تستعد السيدة وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الإجتماعية، لتقديم مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء خلال المجلس الحكومي اليوم، بعدما أعلنت عن ذلك خلال فعاليات الدورة 60 للجنة وضع المرأة بمقرالأمم المتحدة بنيويورك هذا الأسبوع.

وحسب الموقع الرسمي التابع لوزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الإجتماعية، فقد أكدت السيدة الوزيرة في كلمتها أمام المنتظم الدولي: “أن محاربة العنف الذي يشغلنا جميعا، حكومات وفاعلين مدنيين ومؤسسات حقوقية، يحتاج إلى قوانين وبرامج واستراتيجيات، لكنه أيضا يحتاج إلى وعي عام يسهم في سيادة ثقافة نبذ العنف، في إطار عقد اجتماعي من أجل أن نطلق صرختنا الكبرى ضد العنف، باعتباره ممارسة لا إنسانية همجية تخرج من المنطق الحضاري للسلوك الإنساني”

1.  إلا أن المتتبع المحايد – ناهيك عن الخبير المتخصص في رعاية المرأة والترافع عنها– يكتشف ان تصريح السيدة الوزيرة هذا يندرج ضمن نشاطات العلاقات العامة، وأنه موجه إلى الخارج أكثر مما هو مأخوذ ومعمول به في الداخل، نظرا لالتزامات الدولية  للمغرب، سواء تلك المترتبة عن مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لمكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة والبروتوكول الملحق بها وغيرها من الصكوك المتعلقة بمناهضة العنف ضد النساء، أو تلك المتعلقة بموضوع الشراكة مع بعض الأجهزة الإقليمية  كمجلس أوربا.

ونظرا للسجل الهزيل للأداء الحكومي في التعاطي مع ظاهرة تعنيف المرأة، الذي لا يشرف حكومة أتت بعد الربيع الديمقراطي، لتتنصل من كل شعاراتها المرفوعة زمن المعارضة في شأن إكــرام المرأة 

ونظرا للسجل الهزيل للأداء الحكومي في التعاطي مع ظاهرة تعنيف المرأة، الذي لا يشرف حكومة أتت بعد الربيع الديمقراطي، لتتنصل من كل شعاراتها المرفوعة زمن المعارضة في شأن إكــرام المرأة وتعزيز مكانتها الرمزية والمعنوية والأخلاقية في الأسرة والمجتمع ، ولتعيش حالة الانفصام النكد مع ما تدعيه من  مرجعية إسلامية التي يقول أحد بنودها “ما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم” ، ولتنخرط بكل أجهزتها الإعلامية وكتائبها الشبابية في مسلسل التضليل والتعتيم فيما تتعرض له المرأة من تنكيل و قمع ممنهج على أيادي القوات العمومية بمختلف اجهزتها و تشكيلاتها حينما تخرج مطالبة بحقها في الكرامة والتشغيل ومقومات العيش الكريم، أحد حلقاته الراهنة هي ما تتعرض له الأستاذات المتدربات من تكسير للجماجم وسفك للدماء وهتك للأعراض، ولم نسمع لهذه الوزيرة  “المسلمة ” ولزميلاتها البرلمانيات ” المحجبات” ولقنديلات حزبها ” الملتزمات” ، حسا ولا تنديدا ولا شجبا فيما تتعرض له المرأة ـ المتعلمة –  من تنكيل واضطهاد ، اللهــم ما يبررن به ذلك من كون الإحتجاجات ما هي إلا خطة من خصومهن لأسقاط الحكومة ، ولإزاحتهن عن مقاعدهن الحكومية والبرلمانية المريحة .

2 . ومما يؤكد كذلك فراغ تصريح السيدة الوزيرة هذا من أي جدية ومصداقية وتعاقد اجتماعي كما تدعيه، هو عدم إشراكها لجميع أطياف المجتمع المغربي الفكرية والسياسية والثقافية ، واقتصارها على أطياف معينة لا تمثل كل النسيج الجمعوي المغربي المتنوع خلال الإعداد لمسودة قانون محاربة العنف ضد النساء، واقتصارها على من يشاطرونها الرؤية والولاء والتبعية لأصحاب القرار الفعليين وعدم إزعاجهم بمشاريع قوانين جدية وهادفة، تسعى بصدق إلى إحداث التغيير الإجتماعي المنشود في إكرام المرأة والقطع مع ممارسات بائدة ومشينة في حقها.

