أن تخرج كل تلك الحشود وبذلك العدد الضخم إلى شوارع طنجة احتجاجا على غلاء أسعار الماء والكهرباء، وتأكيدا على مطلب رحيل الغول الفرنسي من تدبير هذه المرافق الحيوية من منطقة الشمال، ليس بالأمر العادي، كما أنه ليس بالأمر الهين، فالعدد الذي خرج لأسابيع متتالية وبتلك الأشكال الاحتجاجية الراقية، يوضح بجلاء مدى الاستياء الذي تشعر به الساكنة جراء غلاء الأسعار من جهة، وصمت السلطات الوصية والمنتخبة من جهة ثانية على هذا الاعتداء لمدة طويلة.

ومن خلال تتبعنا عن قرب لهذا الملف الشائك واحتكاكنا المباشر مع بعض من يخرج للاحتجاج ، فلا يبدو أن الاحتجاجات ممكن أن تتوقف في القريب العاجل ما دامت السلطات تعتمد حتى الآن على الحلول التي تبدو في مجملها لها هدف واحد وهو تهدئة الشارع، بدليل أنه وبالرغم من إرسال لجنة قيل أنها ستدرس شكايات الساكنة، ورغم الخرجات الكثيرة للعمدة ونوابه حيث حاولوا من وجهة نظرهم التواصل مع الرأي العام، وياليت ما فعلوا، ورغم تسريب العديد من الأخبار لوسائل إعلام مقربة من السلطة تفيد بأن السيد الوالي سيتدخل شخصيا، ورغم البيانات والبلاغات الصادرة عن مجلس المدينة عشية الاحتجاجات، ومع ذلك خرجت السبت الماضي أضعاف ما خرج في الليالي السابقة .

نفس الشيء يحصل اليوم بعد حضور وفد وزاري على أعلى مستوى بقيادة رئيس الحكومة الذي ترأس لقاء لم يكن في مستوى طموحات الشعار المركزي الذي ترفعه الساكنة المحتجة، واكتفى بما سبق وأن أعلن عنه سابقا، وهو ما كان رد الفعل ساكنة طنجة تجاهه باديا حيث اهتزت مواقع التواصل الاجتماعي منذ تلك ليلة تندد بما أعلن عنه وتطالب بوضع قضية رحيل الشركة على الطاولة وإعطاء الاقتراح المطلب ما يكفي من الأهمية .

ففي تقديري فقضية التدبير المفوض لم تجلب للمغاربة إلا المشاكل شعبيا ورسميا، وأثبت الزمن فشلها، خاصة وأنها تشمل مرافق حيوية تضم الماء والكهرباء، وتطهير السائل، والنقل الحضري ..لذلك اليوم مطلوبا أكثر من أي وقت مضى مراجعة ألية التدبير المفوض، هذا إذا علمنا أن الجهوية الموسعة التي دخلها المغرب ممكن أن تكون “عامل مساعد” في هذا الاتجاه .

أول خطوة يجب الإقدام عليها هي نشر النص الكامل والحقيقي للعقد الذي يجمع الدولة المغربية والشركة الفرنسية، لإتاحة الفرصة لكل المهتمين بالمجال القانوني لإيجاد الثغرات التي يمكن الدخول عبرها لرفع دعوى قضائية في المحاكم الدولية

وأعتقد أن أول خطوة يجب الإقدام عليها هي نشر النص الكامل والحقيقي للعقد الذي يجمع الدولة المغربية والشركة الفرنسية، لإتاحة الفرصة لكل المهتمين بالمجال القانوني لإيجاد الثغرات التي يمكن الدخول عبرها لرفع دعوى قضائية في المحاكم الدولية، كما أنه مطلوب من السلطات الرسمية أن تشكل لجنة قانونية تعطى لها كل الإمكانات وتكون ملزمة بوقت محدد لتقديم وجهة نظرها في الموضوع .

أما بالنسبة للشرط الجزائي الذي في كل مرة يخوفوننا به، فحشود الجماهير لا تخاطب الجماعة الحضرية، فهي تعي جيدا أن الأمر يتجاوزها، لذلك كان واضحا مخاطبتها للدولة وتوجيهها رسائل خاصة للملك وتطالبه بالتدخل، ثم ماذا يمثل الرقم المعلن بالنسبة للدولة المغربية، فالمليارات من الدراهم خرجت من صندوق الدولة في اتجاهات متعددة لا تمثل أولويات المغاربة، وكان يمكن تجاوز بعضها، ثم عندما تقدم الدولة المغربية آلاف الملايير كهدية لصندوق الماء والكهرباء، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وغيرها من المؤسسات التي تلقت الملايير دون إخضاعها للمساءلة، فيمكنها أيضا أن تحرر هذا القطاع، أما كيف فهذا نقاش يجب أن يفتح رسميا وشعبيا، لالتقاط أهم المقترحات التي ستتعزز مع الأخذ والرد .

في انتظار هذه الخطوة ، لا بد من فتح ملف الخروقات المتراكمة والتي تضاعفت مؤخرا وأصبحت بادية لكل مهتم، ولا بد من توثيقها وتعضيضها بما جرى خلال الشهور الأخيرة، وبالتالي مخاطبة الشركة الفرنسية على هذا الأساس، ثم إذا كان رئيس الحكومة تحدث عن معالجة أزيد من 8000 ألف فاتورة في لقاء الفتنة، فهذا معناه أن الخروقات كبيرة، والسؤال المطروح لماذا لم يتم معاقبة ومحاسبة هذا الأخطبوط المسمى “أمانديس”؟ ألم تكن كل هاته الخروقات كافية للوصول لمرحلة المعاقبة والمساءلة ؟

ففي تقديرنا فهذه الشركة راكمت ما يكفي طوال سنوات، لدرجة أنها أحدثت شرخا في نفوس الساكنة، ولم تعد اليوم تتحمل إمكانية استمرارها أكثر من هذا الوقت، وعلى السلطات الماسكة بزمام الأمور أن تعي هذا جيدا، وتقدر حقيقة موقف كل هاته الحشود العارمة، وتقدر حقيقة أن مصلحة المغرب في الانصات لنبض الشارع وليس إلى مصالح شركة أصبحت مرفوضة في معظم الدول المتواجدة فيها حتى لدى الدولة التي تحمل جنسيتها، من هذا المنطلق لتضع الدولة مطلب الجماهير على الطاولة، فرحيل الشركة أصبح على ما يبدو من استقرار بلدنا، فرحيل أمانديس ومحاسبة المتورطين أصبح شعار مركزي، فهل تفعلها الدولة وتستجيب ؟