برسالة اخبارية او بقرار مصادق عليه في مكان اخر قريب، عزلوه. عزلوا قاضيا لان واجب التحفظ، كما نعرفه عندنا، يقتضي احكاما تنزع نحو الفساد لا نحو النزاهة. عزلوه. و عزل النقاش حول من حرر الرسالة و سينتهي حيث بدأ او هكذا يأملون. و قبلها و بعدها يستفيد قضاة اخرون من ترقيات بالجملة. ما حدث لمحمد الهيني لا يمكن ان يمر دون ان نسال أنفسنا عن مآلات الأمور في المسار الانحداري في المغرب.

لعله واحد من الخطوط الحمراء الاخيرة و الكثيرة التي كانت تحمي اكذوبة إمكانية قضاء مستقل والتي تغطي ادعاء إرادة إصلاح قطاع تريده السلطة فاسدا. هذا الخط الأحمر كان متمثلا بسكوت القضاة و معهم الرأي العام عن محاكمات تدار فصولها، طوعا او قسرا، بمنطق التعليمات. صمت تعمق اكثر مع كل نازلة فساد او قضية رأي تلاها حكم جائر. و لعل القهر الذي تعرض له القاضي الهيني ابلغ دليل على ثمن النزاهة المكلف. و في قرار القهر ذلك حتما، رسالة ترهيب واضحة العبارات للقضاة النزهاء في ممارسة مهنتهم. 

هنيئا لنا. لقد نجنا فعلا في تكريس سيناريو مستوحى من اكثر تجارب الاستبداد “نجاعة“.

لم يعبر الرجل عن آراء تؤثر على سير القضايا التي يحكم فيها كما لم يناصر طرفا على طرف اخر اثناء محاكمة ما. عبر محمد الهيني، و لم يكن الوحيد، عن رأيه في تراجع الأغلبية الحكومية عن مخرجات الحوار الوطني حول إصلاح العدالة. موقف اتهمته، على اثره، الفرق البرلمانية لاحزاب الأغلبية ب“كيل الاتهامات و الأحكام لممثلي الأمة“. درس في السياسة. اجل. لا توافق بين منتخبينا الا في التحامل على قضايا الحق. و ان كنّا نتساءل عن المعنى الدقيق لدولة القانون فالجواب بين أيدينا الان: انها كل شيء عكس الذي يجري “التاسيس” له اليوم. ضمان عدم إستقلالية القضاء لخدمة المصالح الفئوية، تعزيزا لريع سياسي و اقتصادي. هنيئا لنا. لقد نجحنا فعلا في تكريس سيناريو مستوحى من اكثر تجارب الاستبداد “نجاعة“.

و الان و قد حصل الإجحاف و برر كما برر، يربك القاضي الهيني، بخروجه عن الصمت احتجاجا على ما طاله من تعسف، يربك من وقع القرار و من باركه. فعندما يردد حقوقيون و مهنيون شعارات تنديد بقرار وزير العدل تموت مرة اخرى بعض من الامال او الاوهام المتبقية و المعقودة حول الحكومة. و كذلك تموت محاولات إقناع الرأي العام بواقعية الإصلاح. 

لنعد لتساؤلاتنا المعهودة. هل يملك وزير العدل حقا من الصلاحيات ما يخول له عزل قاض معين بظهير ملكي دون مراجعة قراره خارج اروقة وزارته؟ لمن ستحسب الخسارة إذن؟ في بلد يحتار مواطنوه بين الدولة و من يمسك بها، تعتقد “السلطة” انها انتصرت على الحكومة. هنيئا مجددا. فهل عارض على الأقل احدهم “القرار” داخل الحكومة؟ ام ان فصول المعركة مع “السلطة” قد انتهت فعلا منذ زمن؟ الاكيد ان حس المسؤولية الوطنية مفقود عند السلطة و عند من اتخذته حليفا/عدوا لشرعنة ما تقوم به من انتهاك لمبادىء الديمقراطية. سيجد الوزير نفسه مجددا يبرر الشيء و نقيضه عسى ان يرضى الفريق الحاكم بجهوده الحثيثة ما دامت تخدم الغرض المنشود.