لسنا بصدد ممارسة الأستاذية على السيدة الوزيرة ـ وليس من شيمنا فعل ذلك ـ  مثلما لا نطمح إلى تعليمها كيف يتم الإعــداد لمثل هذه القوانين المجتمعية و المشاريع الكبرى  التي تسعى إلى تغيير وإحداث تحولات سلوكية ونفسية وثقافية عميقة في علاقة الرجل بالمرأة ، من خلال الدعوة إلى حوار وطني ، يستدعى إليه الجميع ولا يقصى منه أحد ، مهما كان خلفياته و مرجعياته و مواقفه من سياسات الدولة وتوجهاتها العامة ، مادام يمثل شريحة واسعة من الشعب المغربي و جزءا أصيلا من المجتمع و يشكل عنصرا من العناصر المتنوعة الممتدة عبر التراب الوطني؛ والتي تتكامل بها الهوية المغربية العريقة … هذا إن كان بالفعل لدى السيدة الوزيرة نية صادقة في انجاح هذا القانون وتنزيله وتطبيقه على أرض الواقع ، لكن تلكؤ السيــدة الوزيرة طوال مدة ولايتها المشرفة على الإنتهاء ، وتقديمها لمسودة هذا القانون في هذا الوقت ” بدل الضائع ” لا يبشر بخير ، ناهيك عن عــدم الإنسجام والإتفاق حتى بين مكونات الإئتلاف الحكومي على كثير من بنود هذا القانون نظرا للطابع الفسيفسائي الذي طبع تشكيل الحكومة من أحزاب اسلامية ويسارية ويمينية إدارية .

3 . و من مؤشرات فشل هذا القانون، وأنه من باب رفع العتب على الوزيرة  المسلمة، المناضلة الجمعوية السابقة التي خيبت آمال عدد كبير من المناضلات والنشطاء المدافعين عن حق المرأة ، أنه يفتقر إلى المقاربة المنهجية و المهنية الإحترافية في تنزيله على أرض الواقع وتطبيقه على حالات تعنيف المرأة وغيرها من النساء في وضعيات صعبة، كالمرأة المغتصبة ، والأم المراهقة والعازبة ، وزنا المحارم ، و الإستغلال الجنسي للمرأة وغيرها ، و سبب افتقاره إلى هذه المقاربة المنهجية هو عدم الإستدعاء والإستعانة بالأخصائيين النفسانيين والإجتماعيين وحتى الروحيين المؤهلين والمشتغلين بمهن الرعاية الصحية والنفسية والإجتماعية  للمرأة ، واكتفائها باستدعاء بعض الحساسيات السياسية التي تحركها عادة الإيديولوجيا وتسجيل المواقف ، ولا تهمها مصلحة المرأة الحقيقية ، ولا كيفية تطبيق هذا القانون وتنزيله في برامج جادة للرعاية والخدمة الإجتماعية للمــرأة . كذلك مما يؤكد فشل هذا القانون في تحقيق أهدافه المعلنة ، وأنه لن يتجاوز في قيمته قيمة الحبر الذي كتب به ، هو عدم تطرقه إلى آليات التنزيل والتنفيــذ والدعم والإشراف والمراقبة والتقييم من خلال مؤسسات مهنية متخصصة في رعاية المرأة ومساعدتها ، يشتغل بها أخصائيون في شؤون وقضايا المرأة ، مكونون تكوينا أكاديميا مثينا و رفيعا ، ومدربون تدريبا ميدانيا صلبا وكافيا؛ يحترمون للمرأة خصوصيتها ، يصغون و يستمعون لها بكل انصات واهتمام، ويقترحون عليها خيارات للدعم والإشراف والعلاج والخدمات الإجتماعية عموما ، ولا يلزمونها بشيء ، ولا يتخذون دفاعهم عنها وترافعهم عليها سبيلا كي يفرضوا عليها قناعات معينة وتشكيكها في قناعات أخرى مضادة ، يتركونها هي من تقرر، وهي من تختار، ويكتفون بدورالمساعد والمساند والخادم الإجتماعي الذي تضبطه مصلحة المرأة، ولا شيء غيرها …