جمعتني منذ بضعة أشهر مكالمة هاتفية مطولة مع السيد عبد العالي حامي الدين رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان والقيادي بحزب العدالة والتنمية الذي أصبح مستشارا برلمانيا خلال الانتخابات الأخيرة، ومن الأمور التي أثرتها معه في تلك المكالمة سياق وظروف الاحتجاجات القوية لمؤسسين وأعضاء من المكتب التنفيذي للمنتدى الذين أصدروا وثيقة شديدة اللهجة واللغة يتهمون فيها الرئيس حامي الدين من بين ما يتهمونه فيها “الاستفراد بالقرارات ومحاولة جعل المنتدى الحقوقي كملحقة لحزب العدالة والتنمية”، وطالبوه فيها بعقد جمع عام استثنائي تناقش فيه القضايا التي يطرحونها، ومنها إعادة المنتدى لسيرته الأولى التي كان يجمع فيها معظم الطيف الحقوقي المحسوب على الإسلاميين .

وأكد حامي الدين في تلك المكالمة أنه لن يترشح لرئاسة المنتدى خلال الجمع العام الوطني القادم، وذهب أبعد من هذا عندما قال لي إنه إذا وجد من يتحمل مسؤولية الرئاسة الآن وفي هذا الوقت يتنازل ويسلمها له، بسبب التزامات ومشاغل أخرى لم تعد تترك له الفرصة للعمل داخل المنتدى، لتكون المفاجأة أن حامي الدين ترشح وفاز برئاسة المنتدى في الجمع الوطني الأخير الذي انعقد يومي 17 و 18 يناير الجاري، رغم أنه سبق وأن أضاف قبيل الجمع العام مسؤوليات جديدة خاصة عندما تم انتخابه كعضو بالغرفة الثانية التي انتقدها بشدة أيام الكلام، حامي الدين لم يكتفي بالعودة القوية بعد أن كان يدعي أنه سينسحب بل إنه أقصى كل المعارضين والمخالفين له وبدون استثناء من الحضور إلى الجمع العام الوطني بما في ذلك قيادات وأعضاء من المؤسسة التنفيذية للمنتدى والعشرات من الأعضاء بمختلف المدن المغربية لم يعرفوا بتاريخ ومكان الجمع الوطني إلا من خلال وسائل الإعلام، وحتى أولئك الذين ينتمون لحزبه الذي يقود الحكومة، وهو سلوك لم نعهده إلا في الإطارات المبنية على شخصية واحدة ووحيدة ممن يعتقدون أن الإطار أو الجمعية ورثها عن أجداده .

أسوق هاته المعطيات ليعرف المتتبع المنحى الذي أخذه هذا المنتدى الحقوقي الذي انطلق سنة 2005 بقاعدة عريضة تضم مختلف التيارات والشخصيات والتنظيمات الإسلامية وبحماس غير معهود، ولم تعرف الانطلاقة سيطرة هذا التيار أو ذاك، أو نهج سلوك اقصائي يعتمد على تهميش المخالف في الرأي .. بل التوافق والتعاون والوئام .. ، واحترام الأصوب والأجود، هو الذي كان سائدا رغم التبرم الذي أبداه البعض من العمل المشترك مع تيار حزب العدالة والتنمية، ليظهر أن هذه التخوفات كانت في محلها، لنجد اليوم منتدى الكرامة لحقوق الإنسان وقد أصبح تنظيما موازيا لحزب حامي الدين عبد العالي، بشهادة مختلف المتتبعين والمراقبين والفاعلين الذين تغيرت نظرتهم لهذا الإطار وللشخصيات الجديدة التي أصبحت تقوده .

بعد مرور أول ولاية انتخابية للمنتدى، بدأت الانسحابات، للأسف كانت بشكل غير معلن، وبشكل فردي في البداية قبل أن تتحول إلى انسحاب بالعشرات، ومن الرموز التي انسحبت تباعا منذ تولي الرميد مصطفى وزير العدل والحريات الحالي رئاسة “منتدى الكرامة” إلى اليوم مع رئاسة حامي الدين، نجد في المقدمة: محمد الأمين الركالة، عبد الرحيم شهبي، مصطفى الحسناوي، محمد حقيقي، عبد المالك زعزاع، عبد الحميد أبكريم، جميلة المصدر ، خليل الادريسي، الحسين إهناش.. والائحة طويلة، وكل هؤلاء قادة ومعظمهم كانوا أعضاء في المكاتب التنفيذية المتعاقبة .

