بعد أن اكتسح حزب العدالة والتنمية كل دوائر مدينة طنجة وبأغلبية مطلقة، كان من الطبيعي أن تطرح على الطاولة الأسماء المناسبة لمنصب العمودية، ولم تكن الخيارات كثيرة، فالأسماء الأربعة المرشحة لم يكن مؤهلا منها لاعتبارات عديدة، إلا محمد البشير العبدلاوي (الكاتب الجهوي للحزب والقيادي بنقابة الاتحاد الوطني للشغل) ومحمد خيي الخمليشي (الكاتب الإقليمي للحزب والقيادي البارز بشبيبته) .

وقبل التفصيل على هذا المستوى لا بد من الإشارة إلى غياب شخصية مهمة عن سباق العمودية، وعدم مشاركتها في انتخابات 04 شتنبر 2015 يطرح أكثر من علامة استفهام، خاصة وأن كل الإشارات كانت تشير إلى تقلدها لهذا المنصب الذي كان سيناسبها بالنظر لكاريزما نيتها وتكوينها ومكانتها ومواقفها القوية من عدد من القضايا التي تمس الحياة السياسية الوطنية والمحلية، وكان من المنتظر جدا أن يكون مسار التجربة الحالية في تسيير وتدبير عروس الشمال مختلفا.

لكن يبدو أن سيرة محمد نجيب بوليف كانت سببا حسب العديد من التقديرات “للتدخل” للحيلولة دون مشاركتها في حفلة 04 شتنبر، لأن الترشح يعني بكل بساطة الوصول إلى العمودية، فالطريق ستكون سالكة بسبب عدم وجود شخصية منافسة، وهو ما انتبه له سلفا، لدرجة أن هناك من يرى أن حشر بوليف في وزارة صغيرة مليئة بكل تلك المشاكل والإشكالات هدفها الأساسي هو الإلهاء، وتغييبه عن الساحة المحلية والوطنية، وهو ما تم النجاح فيه إلى حد بعيد، فأين بوليف من الواجهة التي كان يحتلها، والمواقف القوية التي كان يعبر عنها، ومشاركته في العديد من المبادرات المحلية والوطنية بوأته الصدارة ومنحته مساحة واسعة في الإعلام والنضال الوطني ؟

لتبقى العديد من الأسئلة على هذا المستوى بدون أجوبة إلى حين، فهل عدم ترشح محمد نجيب بوليف لانتخابات 04 شتنبر أملته اعتبارات شخصية؟ أم هو قرار داخلي للحزب بقي غير معلن حتى الآن؟ أم أن الأمر يتعلق بجهة ما من خارج الحزب لم تكن تريد لشخصية بدا أنها في ذلك الوقت قوية، الوصول إلى عمودية مدينة من حجم طنجة ؟ وهو ما يعني إغناء مشاركة قد تكون مختلفة من داخل المؤسسات كما يمكن تصورها، وقد تحقق لحزب العدالة والتنمية إشعاعا ومكاسب سياسية لم يستطع أن ينالها الحزب الاسلامي حتى الآن كما سيأتي، لأن مبادرات السلطة محليا لم تجد حتى الآن من يفرملها ويضع النقط على الحروف، خاصة بعد ظهور العديد من الملفات في المدة الأخيرة هدفها الأساسي إحراج العمدة ووضعه في موقع لا يحسد عليه، بل وصل الأمر إلى حد “تكبيل” يد العمدة في العديد من القضايا بعد أن تم اقتطاع وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ تجربة التسيير المحلي بالمغرب، أزيد من 5.2 مليار سنتيم من حساب الجماعة ببنك المغرب بسبب الأحكام القضائية النهائية المتعلقة بملفات نزع الملكية، في ظرف بضعة أشهر.

مما زاد من “متاعب” التجربة الحالية لحزب العدالة والتنمية في تسيير وتدبير شؤون المدينة هو الاختيار غير الموفق لبعض نواب العمدة، الذين شكل جزء منهم “عبئا” إضافيا لرئيس الجماعة الذي وجد نفسه أمام ملفات ضخمة منذ اليوم الأول

وبعد أن نزعم أنه تم إبعاد محمد نجيب بوليف، طبعا بقي الباب سالكا أمام السيد محمد البشير العبدلاوي الكاتب الجهوي للحزب لسنوات، كما أنه شغل لمدة طويلة مهمة الكاتب الجهوي لنقابة الحزب الاتحاد الوطني للشغل، وعرف عنه أنه من دعاة التقارب والتعاون مع السلطة، كما أنه سجل عنه محاولاته المتعددة تسهيل مأمورية العمدة السابق فؤاد العماري خلال الشهور الأخيرة من عمر ولايته، من خلال التصويت أو الامتناع عوض التصويت ضد على مجموعة من النقاط التي بقيت عالقة لشهور طويلة، هذا فضلا عن ضغطه من داخل مؤسسات الحزب إلى جانب صديقه البرلماني الدكتور عبد اللطيف بروحو لإحداث نوع من التقارب مع حزب الأصالة والمعاصرة بطنجة والجهة عموما، ظهر ذلك وبوضوح حسب العديد من المراقبين خلال أول دورة لمجلس جهة طنجة تطوان الذي يترأسه إلياس العماري أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، بعد أن قبل عبد اللطيف بروحو عن العدالة والتنمية رئاسة لجنة المالية بدعوى أن اللجنة مخصصة للمعارضة، مع العلم أن هناك مكون سياسي آخر معارض، قبل أن تتدخل الأمانة العامة للبيجيدي بضغط بين من قيادات محلية يتقدمها الكاتب الإقليمي للحزب، رئيس مقاطعة بني مكادة .

ومما زاد من “متاعب” التجربة الحالية لحزب العدالة والتنمية في تسيير وتدبير شؤون المدينة هو الاختيار غير الموفق لبعض نواب العمدة، الذين شكل جزء منهم “عبئا” إضافيا لرئيس الجماعة الذي وجد نفسه أمام ملفات ضخمة منذ اليوم الأول، فعوض أن يساهم هؤلاء في مساعدته على تخطي بعض “المحن” التي بدا واضحا أنها من تدبير السلطة المحلية ـ سنأتي لهذا لاحقا ـ خرج هؤلاء بتصريحات زادت من تأجيج الشارع ( ملف أمانديس نموذجا ) لتنضاف بذلك إلى تصريحات العبدلاوي المتسرعة، وهو ما كان صداه وبقوة في الشارع ووسائل الإعلام ولدى كتاب الرأي ومواقع التواصل الاجتماعي ..

ليس هذا فحسب فإن معاملة السادة نواب العمدة للمحتجين أمام مكتب العمدة (على سبيل المثال لا الحصر) اتسمت بالحدة عوض الاحتواء، وبالمواجهة عوض الاستماع، خاصة وأن الموقف يتطلب الصبر وطول النفس.. ما دمت تتحمل مسؤولية جسيمة كهذه، أما الصراخ والتهديد في وجه المحتجين الذين تبدو قضاياهم عادلة ( أمانديس، تهيئة طنجة، تجار بني مكادة ..) فإنه يعطيهم صورة أخرى غير تلك التي سبق وأن تم الترويج والإعلان عنها، ويعطي صورة أخرى للمؤسسات المنتخبة التي تعرف محاولات تهميش وتشويه وتنقيص مقابل تضخيم وتلميع عمل المؤسسات المعينة وفي مقدمتها مؤسسة الوالي عبر إعلام بعضه أنشئ لهذا الغرض.يتبع ..