تشهد قضية الصحراء تطورات سياسية مستجدة، وإن كانت هذه التطورات ما هي إلا رأس جبل الجليد إلا أن لها دلالات لا يمكن أن تمر دون أن نضعها في سياقاتها المختلفة ونضع مآلاتها المحتملة، فقد نظم الأمين العام للأمم المتحدة زيارة للمنطقة ظل المغرب يتحفظ عليها، فبعد جولته في كل من مورطانية والجزائر حط الرحال بالمنطقة العازلة التي تسيطر عليها جبهة البوليساريو وتسميها ب “الأراضي المحررة”، وبعد أن أنهى زيارته سجل المغرب شجبا قويا لهذه الزيارة حيث أعتبر أن الأمين العام للأمم المتحدة قد تخلى عن حياديته تجاه قضية الصحراء حين نعت المغرب بالدولة “المحتلة” ، وهو الشجب الذي وتر علاقة المغرب بالمنظمة الأممية فأتخذ المغرب مجموعة من القرارات السياسية التي كان أهمها السحب التدريجي للتجريدات العسكرية المشاركة في المهام الأممية وطلب تقليص موظفي بعثة “المينورسو” مع وقف الدعم الطوعي للمغرب لهذه البعثة والحماية الامنية لعناصرها.

تطورات جد سريعة تأتي في سياق احتفال المغرب بأربعينية ذكرى “المسيرة الخضراء” وإعلانه جهارا نهارا بأن لا حل لقضية الصحراء إلا في إطار “الحكم الذاتي” كأحد تطبيقات مبدأ تقرير المصير، واحتفال جبهة البوليساريو بذكرى إعلان دولتها بالمنطقة العازلة وتشبتها بمواقفها التقليدية، مع توقف مسلسل المفاوضات المباشرة المتعثرة أصلا، والتي دامت لعقود دون تمخض حل ينهي صراعا يرخي بظلاله على منطقة المغارب وعلى مستقبل شعوبها، وتعبر هذه التطورات عن إستعاب الأطراف وخاصة المغرب أن النزاع قد وصل للباب المسدود وأن القابضين بخيوط اللعبة على المستوى الدولي من حلفائه التقليديين يتجهون لصياغة مسودات مشاريع حلول للنزاع، وهو ما تداولته مجموعة من المنابر الإعلامية أن هناك حل يتدارس بين كل من فرنسا وأمريكا وبريطانيا يطلق عليه “الارتباط الحر” يجمع بين الحكم الذاتي واستفتاء تقرير المصير يقضي بمنح البوليساريو دولة مرتبطة بروابط قانونية لم تحدد بالدولة المغربية، وذلك على شاكلة سياسة الكومنولث، وهو مشروع الحل الذي يرفضه المغرب بشكل قاطع، وهو ما يفسر حسب بعض المراقبين الزيارة الملكية التي قام بها الملك محمد السادس إلى فدرالية روسيا.

إن العارفون بخبايا الدبلوماسية المغربية يعون جيدا أن القرارات المصيرية التي تتعلق بقضية الصحراء تتخذ في دوائر ضيقة،  وأنها ليست اعتباطية ولا ارتجالية وأن قوتها في ارتجاليتها الظاهرة، فالقرارات الأخيرة هي نتاج لاستيعاب المغرب للأفق الذي يتجه إليه النزاع في إطاره القانوني والسياسي والذي يشي بمجموعة من التعقيدات ستطال القضية على المستوى الدولي، إلا أن عودة النزاع للمربع الأول سيفتح المنطقة على احتمالات غير متحكم فيها، لعل أسوئها عودة النزاع العسكري وبالتالي فتح المنطقة المغاربية على التهديدات الإرهابية التي تتنامى كل يوم خاصة بمنطقة الساحل وليبيا.

إن القرارات السريعة التي إتخذها المغرب كانت حاسمة بالنسبة له، لأنه يعي أكثر من غيره أن أي تحول في الأعراف الدولية والمفاهيم المتداولة التي ترسخت حول الصراع هو تحول في المواقف سيضعف ما راكمه المغرب لسنوات في تدبيره للملف، ولعل تصريحات “إسماعيل أبروا جاسبار”، رئيس مجلس الأمن الدولي للدورة الحالية ومندوب أنغولا الدائم لدى الأمم المتحدة، للصحفيين، عقب جلسة مشاورات مغلقة عقدها مجلس الأمن واستمرت لأكثر من 3 ساعات، يوم الخميس 19 مارس تبين أن المغرب قد حقق جزء من ـالأهداف غير المعلنة لقراراته،فقد صرح السيد “إسماعيل أبروا جاسبار” بأن  “أعضاء المجلس يشعرون بالقلق العميق إزاء ملف مينورسو، وأنهم اتفقوا على أن ينخرطوا (15 دولة) وبشكل ثنائي مع المغرب، لإعطاء دفعة إيجابية للملف نحو الأمام”. 

إن الأطراف الرئيسة في نزاع الصحراء تدرك أن الحرب لن تعطي إلا خاسر خاسر، خاصة أنها جربتها في ظروف موضوعية مواتية إن على المستوى السياسي أو الإقتصادي أوحتى الدولي، فكانت النتيجة نفسها فما بالك بالظروف الحالية التي تعيش فيها أطراف النزاع إكراهات على مستويات جمة مع تنامي المخاطر الأمنية الإقليمية، لهذا فيمكن القول أن ما تشهده المنطقة الآن من تطورات لا يعدو أن يكون معارك دبلوماسية جانبية لن تؤثر من الأمر الواقع للنزاع الذي ترسخ لعقود، وان أية خلخلة لهذا الأمر الواقع لن يكون إلا بالإرادة السياسية الواقعية لأطراف النزاع.