السياق الذي يعيشه المغرب تحكم في عملية “إلحاق” المنتدى الحقوقي الذي كان مزعجا في مواقفه وتحركاته ونضالاته قبل زهاء 5 سنوات، قبل أن يتوارى إلى الخلف ويتحول إلى نضال البيانات والبلاغات، يظهر لكل متفحص تحكم الجانب السياسي فيها وفي مضامينها، عضضها أكثر وعلى ما يبدو الطموح السياسي لرئيسه عبد العالي حامي الدين الذي أصبح يتطلع إلى المناصب السياسية الرسمية

وعلى ما يبدو فإن السياق الذي يعيشه المغرب تحكم في عملية “إلحاق” المنتدى الحقوقي الذي كان مزعجا في مواقفه وتحركاته ونضالاته قبل زهاء 5 سنوات، قبل أن يتوارى إلى الخلف ويتحول إلى نضال البيانات والبلاغات، يظهر لكل متفحص تحكم الجانب السياسي فيها وفي مضامينها، عضضها أكثر وعلى ما يبدو الطموح السياسي لرئيسه عبد العالي حامي الدين الذي أصبح يتطلع إلى المناصب السياسية الرسمية خلال الولاية الحكومية القادمة بدأها بانتخابه عضوا بالغرفة الثانية للبرلمان وهي الغرفة التي طالما انتقدها وبشدة في مواقفه الأكاديمية واعتبرها خارج السياق الدستوري، قبل أن يدور الزمان ويصبح عضوا بارزا فيها مناضلا من داخلها ومن أروقتها وكراسيها الوثيرة .

وفي تقديري ما جعل السيد عبد العالي حامي الدين يقدم رسميا على خطوة “إلحاق” منتدى الكرامة لحقوق الإنسان بحزب العدالة والتنمية، وشجعه أكثر، هو الطريقة التي نهجتها الأسماء الغاضبة والمحتجة التي اكتفت بإبلاغ الرأي العام بما يجري داخل المنتدى، في الوقت الذي كان فيه عبد العالي حامي الدين يحضر عمليا للجمع العام بطريقته الخاصة، وما يثير للشفقة أكثر هو أن بعض الغاضبين كانوا يعقدون آمالا عريضة على إمكانية عودة المنتدى إلى رشده وتصحيح المسار، والاستماع إلى الأسماء الغاضبة، وعقد مؤتمر استثنائي وبالتالي إحداث مصالحة مع كل مكونات المنتدى الحقوقي الذي قيل أنه إسلامي، لكن حامي الدين كانت له رؤية أخرى، اعتبرها مناسبة للتخلص من كل هؤلاء المزعجين المخالفين على المستويين السياسي والاجتهادي، وفرصة لا تعوض لوضع “منتدى الكرامة” على يمين “البيجيدي” كدراع حقوقي ضمن أدرع أخرى.

اليوم بعد مرور حوالي 10 سنوات على تجربة تأسيس المنتدى على يد مختلف الطيف الإسلامي، كمحاولة موازية للنقاش الذي كان جاريا في ذلك الوقت بين عدد من التنظيمات الإسلامية للتنسيق والعمل المشترك في أفق العمل الوحدوي، ثبت أن الجانب العاطفي كان غالبا عليها، وأن الهوة عميقة على مجموعة من المستويات : الأولويات، السياسي، العملي.. وغيرها، زاد من تعميقها ما جرى بالمنتدى طيلة هذه السنين خاصة خلال الخمس سنوات الأخيرة، وخاصة ما جرى يوم 17 يناير 2016، وإذا كان البعض يرى الأمر من زواية غير إيجابية، فأعتقد أن العكس هو الصحيح، لأن المنتدى كان سينفجر آجلا أم عاجلا، واليوم مع سلوك حامي الدين وصحبه، أصبحت الأمور واضحة وضوح الشمس في كبد السماء وهذا هو المطلوب ليفيق من غفلته من لا زال يعتقد أنه بالإمكان الاشتغال مع تيار أهدافه ومطامحه واضحة ومعلنة مرتبطة أساسا بالمسار الانتخابي لا غير، وليتحقق الفرز الذي ينشده الفاعل لتتضح الصورة وبوضوح على الساحة الحقوقية.