
العلاقات المغربية الاسبانية: تحديات الجوار الصعب ومواريث الماضي

خلال ندوة عقدت منذ بضع سنوات بالعاصمة الرباط حول العلاقات المغربية الاسبانية أطلق الصحافي والمؤرخ والدبلوماسي والوزير السابق الفقيد محمد العربي المساري عبارة شهيرة أثارت انتباه كل من كان حاضرا في الندوة والعبارة هي “.خلصوا العلاقات المغربية- الاسبانية من رائحة السردين وكان لهذه الجملة تأثير سحري على وزير الخارجية الأسبق مغيل أنخيل موراتينوس الذي لم يتمالك نفسه، فغرق في نوبة من الضحك تعبيرا عن إعجابه بدقة التوصيف وبخيال صاحبه وبنظرته الإستراتجية لملف العلاقات بين الطرفين . وأضاف المساري أن أمور السردين أصبحت تعالج بالحسابات المتوازنة بين الرباط ومدريد وبروكسيل وليس بين الرباط ومدريد فقط ، على غرار كل الملفات التي يظهر أنها ذات بعد ثنائي، لكنها في العمق، تهم كل القارة الأوربية كما هو الشأن حاليا بالنسبة لتسوية الديون اليونانية.والسردين أهم ثروة ينتجها المغرب، و يصدر رائحة قوية ونفاثة عندما يشوى فوق الفحم.
آراء أخرى
لكن العلاقات المغربية- الاسبانية ، لاتقتصر في تشنجها وتأزمها على ملف الصيد البحري فقط ،بل تخترقها ملفات خلافية وساخنة وذات حساسية عالية ،من قبيل الموقف من قضية الصحراء و مدينتي سبتة ومليلية التي مازالت تحتلها اسبانيا إلى جانب عدد من الجزر المتناثرة في البحر الأبيض المتوسط ،وملف الهجرة والإسلام.
هذه القضايا الإشكالية حضرت وتحضر بقوة في كتابات الخبراء والأكاديميين والصحافيين منذ عقود وعبر أجيال، وهناك مايشبه تنافسا بين الضفتين ، وبأجندة وأهداف متباينة في كثير من الأحيان ، نظرا لاختلاف المرجعيات والخلفيات الثقافية والدينية وانسياق جزء من النخبة الاسبانية مع المواقف الرسمية للدولة الإيبرية وصعوبة تخلصها من ترسبات الماضي وإقامة مسافة مع وصية الملكة إيزابيل الكاثولكية التي خطت وهي على فراش الموت ما مفاده أن الحدود الحقيقية لاسبانيا تنتهي عند جبال الأطلس المغربية ، وهذا ما دفع الإسبان إلى محاصرة ما اعتبروه خطرا مغربيا عبر السيطرة على مواقع استراتيجية في البحر الأبيض المتوسط بدءا من احتلال مدينة مليلية سنة 1497 لصد الخطر الإسلامي . علما أن المغرب بنى جزءا من هويته في فترات تاريخية معينة على أساس الدفاع عن دار الإسلام من الهجومات الايبرية.
زخم وفورة الكتابة عن العلاقات بين الرباط ومدريد ، ظاهرة تجسد مدى رغبة المغاربة لفهم وتفكيك مايسميه الراحل محمد العربي المساري بالهيروغلفية الايبرية العصية على الفهم ،في إشارة دالة على تداخل وتعقد هذه العلاقات.وفي هذا السياق يمكن أن نشير إلى كتاب ،أصدره المساري قبل وفاته بعنوان” اسبانيا الأخرى ” . والكتاب يعالج أربع قضايا محورية وهي الانتقال الديمقراطي ،اسبانيا وملف الصحراء، اسبانيا والإسلام، اسبانيا والمغرب . و العربي المساري الذي كان يعتبر أحد اكبر المتخصصين في العلاقات المغربية- الاسبانية ،لا يخفي إعجابه بالتجربة الديمقراطية الاسبانية والكيفية التي دبرت بها ،ومن هذا المنطلق يرى أن التحول الديمقراطي في اسبانيا جذري وهو الوحيد في القرن العشرين الذي يحمل هذه الصفة، هو نموذج حبذا أن نأخذ منه العبرة عندما نتحدث عما يقع في العالم العربي بسبب تداعيات ربيعه يقول المساري ،وبخصوص ملف الصحراء فند المساري بالتواريخ استغلال المغرب لمرض الجنرال فرانكو لإعلان المسرة الخضراء التي استعاد بها المغرب الصحراء التي كانت تحتلها اسبانيا .
