حول العديد من بنوده، التي كانت ستكون مختلفة، لو غلب هؤلاء الفرقاء الحسابات الانتخابوية الضيقة في سبيل إقرار قوانين تنظيمية، تؤسس حقيقة لمفهوم الديمقراطية الناشئة،ونذكر على سبيل التأمل، المستوى الدراسي لناخبين، لكن مع الأسف، تم تجاهل مطلب إقرار الباكالورية كأدنى مستوى للمترشحين، مما أفسح المجال فيما بعد لجوقة الأميين، التربع على رأس العديد من الجماعات والمجالس الإقليمية وغيرها من مناصب المسؤولية، هذا الجزء وحده، يدل على شيء الكثير، في علاقته بالنوايا الحسنة للمشرعين المغاربة حكومة وبرلمانا.

لنقل أن الانتخابات الأخيرة، قد استوفت أهدافها، وضخت دماء جديدة، داخل شرايين الأجهزة المنتخبة المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية، غير إن الظروف التي صاحبت العملية، تحمل في ثناياها العديد من الدروس حول الكيفية الحقيقية، التي تم بناء عليها إفراز رجالات الدولة الجدد، ولعل انتخابات رئيس مجلس المستشارين الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي، عرت حقيقة الانتخابات الأخيرة، إذ بدا جليا، أن نتائجها في الأخيرة، جاءت عكس ما يشتهي الناخب المغربي، وفسحت المجال أمام رجال حركة لكل الديمقراطيين، الحركة التي أسسها صديق الملك ومستشاره الخاص والمقرب سنة 2007، توجت بتأسيس حزب جديد، يعرف بالأصالة والمعاصرة، حزب اصطف إلى جانب المعارضة البرلمانية، منذ البداية وقادها في النهاية إلى حتفها، الحزب المذكور، والذي صاحب ظروف نشئنه الكثير من اللغط والجدل، حد وصفه بحزب الملك في كثير من الأحيان، هذا الحزب حصد، الحصة الكبيرة، في مشهد الأسد، الذي يلتحف بطانة الذئب، وزحف على الأخضر واليابس، وترك الإسلاميين وباقي الفرقاء، في مشهد المتفرج، أو البليد الذي كد واجتهد، ليهدي ثمار جهده على طبق من ذهب لعدوهاللدود في البرلمان وخارجه.

انتخابات رئاسة مجلس المستشارين، أعادت إلى أذهان، حكاية الجبهة الوطنية للدفاع عن المؤسسات الدستورية، التي أسسها المستشار الملكي للحسن الثاني رضا اكديرة

على أية حال، ما انتهت إليه الانتخابات الأخيرة، يبرز تعارض نتائجها الأخيرة، مع إرادة الناخبين محليا، والطريق بين المحلي والوطني، أو الجسر الذي يربط الناخبين الصغار بالناخبين الكبار، على حد تعبير الشارع المغربي، هذا الجسر، الذي يتطلب اجتيازه، بطاقة مرور خاصة، تحددها سلطة المال والنفوذ، الشيء، الذي جعل إرادة الناخبين المحليين، تتهاوي لتختفي كليا، ونكتشف جميعا، إن أولئك، الذين عاقبهم الشارع بصناديق الاقتراع، عادوا من جديد من واجهة الاقتراع الجهوي، بصيغة الناخبين الكبار، كمفهوم جديد ينضاف إلى القاموس السياسي الحافل بالمفاهيم المعقدة والمفبركة، تكرس نظريا العديد من التجليات، التي تتعارض ومفهوم الديمقراطية الناشئة.

انتخابات رئاسة مجلس المستشارين، أعادت إلى أذهان، حكاية الجبهة الوطنية لدفاع عن المؤسسات الدستورية، التي أسسها المستشار الملكي للحسن الثاني رضا اكديرة، وضمت أحزابا إداريا ووطنية في مواجهة المد الاشتراكي بزعامة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وقيادييه المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد، اليوم يعيد التاريخ نفسه، بذات الصيغة، ولو اختلفت الأسماء والمواقع، الطريق إلى انتخاب رئيس مجلس المستشارين الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي، والتي ألت في النهاية لأحد رجالات حزب الأصالة والمعاصرة، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ سقطت على مشارفها، أسطورة التحالف الحكومي، وتوحدت الأحزاب الإدارية، جنبا إلى جنب الحزب المحظوظ بالصدفة، وترك الإسلاميون وبعض الأحزاب الوطنية، في الجبهة الثانية، يصارعون المستحيل، للإخضاع الجبهة الأولى، التي يبدو أنها حسمت معاركها في وقت مبكر، ولم يكن من شيء يمنعها للإعلان نصرها، غير إجراءات شكلية، تفرضها اللعبة السياسية.

وكخلاصة لما جاء سلفا، في صيغة سردية، للأحداث،فقدت مضمونها من فرط تكرارها، ليس فقط، على الألسنة الصحافة والمتخصصين، وإنما لفرط تكرارها تاريخيا، وعليه، يمكن القول، بان الطريق بات سالكا، لتنحية إسلامي المغرب من على رأس السلطة المغربية، في صيغة انقلاب ابيض بشرعية صناديق الاقتراع وثنائية الناخبين الكبار والصغار، وهذا الانقلاب الناعم، يكون إيذانا صارخا، بنهاية الإسلام السياسي داخل البلدان العربية وشمال إفريقيا، التي شهدت رياح ربيع الديمقراطية، وعودة قوية للأنظمة السابقة.