يبدو أن السرعة النهائية لمَراطون تدبير الحكم في المغرب، ماضية في زرع الدبابيس أمام الاطارت، وتوظيف لغة المجاز في التعبير عن واقع الحال بين “مدبّري” الشأن العام. فكلما اقترب موعد الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية من موعده المحدد، كلما زاد مستوى الشحن وارتفعت دقّات قلب السلطة والهيئات السياسية المحورية. فالمستنتَج هذه الأيام هو أن العلاقة داخل دوائر  “الحكم” ليست على ما يرام، بل ربما قد تكون في أسوء حالاتها منذ 20 فبراير 2011. سيما مع الأجواء التي خلّفتها نتائج الانتخابات الأخيرة وما صاحبها من لغة سياسية مباشرة بين الفرقاء الأفقيين، وغير مباشرة بين الفرقاء العموديين. وهكذا نجد أن العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وبين من يسميها “جهات غير معروفة”، لم تعد تحتمل وجود طرفا غير مباشر  يمكن لومه على طريقة “إياك أعني واسمعي يا جارة”، وإنما يبدو أن الأمور بدأت تتوضّح أكثر، وقد تصل في مرحلة معنية – إذا ما استمر مسلسل التعرّض والاعتراض – إلى مرحلة الوضوح الكامل. أما المؤشرات على كون هذه العلاقة دخلت في منعطف قد يخسف بها فهي متعددة نكتفي بسرد بعضها:

فبعد أن حقق حزب العدالة والتنمية نوعا من التقدم على مستوى انتخابات المدن الرئيسية، واستطاع تدبير المدن التي منع منها سنة 2009،  أبَت الجهات التي يطلق عليها السيد ابن كيران “المتحكّمة” إلا أن تفُقِده طعم “الانتصار”، وهزمته في أكثر من محطة سواء في الجهات أو العمالات أو مجلس المستشارين. بل لم يتوقّف الأمر على الهزائم غير المباشرة، وإنما طال “التحكّم” حتى البيت الداخلي لحزب المصباح، وذلك عندما تم “منعه” من تدبير أموره الداخلية بمحض إراداته، وهكذا تفاجأ الرأي العام بأن هناك ما يشبه “الفيتو” على تولي المستشار  عبد العالي حامي الدين مهمة رئيس فريق حزبه داخل الغرفة الثانية. وهي خطوة لها سوابق متعددة في مجال التحكم و”الأوامر النافذة”، خطوة تعيد التذكير بما حدث مع مصطفى الرميد وزير العدل الحالي، عندما تم إجباره على ترك رئاسة فريق حزبه بالغرفة الثانية، والأمر الذي تلقته حركة التوحيد والاصلاح بأنه يجب أن تتخلى عن رئيسها آنذاك “أحمد الريسوني” إن هي رغبت في الاحتفاظ بوجودها القانوني.

هناك مؤشر آخر  من شأنه التدليل على أن العتمة تُسيطر على نفق التواصل داخل دائرة الحكم، هو ما يتعلق بالخطاب الذي افتتح به الملك الدورة التشريعية. 

هناك مؤشر آخر  من شأنه التدليل على أن العتمة تُسيطر على نفق التواصل داخل دائرة الحكم، هو ما يتعلق بالخطاب الذي افتتح به الملك الدورة التشريعية. فما أن تساءل الملك : “لماذا لم يتم إخراج القوانين التنظيمية“، حتى سارع ابن كيران إلى شاشة قناة العربية من أجل الاجابة بما يفيد بأنه محرج من تنزيل هذه القوانين، وكأن الرجل أراد القول: ” “القوانين الأربعة المتبقية ليست مهمتي وحدي، فأنا أخرجت 18 قانونا تنظيميا في 4 سنوات، ولست مسؤولا عن مجلس وصاية ولاية العهد ولا عن السلطة القضائية التي يرأسها الملك، ولا عن قانون الاضراب الذي لم يجرؤ “الحكم”، رغم مرور 60 سنة، على إخراجه….”. وهذه تقريبا المرة الأولى التي يردّ فيها ابن كيران بشكل مباشر على “اللوم” الذي تلقاه من رئيس الدولة. فضلا على أن  ابن كيران أصبح لا يفوّت مناسبة إلا و يعيد تذكير الرأي العام بأنه “لم يأتِ إلا ليساعد الملك”، وكأنه يريد أن يقول بأن “الملكية لا زالت تملك كل الخيوط”، وذلك ردا على الأصوات التي تحاول الايهام بأن “الملك لا يمارس السلطة التنفيذية، وأن رئيس الحكومة هو من يملك مفاتيحها”؛

إذا كانت المؤشرات السابقة من وحي الاستنتاج فإن خطاب ابن كيران الموجه إلى أعضاء حزبه بالبرلمان، لا يترك أي مجال للشك بأن هناك غيمة صيف ضخمة تلبّس الأجواء بين الرجل وبين القصر، قال ابن كيران ضمن ما قال :”أن ما يقع من صراع في المغرب هو حلقة من حلقات الصراع بين تيارين، تيار يؤمن بالإنسان وأنه مخلوق مكرم وأنه يستطيع أن يدبر أموره بنفسه، وبين تيار آخر يؤمن بان الإنسان لا يستحق الحرية وأن يضبط حقه حسب إرادته، لذلك لا بد من التحكم فيه من خلال التحكم في من يمثله بشكل أو بآخر والنيابة عنه في تصريف الأمور واتخاذ القرار وتوزيع الثروة، وفي القيام بكل ما يلزم لضبطه حتى لة تطلب الأمر نوعا من أنواع القمع أو الإغراء أو الشراء أو الإغراء”. …..”الدكتاتورية هي الدكتاتورية، سواء كانت دكتاتورية بنعلي، أو دكتاتورية يتم تزيينها بالماكياج، الدكتاتورية هي الدكتاتورية” …..اسمحوا لي هذه الدولة ليست دولة محمد السادس لوحده، هذه دولة محمد السادس، و دولة كافة الشعب المغربي، وكافة الشعب المغربي عليه أن يدافع على مصالح دولته، هذا هو وعينا وعلينا أن نستمر لأن التحكم هو الخطر”.