وفي السياق نفسه نتوقف عند كتاب :العلاقات المغربية الاسبانية” من وفاة الحسن الثاني إلى تنحي خوان كارلوس “.للصحافي نبيل دريوش والمؤلف ينتمي إلى جيل جديد بدأ الاشتغال على هذا الملف حديثا ، ما يعني رؤية جديدة إلى الشأن الاسباني الذي يعيش بدوره تحولات جوهرية ،بحكم تغير عدد من المعطيات والعقليات والمقاربات، وميل العقل السياسي الاسباني إلى تغليب منطق المصالح الإستراتجية الكبرى لمدريد والحاجة الماسة إلى التنسيق الأمني والاستخباراتي مع الرباط في عدد من الملفات ،بما فيها ملف المخاطر الإرهابية.
نبيل دريوش الذي درس الصحافة في بلنسية واشتغل مع عدد من المؤسسات في مدريد احتك عن قرب بالأسبان واطلع على طرائق اشتغال إعلامهم ،وفهم منطق تفكيرهم وتحليلهم.واسبانيا التي رآها درويش ليست تلك البلاد المتخلفة والفقيرة التي كانت تصدر اليد العاملة .بل أصبحت قوة اقتصادية وعسكرية وإعلامية ودبلوماسية ،نتيجة الانتقال الديمقراطي الذي تم دون إراقة قطرة دم .
وليس صدفة أن يدشن دريوش كتابه بفصل حمل عنوان المغرب –اسبانيا أصعب مواجهة، من خلال رصده لأزمة جزيرة ليلي التي اختبرت فيها اسبانيا تحت حكم الحزب الشعبي رد فعل المغرب العسكري ،فاجتاحت قواتها جزيرة مغربية صغيرة خلاء ،وكادت الأمور تتأزم بصورة غير مسبوقة لولا تدخل الدبلوماسية الأمريكية .
هناك من يعتبر أن المغاربة تغيروا واسبانيا تغيرت .مثلما تغير صحافيو الضفتين وتغير معهم الخبراء .لكن مازال هناك مجهود كبير نفسي وفكري وأخلاقي يجب بذله من الطرفين .لان عقد الماضي التي أفرزتها قرون من التجاور ،تخللتها مشاعر مختلطة من الحقد والحسد والاحتقار من الجانبين
هناك من يعتبر أن المغاربة تغيروا واسبانيا تغيرت .مثلما تغير صحافيو الضفتين وتغير معهم الخبراء .لكن مازال هناك مجهود كبير نفسي وفكري وأخلاقي يجب بذله من الطرفين .لان عقد الماضي التي أفرزتها قرون من التجاور ،تخللتها مشاعر مختلطة من الحقد والحسد والاحتقار من الجانبين، وإن كانت لحظات الانفراج الحذر تبقى هي المعيار المعمول به لتفادي الأسوأ وتجاوز التشجنات التي تعيشها بشكل دوري العلاقات المغربية- الاسبانية .،وهذا ما يترجمه الفصل الذي خصصه الكاتب للمنهجية التي طبقها الاشتراكيون الإسبان عند وصولهم ثانية إلى السلطة في أعقاب الانتخابات التي جرت غداة تفجيرات مدريد 2011،حيث عمدت إلى تبني توجه دبلوماسي مرن وجديد ومساعدة المغرب لحل قضية الصحراء ،كما تم استخلاص اتفاق جديد للصيد البحري وتزايد التنسيق الأمني والاستخباراتي ،ولكن دائما كانت هناك مشاكل،وفي مقدمتها تشبث اسبانيا بعدم تقديم أي تنازل فيما يخص حلحلة ملف سبتة ومليلية وعدد من الجزر المغربية المحتلة ،رغم أن الملك الراحل الحسن الثاني سبق له أن قد اقترح على الإسبان تشكيل خلية للتفكير في الملف.
