عندما أهدي إلي كتاب “أبناء الغيمة : الصحراء الإسبانية من 1958إلى الإنهيار HIJOS DE LA NUBE : EL SAHARA ESPAÑOL DESDE 1958 HASTA LA DEBACLE ” ظننت أن الأمر يتعلق بتلك الكتب التكرارية التي تعيد إنتاج نفسها حول موضوع الصحراء زمن الإستعمار الإسباني, ولكن عندما قرأته وجدت نفسي أمام بحث أكاديمي جاد ثمرة مجهود جبار قامت به كاتبته الأستاذة الجامعية كلاودية بارونا CLAUDIA BARONA  معتمدتا علي الأرشيف الرسمي الإسباني المتعلق بالصحراء المعروف بإسم FONDO DOCUMENTAL DEL SAHARA   و كذا  على حوارات أجرتها على مدى خمس سنوات مع شخصيات إسبانية و صحراوية ذات علاقة مباشرة بالموضوع , ومن أبرزها أخر كاتب عام للحكومة الإسبانية في الصحراء لويس رودريكز بيكوري LUIS RODRIGUEZ VIGURI الذي أمدها بأرشيفه الخاص .

   الكتاب, الصادر عن دار النشر LANGRE  , يستعرض معلومات كثيرة  و تفاصيل دقيقة مدعومة بأرقام و تقارير للإستخبارات الإسبانية  توثق لمرحلة  الإستعمار الإسباني للصحراء في جميع المجالات . لكن ما أثار إهتمامي هو ذلك التدافع السياسي الصحراوي في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي أي المرحلة التي بدأ فيها الصحراويون بالتفكير بمستقبلهم السياسي بشكل جدي نظرا لخطورة المرحلة ودخول دول الجوار على الخط . فبعد تنامي الغضب الشعبي الصحراوي على سوء الوضعية الإجتماعية و قلة فرص العمل في صفوف الشباب  و التدبير السيئ لمجلس “الجماعة” LA ASAMBLEA GENERAL  و هو هيئة منتخبة أنشأها الإستعمار الإسباني للمساعدة في تسيير شؤون  الإقليم  والمتكونة من أعيان و شيوخ القبائل  بالإضافة إلى ممثلي الحكومة الإسبانية , تم إنشاء أول تنظيم سري صحراوي عرف بإسم المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء الذي تلقى دعما ماديا من طرف التجار الصحراويون,  ليخرج للعلن عبر تنظيمه أول مظاهرة سلمية تطالب برحيل الإستعمار بتاريخ 17.06.1970 تم قعمها بعنف شديد من طرف قوات الأمن الإسبانية و إختطاف مؤسسها محمد سيدي إبراهيم بصيري الذي لايزال مجهول المصير. فبدأت مرحلة التباعد بين الصحراويين و الإسبان و تزايد الحس القومي وفتح نقاش داخلي  و بروز فكرسياسي معاصر يتجاوز الفكر القبلي الذي كان سائد من قبل . ثلاث سنوات بعد ذلك تم تأسيس جبهة البوليساريو المدعومة من طرف الجزائر و التي تعتبر نفسها إمتداد للتنظيم السابق حيث ضمت ضمن صفوفها أعضاء مبحوث عنهم من طرف الأمن الإسباني على خلفية المشاركة في تلك المظاهرة و كذا شباب متعلم من أصول صحراوية قادم من جنوب المغرب و من شمال موريتانيا . فقد نجحت الجبهة في تأطير فئات عريضة  وتكثيف الدعاية السياسية وسط التلاميذ و الطلبة الصحراويين في الجامعات الإسبانية . كل هذا  بتوازي مع العمليات العسكرية التي كانت تشنها ضد القواة الإسبانية  إنطلاقا من مخيمات  متفرقة منتشرة على الحدود مع الجزائر و مع موريتانيا كانت بمثابة قواعد عملياتية لها. إنزعاج الحكومة الإسبانية من التنظيم السياسي و العسكري الجديد دفعها إلى التفكير في طريقة  توقف بها  تمدد البوليساريو داخل المجتمع الصحراوي فقررت إنشاء حزب الإتحاد الوطني الصحراوي المعروف إختصار بالبونس PUNS  , و الذي نجح في أشهره الأولى في حشد جموع لابأس بها في مهرجانات خطابية في المدن الصحراوية كان فيها رئيس الحزب , خليهن ولد الرشيد , يقول للصحراوين  أن إستقلال الصحراء لن يتم بدون مساعدة إسبانيا . فاشتد السجال السياسي بين البوليساريو التي كانت تطالب بخروج إسبانيا فورا و حزب البونس الذي يدافع عن تصفية أستعمار تحت سيطرة مدريد التي كانت  تخطط أن تفعل مع خليهن ما فعلته فرنسا مع ولد داداه في موريتانيا  أي إقامة دولة برأسة خليهن تضمن مصالحها السياسية و الإقتصادية. و في خضم هذا الصراع إنضافت الى المشهد السياسي حركة 21 غشت أو ما يعرف بجبهة التحرير الموحدة FLU التي كانت تدافع عن المطالب المغربية بالسيادة على الصحراء  و التي كانت تدار من مقر المخبارات العسكرية المغربية “deuxiéme bureau” المتواجد في مدينة الطنطان حيث كانت المملكة المغربية تخطط أن تحول ال FLU  الى نسخة ثانية لجيش التحرير فإندلع التدافع السياسي بين الفصائل الصحراوية و كانت تغذيه وسائل الإعلام و خصوصا الإذاعات , حيث كانت إذاعة الجزائر تنشر دعاية البوليساريو و إذاعة الصحراء الإسبانية التي كانت تبث من مدينة العيون و التي كانت تدعم حزب PUNS  ثم إذاعة طرفاية الموالية للمغرب , بالإضافة الى إذاعة BBC ARABIC  البريطانية التي إزداد إهتمامها بقضية الصحراء و كانت ملاذ  للصحراويين الباحثين عن الأخبار الموضوعية بخصوص تطورات الأحداث المتسارعة.أما بخصوص الصحافة المكتوبة تم بروز جريدة إسبانية محلية تحمل إسم LA REALIDAD  التي كان خط تحريرها قريبا نوعا ما من مطالب البوليساريو . كل هذا الصراع الداخلي  كان يجري  بتوازي مع صراع إسباني داخلي بين تيار وزارة الخارجية الذي كان يرى الحل في خروج إسبانية في أقرب وقت مع تمكين الصحراويين من تقرير المصير و تيار رئاسة الحكومة في مدرير الذي كان يريد البقاء في الإقليم أكبر وقت ممكن ثم تصفية إستعمار تضمن مصالح المملكة الإبيرية  . و من جهة أخرى تصاعدت مطالب المغرب و موريتانيا بالسيادة على الصحراء بدعوة الحقوق التارخية فتحول الإقليم الى ساحة صراع سياسي عقد أمكانية وجود مخرج سلمي للأزمة  فآلت الأمور إلى ماهي عليه الآن.

  بعد أربعين سنة من خروج إسبانية من الإقليم  لازال الصحراوييون لم يحسموا  في ذلك السجال السياسي الذي بدؤوه في المنتصف الأول من سبعينيات القرن الماضي .