ماذا كانت تربي أمك؟

قد نتفاعل مع هذا السؤال بآلاف الأجوبة البديهية وبشكل عاد. لماذا؟ لأن كل الأمهات مربيات.

والدتي على سبيل المثال، وكذلك جدتي، كانتا تربيان البقر، في إحدى الواحات الجميلة غير بعيد عن ضفاف درعة بإقليم طاطا. لقد أحسنتا تربية البقر وأحسنتا للبقر كما أحستنا تربية البنات والأبناء على فضيلة الإحسان، عموما، للبشر وكذلك البقر.

شخصيا، عشت هذه التجربة وأنا أناقش سياسة المهرجانات بالمغرب على إحدى القنوات الدولية قبل أن يرد علي عزيز الداكي، المدير الفني لمهرجان موازين، بالقول: رشيد البلغيتي، كانت كاتعرفك غير أمك وخالتك!ماذا لو كنت في نقاش داخل فضاء عمومي فأقحم شخص ما والدتك دون أن تكون لها علاقة مباشرة بالنقاش؟

الإحساس الذي تملكني حينه كان عبارة عن غضب وحنق شديدين سرعان ما هذبهما إحساس بالشفقة على هذا الماثل أمامي والذي يستدعي الأم كسٌبة أو شتيمة. يا إلهي، ما أغبى هذا الذي يستعمل الأم عنوانا للإهانة!

دعونا نبحث في السبب الذي يدفع بصحافي أو فاعل سياسي، أو رجل بشكل عام، الى التفوه بكلام مسيء للأم كي يمزق رجولة الخصم ويمرغ كرامته في الأرض

لكن، دعونا نبحث في السبب الذي يدفع بصحافي أو فاعل سياسي، أو رجل بشكل عام، الى التفوه بكلام مسيء للأم كي يمزق رجولة الخصم ويمرغ كرامته في الأرض. دعونا نفهم سبب كتابة ذكر لمقال يحمل عنوان “ماذا بعد وصول ابن مربية الدجاج الى قيادة البام؟” بدل “ماذا بعد وصول إبن فقيه القرية الى قيادة البام؟”، مثلا !

التفسير معقد وبسيط في آن. بسيط ومعقد لأن خلف المداد ثقافة وتكوين مثقلين بأغلال الأبوية البيولوجية والأيديولوجية. هذه الأغلال تحتاج الى مفاتيح المقاربات النفسية والأنتروبولوجية قصد الفهم وتخفيف الأَسْرِ من سلاسل التخلف، غير أن المجال لا يتسع لإستعمال المفاتيح، لأني لا ادعي التخصص في المجال، كما أن مساحات مقالات الرأي لا تتسع لهكذا تفسير، غير أني سأكتفي بالنظر الى الموضوع  من زاوية اجتماعية ثقافية، كما يراها هشام شرابي الذي يعتبر أن المقاربة الأبوية تذهب إلى أن العنف ضد المرأة، وربط فاعل سياسي بوالدته دون موجب حق، عنف رمزي، يرجع بالأساس إلى النظام الأبوي الذي يقوم على هيمنة الذكر الممثل في صورة الأب، رب الأسرة، الواسع النفوذ والسلطة من جهة.

إن الصحافيين، وككل الناس، كانوا صبيانا وكونوا هويتهم كرجال بالاستناد إلى صورة آبائهم النفسية التي يراها منعكسة في سلوك الذكور البالغين المحيطين بهم وهذا هو ما يجعل الفرد الذكر، في نظر شرابي، ينمو في مجتمعنا قضيبيا، ينزع في شخصيته إلى حب البروز والسيطرة ويحتقر المرأة، ويميل إلى إذلال من هم أضعف منه. وتتجسد هذه الشخصية القضيبية المصنوعة من طرف المجتمع، في أشكال ونسب مختلفة من العدوانية والشراسة وتتميز باعتزازها بذاتها، ويجد صاحبها لذته في إبراز أناه والدفاع عن سمعته وفرض نفسه على الآخرين.

هنيئا لنا جميعا بالاهانات المتكررة للمرأة. هنيئا لنا بهذا الذي مس الممارسة الصحافية بالمغرب وجعلها تقذف الى “الضدس” جنسا جديدا إسمه الصحافة القضيبية.

صحافة تحتقر حواء.

حواء آكلة الثمر من شجرة الآثام. حواء مربية الدجاج، صاحبة الذنب الأزلي التي حاكمها آدم الصحافة المغربية، من جديد، على تفاحة الخطيئة التي تلذذنا بأكلها جميعا.