ما يمكن استنتاجه من متابعة هذه الأعمال الصادرة حديثا ،وبناء على التحولات الأمنية في المنطقة ،هو أن المغرب أصبح يشكل العمق الاستراتجي لاسبانيا ومن خلالها أوربا .فسبته المحتلة بشكل خاص ، أصبحت مشتلا وقلعة لتجنيد عدد من المقاتلين في صفوف عدد من التنظيمات المتطرفة .والمغرب من هذا المنطلق يمكن أن يفاوض على سبتة ومليلية بناء على الملف الأمني والمخاطر التي باتت تشكلها مايصفه بعض الخبراء بالأممية الجهادية .
فإقليميا ليبيا مدمرة ، والتجربة الديمقراطية التونسية مازالت تتهددها ضربات الجماعات المتطرفة، والأوضاع في الجزائر لا تثبت على حال ،ومنطقة الساحل ملغمة بالسلاح والجماعات المقاتلة ،ولذلك فإن اسبانيا ومن زاوية جيو-استراتجية وبحكم أن المغرب لم ينزلق إلى الأسوأ ، ترى فيه نموذجا للاستقرار في شمال إفريقيا حيث أصبحت له أهمية إستراتجية كبرى متزايدة .
.من المؤكد أن المغاربة ،وخاصة اليسار ،أعجب بالنموذج الديمقراطي الاسباني ،الذي تم فيه الانتقال الديمقراطي سلميا دون إطلاق أي رصاصة.فالطبقة السياسية الاسبانية أنجزت بذكاء وبراغماتية ومسؤولية مسلسل التحديث والتعددية السياسية والثورة الإعلامية ،وهو ماحقق طفرة اقتصادية نتيجة التطور السياسي والإعلامي.
لقد نظمت عدة ندوات ومناظرات ولقاءات بين الجانبين حول الانتقال الديمقراطي ،وحاول المغاربة دائما استلهام الدرس الاسباني ،لكن سياقه وخصوصيته وشروطه تجعل منه نموذجا غير قابل للنسخ ما لم تنهض الديمقراطية من الداخل . أي من داخل المغرب .
اللافت أن منتصف السبعينيات كان يعكس فرصا متكافئة بين البلدين للوصول إلى الديمقراطية والحداثة والتقدم غير أن اسبانيا وصلت بسلام إلى مرفأ الديمقراطية والحداثة والتقدم ،فيما أضاع المغرب الفرصة بسبب عدم الثقة بين مكونات طبقته السياسية وأجواء القمع والصراعات الداخلية وحرب الصحراء .أما في اسبانيا فكانت الثقة والاحترام هي القواعد الأساسية في التعامل السياسي.
لا يتردد عدد من المثقفين والمفكرين المغاربة في القول ” إننا في حاجة إلى الإسبان لاستعادة روح الأندلس.كما جاء على لسان الباحث المغربي حسن أوريد الذي كتب مقدمة مؤلف “إسبانيا الأخرى” لمحمد العربي المساري.
