اصدر السيد عبد السلام جبلي كتابا جديدا تحت عنوان” أوراق من ساحة المقاومة المغربية”، قدمه شخصيا أمام جمهور من قدماء أصدقائه وأعدائه بالمكتبة الوطنية بالرباط مساء يوم الاثنين12اكتوبر 2015وأبدي قبل كل شئ تحفظا حول استعمال كلمة”المقاومة” التي أفضل بدلا عنها استعمال كلمة ” الفدائيين”

وعبد السلام الجبلي لمن لايعرفه ملأ جزءا من ذاكرة الشباب الثوري المغربي في  سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي لأنه كان ممن يظهر  في صفوف الذين كان ينسب إليهم مشروع قلب نظام حكم العلويين بالمغرب مثل الفقيه محمد البصري وبنسعيد ايت ايدار وعبد الرحمان اليوسفي وعباس ألمسعدي وغير هؤلاء كثير من الثوريين السابقينLes Exe révolutionnaires، كما ملأ ملفات مخابرات الحسن الثاني بالأبحاث والمتابعات  وشغل حيزا من الوثائق السرية لهيأة الإنصاف والمصالحة وخاصة بمدينة مراكش

 وشهدت تقديم كتابه حضور شخصيات من جيله(ولد سنة1929) كانت متشوقة لأن تسمع ماسيقوله عنها، ومن بين هؤلاء كنت أنا  الذي أخذت مغامراته  حيزا من ذاكرة طفولتي بتأثير الحكايات الشعبية والغرائب والمغامرات التي كان يحكيها الشارع المراكشي عندما  كنت تلميذا بمراكش ابتداء من سنة 1969،كانت تلك الحكايات تشبه مغامرات الأفلام السينمائية بالنسبة للشباب الثوري عندئذ،وفعلا كل من سيقرأ قصص مغامرات عبد السلام الجبلي في كتابه المعني هنا سوف يدرك مدى استعداده لمغامرات القتل والهروب وانتحال الشخصيات….

صدرت في أقل من عام قبل الآن مذكرات المحجوب أحرضان(ثلاثة أجزاء بالفرنسية)  ولابد لمن يريد  قراءة الكتب أن يحدد منهجية تناول تلك المذكرات بأن يقارن بين مانشره أحرضان وعبدا لسلام الجبلي وبنسعيد ايت ايدر،والدكتور الخطيب  والطيب بن بوعزة وعبد الله الصنهاجي…وهم من جيل واحد وثقافة وتربية  مختلفين،كان كل واحد منهم يتجاهل دور أمه فيما كتب عن حياته، كان كل شئ منسوبا إلى الأب، وكانوا مختلفين في ظروف العيش فالجبلي” مديني” Citadin مستعرب احترف الصنائع التقليدية بمراكش مثل الخياطة والتجارة والطبخ والطرب الشعبي  والدروشة الدرقاوية وصحبة” الطلبة” والفقهاء..بينما احترف أحرضان التربية العسكرية في الجيش الفرنسي، والتحدث بالفرنسية والزواج من فرنسا وصحبة الضباط وذوي السلطة، وكان بدويا من نواحي الرباط،والدكتور الخطيب طبيب منحدر من الجزائر من سلالة السلطة المخزنية المزدوجة بين المغرب والجزائر ورث بالخصوص عيادة الدكتور الفرنسي دوبواروك بير Dubois Roquebertالطبيب الفرنسي الخاص لمحمد الخامس (ص141من الكتاب) وكان كل منهم يهوى مهنة السلاح والقتل وخدمة السلطان والخوض في شؤن السياسة…ويختلفون  لغويا بينما كان أحرضان مثلا يتكلم الأمازيغية،ويعترف الجبلي قائلا “لاأتقن التحدث باللغة الأمازيغية، ولكي لايلاحظ عني ذلك..سلكت في مستهل جولتي بسوس سلوكا الأبكم”(ص72من الكتاب) وهو يطرح على نفسه مشكلة الأمازيغية في وقت مبكر من حياته سنة1951، وتتميز مذكرة الجبلي بتوجيه النقد وذكر الأخطاء التي نسبها إلى الفقيه البصري وحمان الفطواكي والزرقطوني وبنسعيد وكثير ممن عاشرهم في صفوف الفدائيين  مثل عبد العزيز الماسي ..وتعتبر في نظري نقدا ذاتيا للفدائيين لم يسبق له نظير، سوف يتطلب إعادة النظر في كثير من سير بعض الذين وصفهم ب”الكذب”(ص92من الكتاب مثلا) والتهور…وما أورده عن قتل إبراهيم الروداني والزيراوي من طرف خصومهم في المنظمات السرية(ص133)وما وصفه المهدي بنبركة مثلا بقوله”كان له دور سئ جدا تجاه على محاولة تقويم أود الحزب –يعني حزب الاستقلال-” (ص168)

