نود في هذه المقالة توضيح مسارات الثورة السورية و أهداف كل فاعل وما يملكه من أوراق، في ظل احتمال تحول هذه المأساة إلى صراعات كبيرة قد تخرج عن السيطرة أو تقسم المنطقة و تعيد  تشكيل شرق أوسط جديد.وسنبين أن الموقف الأمريكي واضح المعالم ,وأنها تبقى الفاعل الرئيسي في المنطقة.

    نبدأ بروسيا الذي يعتبر تدخلها العسكري المباشر مستغربا، ويحتاج لكثير من التحليل بدراسة ميزان الربح و الخسارة. فمبررها بذلك هو محاربة الإرهاب ، وعدم وصول ثورات الربيع العربي إلى دول  محيطة بروسيا، بها حكومات موالية لروسيا ،ولكن هدا لا يبرر حجم هدا التدخل، أم تريد روسيا أن تري  العالم على أنها أصبحت قوة عالمية موازية للغرب، وهدا لا يتناسب مع حجمها الاقتصادي ،حيت يشكل النفط و الغاز أكثر من نصف اقتصادها ، زد على ذالك ما يشهده الروبل الروسي من تراجع أمام الدولار.أم أن هدا  التدخل هو مجرد استعراض للقوة من طرف بوتين و استرجاع أمجاد القياصرة ،ولكن إن صح دالك، فمصير الدول التي تقودها تلك القيادات يكون هو الانهيار حتما، كما أن الحرب لها أثمان باهضة، وتعرف بدايتها وتجهل نهايتها، وتجربة أفغانستان حاضرة في أدهان الروس.

   إن ما نعتقده هو أن أمريكا جرت بذكاء روسيا الى التدخل العسكري المباشر بسوريا، للتحقيق جملة من الأهداف من بينها استنزافها اقتصاديا عبر دخولها الشهر الثالث للحرب دون تحقيق نتائج كبيرة مقارنة بحجم قتل المدنيين وتهجيرهم و توريطها في الدم السوري,وإثارة الأقليات المسلمة داخل روسيا و دول الجوار، والمحافضة علي استقرار انخفاض أسعار النفط حيت بدأت باستخدام احتياطاتها النفطية لضرب أهم مصدر اقتصادي لروسيا  والأخطر من كل هدا هو جعل روسيا بارومتر توازن ،بعدما لاحظت بداية تقهقر النظام ومليشياته الطائفية، ولكن بقدر متحكم فيه وهو ما يفسرالإتفاق على خطة وقف إطلاق النار بعد خمسة سنوات من القتال بعدما مال الميزان لصالح حلف روسيا.

هناك توجس أمريكي وحتى خليجي من وصول إسلاميين قادرين على فرض إرادتهم بعيدين عن تحكم أطراف أخرى، إلى حكم أي دولة عربية.كما أنها لا تريد انتصار النظام ومن وراءه إيران،لأن ذالك محرم سعوديا وقد يدفع ألاف من المعارضة السورية المعتدلة نحو التطرف

 أما أمريكا التي تعتبر أكبر الفاعلين وراء الكواليس في المأساة السورية ،عكس ما يعتقده أغلب المحللين بأن موقفها ملتبس وغامض, فهي تريد إنهاك جل الفاعلين على الساحة السورية، و خصوصا المحيط الجيو إستراتيجي لإسرائيل، واستنزاف كلا من  روسيا، إيران،تركيا والسعودية. فهي لا تريد لأي طرف أن ينتصر، وتريد حلا سياسيا تحدد هي معالمه. 

     فانتصار المعارضة التي مرجعيتها إسلامية ممنوع إسرائيليا عكس نظام يدعي المقاومة والممانعة ولم يطلق رصاصة واحدة طيلة أكثر من أربعين سنة. فالحكمة أمريكيا تقول شيطان نعلمه خير من مجهول لا نعلمه، كما أن هناك توجس أمريكي وحتى خليجي من وصول إسلاميين قادرين على فرض إرادتهم بعيدين عن تحكم أطراف أخرى، إلى حكم أي دولة عربية.كما أنها لا تريد انتصار النظام ومن وراءه إيران،لأن ذالك محرم سعوديا وقد يدفع ألاف من المعارضة السورية المعتدلة نحو التطرف.

   من جهة أخرى تريد أمريكا عبر البوابة السورية ووقف التوهج الاقتصادي، الاجتماعي و السياسي لتركيا، فهي حليفة لها في إطار الناتو وفي نفس الوقت تقوم بتزويد الأكراد بشمال سوريا بالأسلحة ،بدعوى أنهم القوة الوحيدة القادرة على محاربة داعش،  الذي هو بالمناسبة صنيعة المخابرات الأمريكية حسب تصريحات مرشحة البيت  الأبيض هيلاري كلينتون، ووقائع التاريخ تدعم هذا التصريح، حيت أن القاعدة أنشأت تحت أعين و إشراف أمريكا لمنع التمدد الشيوعي ، ثم استعملت كذريعة لغزو العراق. إننا نخشى في العالم العربي أن تعاد تجربة طالبان لتقسيم المنطقة و تفتيتها، فبالأمس القريب كانت إرهابية واليوم تفاوضها أمريكا و ألمانيا.

   ولكن الأمل و نقطة الضوء هو   تكون حلف سني عالمي تلعب فيه السعودية دور القائد رفقة تركيا ودول أخرى، قادر على تشكيل قطب منافس وفاعل من الرياض إلى أنقرة. ينافس تلقائيا سياسات أمريكا ، روسيا وإيران التي أصبحت تريد و تدق على بلدان المغرب العربي، وخير دليل على دالك دعمها المحتمل لحزب بوديمس الإسباني الذي لديه أجندات عدائية اتجاه الصحراء المغربية.