ويجمع عدد من الفاعلين السياسيين والنخب الثقافية والاقتصادية الاسبانية والمغربية على حتمية تقاسم وتكامل المصالح بين البلدين ،وأنه إذا كانت بعض مخلفات وبقايا التاريخ السلبية مازالت تمارس وظائفها وتأثيراتها المعاكسة لمنطق هذه المصالح وهذه الشراكة متعددة المستويات ، فإنه يتعين علي من يغذي ويعمل على تحصين هذه البقايا أن يتحرك صوب المستقبل، وأن ينصت صناع القرار السياسي والاقتصادي في مدريد برزانة وحكمة إلي حقوق ومطالب الضفة الأخرى، لا أن ينظر إليها كطرف أو كرقم باهت في المعادلات الجيو ـ استراتيجية والجيو-سياسية ، وهذا ما عكسته سياسة اليمين على عهد رئيس الحكومة السابق خوسي ماريا أثنار ،الذي لم يتردد الملك محمد السادس في نعته بالفرانكاوي نسبة إلى الجنرال فرانكو ،وذلك خلال حوار سبق أن أجرته معه يومية “البايس ” واسعة الانتشار في يناير 2005 ،خاصة وان الحزب الشعبي وقتئذ عمد إلى نهج أسلوب لم يأخذ في الاعتبار مكانة وقيمة المغرب ودوره الإقليمي والدولي وسمعته وصورته،ولم يأخذ في الحسبان الديناميات الإصلاحية التي أطلقها، وعكس ذلك انجر إلى خيار اللعب بالمصالح المشتركة، وتسويق مواقف وخطابات الاستفزاز والعجرفة، عبر توجيه ضربات ماكرة إلى قضية الوحدة الترابية للمغرب ، وسعى الحزب الشعبي بصورة حثيثة وغير مفهومة إلى نسف الحلول السياسية التي تحظى برضا وارتياح المجموعة الدولية
كما أن زيارة العاهل الاسباني السابق إخوان كارلوس لمدينة سبتة على عهد حكومة لويس ثاباتيرو سنة 2007.خلفت مشاعر استياء قوية لدى المغاربة ملكا وحكومة وشعبا ،ما فسر على أن مدريد ليست في وارد إصدار إشارة قوية وصريحة للإنصات إلى مطالب المغرب العادلة والمشروعة ،بل تراكمت غيوم كثيفة في سماء العلاقات المغربية- الاسبانية بسبب تذبذب مواقف الحكومة الاشتراكية من ملف الصحراء واستغلالها لمسالة حقوق الإنسان لخلخة الوضع وخلط الأوراق.
وهذه المواقف المترددة لا يمكن فصلها عن المواقف السلبية لقوى اليسار واليمين تجاه ملف الصحراء من خلال دعم جبهة البوليساريو ،وما صاحب اندلاع أزمة جزيرة ليلى من نوايا نيو-كولونيالية متعالية ، إضافة إلى تنكر المسؤولين الإسبان لحقوق المغرب التاريخية ووقوفهم المبالغ فيه ضد مصالحه الاقتصادية، ولا تنسى الذاكرة المغربية التلويح بورقة الضغط والتهديد من طرف رئيس الحكومة السابق خوسي ماريا أثنار بعد فشل مفاوضات الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي ، علاوة على الأكليشيهات الجاهزة والصور النمطية التي تروجها وسائل الإعلام والأحزاب الاسبانية اليمينية عن الهجرة والمهاجرين المغاربة. وإن كانت السلطات المغربية قد عمدت منذ مدة إلى الانخراط الجدي في مكافحة الظاهرة وتطويق شبكاتها ومافياتها
عندما سحب المغرب سفيره من اسبانيا احتجاجا على ممارسات اسبانية مضادة للمغرب وماسة بمقدساته، رأت سلطات مدريد في هذه الخطوة نوعا من العقوق التاريخي غير المعهود، ولتقويمه و تقليبه حركت من جديد هواجس واستيهامات الذاكرة الاستعمارية، لأنه حسب منطقها لا يجوز لمستعمرة الأمس أن تسلك هذا المسلك المتمرد أو تعلن حالة عصيان، علما بأنه حق سيادي وشأن داخلي. وإذا استغرب جوزيف بيكي رئيس الدبلوماسية الاسبانية آنذاك ، وشدد على عدم وجود أزمة بين البلدين و انبرت وسائل الإعلام العمومية والخاصة إلى تحليل وتشريح قرار المغرب والتعاطي معه بكيفية يطبعها التهكم وبعقلية المتفوق الذي لا يعير اهتمام لذاك الجار الجنوبي “القابع في تخلفه”. فإن واقع الحال يدل علي وجود أزمة حقيقية لا تحجبها التقاليد الدبلوماسية التي تتفادى الإحراج، ولا تلغيها الاتصالات والتصريحات المطمئنة الصادرة عن جهابذة وخبراء المطبخ السياسي.
و اللافت أنه مباشرة بعد انتهاء الوزير الأول السابق عباس الفاسي من إلقاء تصريحه السياسي أمام مجلس النواب في شهر ماي 2010 ،بمناسبة انتصاف ولاية الحكومة،حيث دعا في هذا التصريح إسبانيا “إلى الحوار لإنهاء احتلال مدينتي سبتة ومليلية ،عاودت اسبانيا تأكيد “سيادتها ” على مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين في شمال المغرب والجزر السليبة المجاورة لهما، وفق منظور مستقبلي.”