يمكن القول منهجيا  من خلال قراءة مذكرات الفدائيين المغاربة  استنتاج كونهم دخلوا في مرحلة”

ولعل نقل هذا الكلام عن الخطيب يغير قسما مهما من مذكرات الدكتور الخطيب المتهم هنا برأي “التصفية” كما سيفاجئ من يقتنعون بماكتبه أحرضان في مذكراته عن اغتيال المسعدي…

يمكن القول منهجيا  من خلال قراءة مذكرات الفدائيين المغاربة  استنتاج كونهم دخلوا في مر حلة “حرب المذكرات” بعد أن مروا بمرحلتين سابقتين :1- الفداء المسلح  وشمل جهتين :أولاها ضد فرنسا واسبانيا وثانيتها تصفية بعضهم البعض2- مواصلة الفداء لإسقاط نظام الحكم بعد سنة1956

لن يكون مفيدا بالنسبة لشباب المغرب أن يقرأ ويسمع مغامرات الفدائيين في هذه المرحلة التي  ظهر فيها”الإرهاب الجديد” بالمغرب ابتداء من16ماي 2003،ولكن المفيد في نظري هو معرفة أصول الإرهاب ، ومصادره،وبهذا الصدد أذكران الفدائيين الذين نشروا مذكراتهم وقعوا في تناقض تجاه فرنسا واسبانيا خاصة، فعندما اختار عبد السلام الجبلي اللجوء إلى المنفى لينجو مع زوجته أمنة وأطفاله اختار اسبانيا(ص 189) وعندما أراد الحصول على مصدر العيش اختار فرنسا(ص211) فهل هناك معنى بعد ذلك لقتل الفرنسيين والاسبانيين وعملائهم الموصوفين بالخونة؟ وقضى فترة عمله الفدائي في صفوف حزب الاستقلال واضطر لمغادرة الحزب واصفا إياه بأبشع الأوصاف وانصرف مع المؤسسين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في فاتح يناير1959

وكانت مسألة اللجوء السياسي إلى الخارج مصيدة خطيرة من ثلاث جوانب 1-كان الاتجاه إلى مصر وقوعا في فخ الفكر الانقلابي  لمجموعة جمال عبد الناصر الذين اصطادوا اللاجئين واستقطبوهم للفكر الانقلابي ولإيديولوجية القومية العربية التي لاتجد موقعا لدى الشعب المغربي2-وكان اللجوء إلى سوريا وقوعا في مصيدة حزب البعث الانقلابي في سوريا وهو ما أودى بحياة عباس ألمسعدي الذي انتمى إلى عقائد الناصرية والمهدي بنبركة وكثيرين( اختطاف بنبركة دبر اثناء سفره من القاهرة إلى باريس)3- كان اللجوء السياسي إلى الجزائر(ص197) هو الجذر الأصلي للنزاع بين الحكم الملكي والجمهورية الجزائرية منذسنة1962 إلى اليوم.

 وختاما فان نتيجة قراءة مثل هذه المذكرة من الناحية السيكولوجية والسياسية  هي نكسة نفسية وندم على الانتماء لحزب الاستقلال، وندم على العمل مع النظام الملكي ضد فرنسا واسبانيا ، والتحول إلى تدبير معارضته، أو حتى إلى مشروع الإطاحة به، وندم على  التخطيط للانقلاب ضده وندم على مصاحبة الكثير ممن يسمون فدائيين…