تخوض المركزيات النقابية المنحدرة من الحركة الوطنية، إ.م.ش، أ.ع.ش.م ، ك.د.ش و ف.د.ش، إضرابا عاما احتجاجا على سياسة الحكومة و حوارارها المغشوش و تعنتها في ممارسة سياسة ضرب الحقوق الاجتماعية للطبقة العاملة و عموم الأجراء. و يجري الإضراب في ظرف يتسم بسيادة مناخ النضالات الديمقراطية الجماهيرية لحركة 20 فبراير التي عرفها المغرب في نفس الفترة منذ 5 سنوات، و هو المناخ الذي مكن النظام السياسي من احتواء الحزب الإسلاموي العدالة و التنمية بهدف مواجهة النهوض الجماهيري الديمقراطي الذي بلورته حركة 20 فبراير مطالبها الديمقراطية.

وواضح أن الحكومة منذ تنصيبها في مارس 2012 مارسة سياسة تطبيق أجندة و برنامج السلطة السياسية المتبلور في المجلس الوزراء و المتمثل في سياسة اقتصادية تضمن التوازن المالي و الماكرو اقتصادي للنظام السياسي و تطبيق التعليمات و السياسة المالية التي يحددها صندوق النقد الدولي.

وبالتالي فمنذ أن تم تنصيب هذه الحكومة، استفرد بنكيران بتنفيذ قرارات و غجراءات تضرب في العمق المصالح الاجتماعية الاساسية للطبة العاملة و الأجراء و المعطلين و تقلص بشكل مهول الوظائف الاجتماعية للقطاع العام سواء في الشغل أو التعليم أو الصحة أو السكن.. إذ مع هذه الحكومة برئاسة عبد الإله بن كيران و حزبه العدالة و التنمية استمر تدهور الأوضاع الاجتماعية واستمرت سياسة فرض الأمر الواقع و الارتجال في بلورة قرارات في ملفات اقتصادية و اجتماعية مصيرية (ملفات صندوق المقاصة، التقاعد، التشغيل..) و استمرت سياسة “عفا الله عما سلف في حق الفساد و تبذير المال العام و الخضوع لتطبيق تعليمات صندوق النقد الدولي و المؤسسات المالية الدولية مما يوضح أن مصالح البرجوازية والرأسمال الأجنبي و تأمين التوازنات المالية للدولة ضدا على الاوضاع الاجتماعية للطبقات و الفئات الشعبية.

 في حين ظلت النقابات في وضع انقسامها غير قادرة على مواجهة صارمة لتحدي الحكومة لها. و لم تبلور ردها إلا بعدما مارست الحكومة سياساتها اللاشعبية، و المتمثل في قرار الإضراب بالنظر للحسابات و للخلافات بينها حول تفعيل قرار الإضراب و تحديد موعده .  

ويجري هدا الإضراب كذلك في واقع سياسي مهزوز بالنظر إلى تدني الخطاب السياسي و شعبويته، أدى هذا الواقع إلى ضعف الفعل سياسي و ابتذاله و إلى شعور عام بالإحباط لدى الشعب المغربي الذي أصبح يلمس أن السياسة و النقابة لا جدوى منهما ما دامتا لا تحققان تقدما في تلبية المطالب الديمقراطية الاجتماعية و غعمال حقوق الإنسان، كما لا تستجيب الممارسات و النضالات النقابية والسياسية الديمقراطية لانتظارات الشعب في تحسين أوضاعه الاجتماعية.

يجري هذا الإضراب كذلك في وضع نقابي لم تبلور فيه النقابات خطة نضالية و تعبئة نقابية واعية و موحدة و محكمة للقواعد العمالية و للأجراء لمواجهة القرارات و الإجراءات اللاشعبية للحكومة.. وما العمل بعد الإضراب العام في حال استمرت الدولة والحكومة في ممارسة سياستها الاقتصادية والاجتماعية التي تتناقض مع مصالح الطبقة العاملة وعموم الأجراء والاجيرات الكادحين.

انخراط الطبقة العاملة و الأجراء بكثافة لإنجاح إضراب عام نوعي و استمرار النخب النقابية في ضغطها النضالي المشروع على الدولة و الحكومة لفرض احترام مكتسبات الطبقة العاملة و حقوقها النقابية و الاجتماعية سيشكل تحولا نوعيا في الممارسة النقابية و يعيد الثقة في العمل النقابي الديمقراطي

يجري هذا الإضراب في وضع سياسي عرف تقدم العدالة والتنمية انتخابيا خلال اانتخابات 4 شتنبر 2015 و ترادع ملحوظ لقوى يسارية مشاركة في الانتخابات بما يعنيه ذلك من تراجع تأثير اليسار في الساحة السياسية و الاجتماعية و بما يمثله هذا المعطي من أهمية كبيرة بالنظر للمصداقية التي لم لليسار وسط جماهير الشعب العامل و الكادح، و  نظرا لتراجع القوة التعبوية الشعبية التي كانت لليسار في مثل هذه المحطات النضالية و التي فقدت الكثير من عواملها. مما جعل بن كيران رئيس الحكومة مزهوا بسياسة ضرب المصالح الاجتماعية الديمقراطية للطبقة العاملة و لعموم الماجورين، و يفتخر بخدمة طبقة البرجوازية بتكسير الإضراب عبر فرض الاقتطاع من أجر المضربين.