وفي السياق نفسه أكدت ماريا تيريزا فرنانديز دو لا فيغا نائبة رئيس الحكومة الإسبانية آنذاك للإذاعة الوطنية الاسبانية أن “السيادة والطابع الإسباني لسبتة ومليلية ليسا مطروحين للنقاش بأي شكل من الأشكال”، وأن المغرب الذي “نقيم معه علاقة جيدة يعرف هذا الموقف”.
وحكم على علاقات البلدين الجارين بالعيش تحت رحمة الأزمات والاحتقانات الدورية ، غير أن هذه الأزمات غالبا ما تطوق عبر سريان مفعول الجهود الدبلوماسية .
خلال أول زيارة قام بها الملك محمد السادس لاسبانيا في سبتمبر عام 2000، تبين من خلال الأجواء التي اكتنفت الزيارة والخطب التي ألقيت خلالها والاتفاقيات التي وقعت في إعقابها، أن ظاهرة السلوك السياسي الاسباني والرسمي على وجه التحديد تحدوه إرادة قوية للحفاظ على الإرث المشترك بين بلدين جارين، أما باطنه فيحبل بحقائق مغايرة وغريبة .
ولم يكن العاهل الاسباني خوان كارلوس وقتئذ مخطئا عندما قال في خطاب ألقاه بمناسبة مأدبة العشاء التي نظمها على شرفجلالة الملك محمد السادس : “إن إسبانيا والمغرب مدعوان للعب دور طلائعي لأنهما محركان نشيطان لمجموعتين إقليميتين هما اتحاد المغرب العربي والاتحاد الأوروبي”، ولم يجانب الصواب عندما أكد علي أن العلاقات بين البلدين بلغت مرحلة النضج وأنه ينبغي حل الخلافات العالقة.
وفي نفس السياق أكد جلالة الملك محمد السادس على أن لديه القناعة بأنه “بمجرد زوال ندوب الماضي ستحرر الطاقات الخلاقة للمغرب وإسبانيا”. مضيفا “إننا لم نفلح بعد سويا في خلق فضاء للمصالح المشتركة والمتكاملة يكون باحترام كافة الأوجه والأبعاد السيادية لبلدينا” وإذا كانت هذه الأقوال تصب في مجري صون المصالح المشتركة والتوجه نحو المستقبل بمقاربة مغايرة ورؤية تنتصر للواقعية التاريخية، والحتمية الجغرافية والبراغماتية السياسية والشراكة الاقتصادية العادلة والعلاقات الثنائية التي تستند إلى المسؤولية والطموح والمصداقية، فإن المغاربة يرون أنه يتحتم على صناع القرار في مدريد أن يراجعوا مواقفهم وأن لايعمدوا كلما نشبت أزمة ما ، إلى إشهار سيوف مستلة من غمد استعماري، وعلى الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية والنخب الثقافية في إسبانيا ألا تعتبر المغرب غابة من التخلف ومصدر قلق وتوتر وإزعاج..
وكخلاصة، يمكن القول :إ نه عندما تتقاطع الجغرافيا مع التاريخ وتتشعب علائقهما، يصير من الصعب بل من المستحيل القفز على ما ينسجانه سويا من قيم وثقافات وسلوكات وتصورات، إنهما الآلة الجبارة التي صاغت عبر مختلف الأزمنة ونحتت ذاكرة مشحونة بأفراح وجراح الماضي ومؤثثة بانشغالات وهموم الحاضر وقلقه ومسكونة برهانات وتحديات المستقبل والتباساته. وبما أن المغرب وإسبانيا يتقاسمان تاريخا مشتركا ويجمعهما قدر جغرافي ينطوي على الكثير من التناقضات والمفارقات، فإنه من الطبيعي أن يفكرا معا وبعمق في الأشكال الأكثر نجاعة ومرونة ودينامية لجعل الحوار والتفاهم بينهما جسرا دائما ومتماسكا، يصعب على التوترات السياسية الظرفية والأمزجة المتشنجة أن تعصف به أو تعرضه لتصدعات واهتزازات.