
محنة حسام بهجت أم السيسي؟
في عام 2004 كتبت مقالا بعنوان: “الأيام ماقبل الأخيرة للخديوي”. ودفعته للنشر في أسبوعية “العربي” المطبوعة المعارضة والتي كانت تصدر من القاهرة. وكان المقال يتضمن اسقاطا واضحا على الرئيس حسني مبارك ورصدا لملامح الوهن والتحلل في نظامه.وأيضا تشبيها صريحا له بحكام مصر من غير أهل البلد في نهاية زمن الولاية العثمانية ومع تغلغل النفوذ الإستعماري فالاحتلال البريطاني المباشر الذي دام سبعين عاما. وربما صدق توقع المقال في النهاية بذهاب مبارك.لكن بعدها بنحو سبعة سنوات، وإن لم يرحل نظامه بعد. وهكذا يتضح أن الأيام مصطلح مجازي وان هكذا أيام قد تمتد الى سنوات.
آراء أخرى
ولقد ألح على هذا المقال وعنوانه الآن. وببساطة وصلت الى قناعة بأن الرئيس المشير عبد الفتاح السيسي راحل راحل وأنه بسبيله الى السقوط وأننا نشهد أيامه قبل الأخيرة. فالرجل الذي جاء الى السلطة على ظهر دبابة وفي سياق مذابح واستقطاب مجتمعي حاد استئصالي سرعان ما انكشف حدود الرهان عليه وأمام مواطنيه. فالفشل يزحف من كافة الاتجاهات. وسرعان ما أدرك العديد من المصريين أن من تقدم اليهم او قدموه اليهم بوصفه ” المنقذ” يستحق بإمتياز لقب ” المغرق”. بضم حرف الغين وكسر الراء. سريعا ما تبددت دعايته عن مشروع قناة السويس الجديدة (في الحقيقة ليست الا تفريعة جديدة بعد تفريعات عدة). وانخفضت ايرادات القناة في الأشهر الثلاثة الماضية.وانداح المشروع القومي الأكبر للجنرال كفقاعة وهم في دوامات من انخفاض خطير في سعر الجنيه المصري أمام العملات الأجنبيه. و خسر مواطنوه المغررون من ضحايا الإعلام التعبوي الأحادي الاتجاه قيمة مدخراتهم التي دفعوها ( 64 مليار جنيها ) لتمويل المشروع تحت شعارات ” الوطنية ” الزائفة، ولكن بالأصل بدوافع جني نسبة أعلى من الأرباح. وهكذا يتقوض نفوذ الرجل بين طبقة وسطى أخافها انعدام الأمن وشبح الدولة الدينية. وعلى جبهة السياسة سدد العزوف عن المشاركة في انتخابات البرلمان الجديد ضربة لايستهان بها لشرعية نظام السيسي.وأثبت من دون أي مواربة أن الناس عادت للتعامل مع الانتخابات العامة كما كان عليه الحال في عهد أسلافه العسكريين ،نهاية بمبارك. وهو تعامل عنوانه المختصر المفيد :” دعهم يزورون.. فالأمر لا يخصنا”.
والى هنا ظل حلفاء السيسي الخارجين يغضون الطرف عن حالة غير مسبوقة من انتهاكات حقوق الانسان في مصر وتجاه استمرار تفاقم الفساد وسوء الادارة وسيطرة نمط متوحش من رأسمالية المحاسيب. هكذا هو حال الحلفاء طالما يقول الرجل انه يحارب الإرهاب. لكن الأسابيع القليلة الماضية جاءت بالأسوأ بالنسبة “للجنرال المنقذ”. فقد اتضح ايضا ان الرجل فاشل حتى في محاربة الإرهاب. ولا يتعلق الأمر فقط باستمرار مد حالة الطوارئ وحظر التجول على أجزاء من شبه جزيرة سيناء دون ان يتمكن من حسم معركة تبدو بلانهاية مع الجماعات الارهابية. بل وجاء تحطم الطائرة المدنية الروسية ومصرع 224 إنسانا برسالة واضحة للحلفاء الدوليين ,وهي أن ” مستر أمن ” فشل. وأيضا انه لا يمكنه ان يحفظ منتجعات شرم الشيخ السياحية ذات السمعة العالمية آمنة للأجانب فيما اخفق في حربه ضد الارهاب بشمال سيناء.
يستطيع السيسي ان يقول لنا عبر محنة حسام بهجت ان بامكانه حبس أي صحفي أو مواطن ومحاكمته على نشر معلومة او ابداء رأي محاكمة غير عادلة. لكنه لايمكنه أبدا ان يخفي انها محنته هو، وانه يخط نهايته هو وبنفسه.
والحقيقة أن الحكومات وأجهزة الاستخبارات ولوبيات المصالح في بيع السلاح ـ بما في ذلك أدوات قمع المظاهرات السلمية ـ أصبحت مكشوفة أمام وسائل الاعلام والمجتمع المدني والمواطنين في الغرب.وما يتسرب الآن عن تقصير وراء اسقاط الطائرة الروسية يطرح بقوة السؤال عن الثمن الفادح الذي يدفعه وسيدفعه لا المصريين وحدهم جراء دعم الغرب نظام لم يتخلص بعد من الفساد والرشوة وسوء الإدارة ويقوم على تولي المحاسيب وضباط الشرطة و الجيش من دون كفاءة وعلى قاعدة “أهل الثقة أولى من أهل الخبرة ” المناصب القيادية ومواقع المسئولية في الحياة المدنية بما في ذلك مطار شرم الشيخ. ولعل تفاصيل مصرع السائحين الروس في شرقي مصر بعد السائحين المكسيكيين في غربي البلاد يفتح أبواب التساؤل حول حقيقة ان المصريين وحدهم هم من يدفعوا عواقب انتصار الثورة المضادة على هذا النحو المتوحش في مصر وافشال أي فرص للتغيير والاصلاح. والرسالة الأخطر هنا هي انه بل سيدفع الثمن ايضا ومن حياتهم وسلامتهم أناس آخرون أبرياء هناك أصبحوا عرضة لأن يقف ذووهم ليصيحوا في وجه حكوماتهم ورجال أعمالهم ومخابراتهم الذي يمنحون الدعم لهكذا نظام.