لقد راهن رئيس الحكومة على تقويض فائدة و مهمة الإضراب كوسيلة ناجعة لتحقيق المطالب النقابية و ذلك لخدمة مصالح أرباب العمل، و فرض و نفيذ اقتطاع أيام الضراب من أجور المضربين لبلوغ هذا الهدف لتكسير سلاح الإضراب و خلق انقسامات داخل القواعد النقابية و وسط العمال و الموظفين.  

في هذا الواقع يضع النقابات أمام تحد جديد يتمثل في اختبار مصداقيتها وسط الطبقة العاملة وعموم الموظفين بالقطاعين العام و الخاص و كذلك هو اختبار لحضور قوى اليسار في الساحة السياسية والاجتماعية.         

ولا نعتقد أن هذا الإضراب سيشكل تحولا نوعيا في الصراع الاجتماعي الطبقي و بالتالي في الصراع الديمقراطي للطبقات الشعبية ضد نزوعات الإستبداد التي يحاول رئيس الحكومة تنفيذها كتلميذ مجتهد للسلطة السياسية المخزنية و لتعليمات البنك الدولي ولمصالح الرأسمال الأدجبي.

لكن استجابة القواعد العمالية في القطاعات الحيوية التي تمس المصالح الاقتصادية لبرجوازية الدولة خصوصا في قطاع المناجم اتصالات المغرب و السكك الحديدية… و للبرجوازية الريعية و الرأسمال الأجنبي في مصانع القطاع الخاص سيما في مصانع السيارات و النسيج و غيرها و في موانئ ميد-طنجة و الدار البيضاء و الصيد البحري…  و نعتقد أن النقابات، والانقسامات التي عانتها، تواجه نسبيا إشكالية تعبئة أوسع الجماهير العمالية والموظفين لتحقيق إضراب نوعي مؤثر في تغيير ميزان القوى لصالح النقابات و مطالبها و فرض احترام مكانتها و مواقفها في السياسة الاجتماعية للدولة و الخاصة بالطبقة العاملة و عموم المأجورين.

وانخراط الطبقة العاملة و الأجراء بكثافة لإنجاح إضراب عام نوعي و استمرار النخب النقابية في ضغطها النضالي المشروع على الدولة و الحكومة لفرض احترام مكتسبات الطبقة العاملة و حقوقها النقابية و الاجتماعية سيشكل تحولا نوعيا في الممارسة النقابية و يعيد الثقة في العمل النقابي الديمقراطي.      

كما يأتي هذا الإضراب في وضع تجاوز نسبيا ظروف المواجهة و الاستفزازات التي كانت الدولة و أجهزتها القمعية تمارسها لمنع الإضرابات (أبريل  1979 (التعليم و الصحة و  20 يونيه 1981 و دسمبر 1990) و تحويلها إلى حلبة تمارس فيها قوات القمع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و استعمال الرصاص ضد الجماهير المحتجة.

لكن نلاحظ أن النقابات و منذ بداية تسعينات القرن الماضي غيرت أسلوب نضالها النقابي الديمقراطي و استجابت لخطة النظام السياسي المتمثلة في يسمى الحوار الاجتماعي رغم أن شروطه السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية غير متوفرة بالنظر لتحكم السلطة السياسية و أرباب العمل في رهان مأسسة ما يسمى “الحوار الاجتماعي”  لصالح الرأسمال على حساب العمل و الطبقة العاملة (مرونة الشغل، . تجميدالأجور و رفض التعويضات و إصلاح صناديق التقاعد و ضمان نزاهة القضاء  ضرب الحريات النقابية و قمع الحق التظاهرات والاحتجاج).

بالنسبة للحكومة فإنها مارست الاقتطاع من أجور المضربين، خدمة لأرباب العمل إذ كان الاقتطاع من أجور العمال المضربين رسالة لهم لعدم احترام حقوق العمال. و الغريب أنه لم يكن رد النقابات قويا في مستوى قرار رئيس الحكومة الذي يهدف إلى ضرب حق الإضراب، مما جعله يستهدن تهديد النقابات بالرد.

وقد بينت التجربة القريبة أن النقابات لا تتوحد و لا تتجاوز وضع النقسام إلا في لحظات ظرفية غير مرتبطة بتصور و برنامج نضالي استراتيجي وممارسة نقابية داخلية ديمقراطية. 

وإذا كان الهدف من الإضراب العام فقط هو العودة إلى “الحوار الاجتماعي” و استشارتها و إشراكها في بلورة السياسة الاجتماعية للحكومية ستكون النقابات هي الخاسرة بالنظر لأن الحكومة منذ تنصيبها في بداية 2012 لم تتزحزح عن سياستها الليبرالية المتوجشة و انفردت باتخاذ إجراءات ضربت في العمق المصالح الاجتماعية للطبقات الشعبية. سيما أن البرجوازية المتكتلة في الاتحاد العام للمقاولين المغاربة، بل بادرت الباطرونا لصياغة مشروع قانون إضراب يضمن مصالحها فقط..

وبالتالي يبقى السؤال المحزج للنقابات هو ، أي برنامج لتجاوز الانقسام و التناقضات النقابية المفترضة؟ وأي افق واستراتيجية نضالية لفرض الملف المطلبي الذي بلورت على أساسه قرار الإضراب العام؟