يعتبر الشيخ محي الدين بن عربي من الشخصيات الصوفية والفلسفية الكبرى التي اختلف فيها العلماء اختلافا شديدا منذ أواسط القرن الخامس الهجري إلى حدود عصرنا الحالي، فسالت مدادا كثيرة حول فكره وعلمه وعرفانه وفلسفته، فمنهم من شيطنه وكفره ومنهم من جعله في مصاف الأنبياء والأولياء.  فكرة مذهب ابن عربي في وحدة الوجود تقوم على إنكاره العالم الظاهر الذي نعيش فيه ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق والمخلوقات هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق. 

وبناءً على هذه الفكرة فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم بل مجرد فيض وتجليّ ، وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء وقدر ولا عن حرية أو إرادة ومن ثم لا مسؤولية ولا محاسبة ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النوع.

فهل ثمة علاقة بين بنكيران وهذا التصور لإبن عربي؟ أم أنه مجرد سخرية لغوية تحاول تقريب جبل من المعارف والعلوم بحبة رمل فوق صفوان تهددها قطرة من ماء فتزيحها من مكانها فتصبح في خبر كان

هدفنا هنا ليس المقارنة،  لأنه ليست هناك مقارنة لكن من قبيل القياس في موضوع “وحدة الوجود” والإعتقاد المطلق بها من طرف الرجلين في اللفظ على الأقل.  بنكيران طبعا لا يؤمن بما يؤمن به بن عربي وهو أن الله هو الحق الموجود وما سواه هو تجلي للموجود الذي هو الله، إنها صورة مصغرة  فقط تروم تقريب “وحدة الوجود”  بنكيران الذي يؤمن كما يبدو من خطاباته بأن ما سوى المخزن والدولة لا وجود له وإن حشد الناس وطالَب وصاح، وإنهم مجرد عدم في عدم. بنكيران بمذهبه وتصوره هذا جلب عليه سيل من الردود وتكلم فيه الناس جميعا منذ توليه خدمة صاحب الجلالة كرئيس حكومة ،  فاختلف فيه الناس فمنهم شكك في خطابه المؤسس على محاربة الفساد،  ولا شك أنه صادق في محاربته له،  ولكن السؤال الفلسفي ما نوع الفساد الذي يريد محاربته. ومنهم من يؤمن بما جاء به حرفيا رغم العثرات والفجرات المتتالية.

تصور رئيس الحكومة في “وحدة الوجود”  أي وجود المخزن أو الدولة العميقة  ينبه المتتبع أن المواطن العادي أو المعارض الحقيقي في الحقيقة لا رأي له ما دام وجوده يلزمه بان يكون ظلا للوجود الحقيقي الذي هو المخزن،  قياسا على مذهب بن عربي الذي لا يؤمن بالخلق ما دام فقط تجلي وظل الله في الارض.

ومنه فإن الفساد لا وجود له،  إذا ثم قبول هذا الطرح ، لأن الفساد لا يمكن ان يصدر من الوجود الحق الذي هو المخزن والذي يمكن ان يصدره هو من يعارض بعض ما جاء به المخزن،  وبالتالي ان المواطن العادي يمثل العدم واللاشئ،  لأنه خيال فقط،  اما المعارض للوجود الحق هو الفساد بعينه الذي يعطي الضوء الاخضر لكل المؤمنين بوحدة الوجود لمحاربته ومطاردته والتحذير منه بشتى الوسائل . وما هذا الفساد إلا السواد الأعظم حقيقة وليس مجازا.

المؤمنون بوحدة الوجود ما هم إلا المخزن وآله وصحبه وإخوانه وحزبه،  والذين يؤمنون بذلك هم الذين اختلفوا في الشيخ بنكيران وما زالوا مختلفين فيه  كالأحزاب المتنافسة و الشعب الذي لا زال لم يستسغ هذا المذهب الجديد.

الفكرة إذا في نظر صاحب هذا التصور هو أن الوطن الجميل والاستقرار المراد به هو النتيجة التي يفضي إليها مذهب “وحدة الوجود”  من حيث هو الكل في الكل وعين الحق من حيث هو مجلى في هذا الوطن. اما الإنكار والرفض ل”وحدة الوجود”  بنكيران ما هو إلا فساد وقبح وقلة حياء الذي يجب استصلاحه من طرف الحق الذي يمثله المخزن. الظل والتجلي يجب أن يديم شكره وطلب الزلفى تمسكنا وتذللا ولما لا  حتى صلاة كل يوم كما امر بذلك في كندا أحد المحبين وزير النقل واللوجستيك الذي وصل إلى مقام الفناء  في حبه للوجود الحق الذي ندندن حوله.