ولعل ما يلخص ببساطة حالة انكسار أمل التغيير في مصر وعواقبها ليس على المصريين فقط ما رواه غير سائق حملني من مطار القاهرة الى منزلي في أكثر من مناسبة بعد ثورة 25 يناير 2011. في البداية كان السائقون يتحدثون عن قدر من التغيير في تعامل الشرطة معهم وأنهم اقلعوا عن تلقي الرشاوى والإتاوات كي يسمحوا لهم بالدخول الي منطقة المطار والتقاط الركاب. ولاحقا عادت الشكاوى من السائقين أنفسهم من عودة الاتاوات والرشاوى بصورة أكثر فجاجة وتبجحا.
شواهد أنها الأيام ماقبل الاخيرة أو الأخيرة أضيف اليها ان السيسي يتعثر في أكثر من أزمة مع حلفائه. لا في الولايات المتحدة وأوروبا. بل وعلى المستوى الإقليمي العربي. هذا باستثناء اسرائيل التي قدم اليها لأول مرة في تاريخ مصر دعما في التصويت أمام الأمم المتحدة. وهو دعم علني لم يجرؤ عليه حتى السادات أو حسني مبارك. فلم يعد خافيا ان الرجل لديه مشكلة مع السعودية أحد أهم الداعمين الرئسيين لنظامه بالمال والسياسة. ولقد أصبح المصريون يعرفون ان الرياض اغلقت صنابير الأموال على الرجل وحاشيته. وأصبحت المسافة تتباعد بين منطق يحكم القاهرة يقوم على استئصال الإخوان من أي عملية سياسية لا في مصر بل في المنطقة بأسرها وبين سياسة سعودية ترى أولوية الخطر الإيراني وتتحالف مع الإخوان وتعبيراتهم في اليمن بعد سورية.
ولعل إحساس السيسي بالحصار يدفعه الآن الى ارتكاب المزيد من الأخطاء.بل وبأن يطلق النار أكثر من مرة على قدميه. وفي هذا السياق يمكن ان نفهم القبض على أكثر من رجل أعمال مؤخرا. وبخاصة الطريقة المذلة والمهينة في القبض على أحد رموز رأسمالية المحاسيب وصاحب جريدة ” المصري اليوم ” رجل الأعمال صلاح دياب ونجله. صحيح ان ما جرى مع آل دياب سرعان ما أسفر عن تضييق هامش حرية نشر المقالات في هذه الجريدة. لكن المهم ايضا ان نرصد هذا المناخ المتنامي من الخوف والاستياء بين أوساط البزنيس الحليفة لنظام السيسي والثورة المضادة.
نعم هذه هي الأيام الاخيرة أو قبل الأخيرة للسيسي. لقد سقط وسيرحل حتما. لكن لا أحد يمكنه التكهن: هل في الغد أو الأسبوع القادم أو في شهور أو حتى سنوات معدودة مقبلة؟. ولأن مخاض النهايات يحتمل الكثير من الآلام فان مصر على حافة مزيد من المعاناة والقمع. وحرية التعبير والصحافة تتلقي المزيد من الضربات. ولم يكن صدفة أن يعبر السيسي قبل نحو أسبوع عن ضيقه بإعلام في مجمله ملتزم بدعمه. فالرجل لا يحتمل أي نقد أو بالأحرى أي تأييد بلغه لايفهما تكوينه العسكري وثقافته المحدودة. ولذا فان اعتقال الحقوقي والصحفي الشجاع حسام بهجت في هذا التوقيت ومحاكمته عسكريا على تحقيق متميز في موقع “صدي البلد” الالكتروني يتعلق بنبأ تداولته وسائل إعلام اجنبيه بما في ذلك ” بي بي سي ” عن ادعاءات بمحاولة انقلاب منذ اكثر من عام كامل لهو حدث يعبر عن محنة السيسي هذه ويلخصها.
ويستطيع السيسي ان يقول لنا عبر محنة حسام بهجت ان بامكانه حبس أي صحفي أو مواطن ومحاكمته على نشر معلومة او ابداء رأي محاكمة غير عادلة. لكنه لايمكنه أبدا ان يخفي انها محنته هو، وانه يخط نهايته هو وبنفسه. وهذا مع كل التضامن مع بهجت وعشرات الصحفيين والمواطنين الأحرار في سجون نظام الثورة المضادة أمس واليوم وغدا.
في عام 2004 نشرت ” العربي ” المقال بعدما حذفت من العنوان كلمة ” الخديوي”. لكن الآن في عام 2015 لاتوجد صحيفة مطبوعة واحدة معارضة في مصر يمكنني ان أنشر بها هذا المقال. ولأنه ببساطة لم تعد هناك صحيفة واحدة معارضة. وحتى هوامش ابداء الرأي المحدودة والمنزوية بدأت تطفئ انوارها. وكل ما يتمناه المرء ألا تطول معاناتنا كمواطنين مصريين ومعنا المزيد من الآدمين الذين قد يسوقهم القدر الينا في بلادنا.
حقا.. لانحتاج الى سبع سنوات أخرى عجاف دامية كي يرحل.