تعد كلمة “العدالة الاجتماعية” من أكثر الكلمات تداولا في البرنامج الإنتخابي لحزب المصباح إستعدادا لمحطة 25 نونبر 2011، إذ ذكرت 24 مرة (في التقديم العام، في الشق المتعلق بالإصلاح الإقتصادي، في إصلاح المنظومة التعليمية وفي إصلاح السياسات الإجتماعية). وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على أن مبدأ “العدالة الإجتماعية” كان من الركائز التي بني عليها حزب المصباح برنامجه الإنتخابي لتلك المحطة. وإذا كانت العدالة الاجتماعية نظام اقتصادي واجتماعی يهدف إلى تقليص الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع فما هي حصيلة السياسات الاجتماعية لحكومة بنكيران فيما يخص مبدأ العدالة الاجتماعية ؟ 

1. صندوق المقاصة : كان إصلاح صندوق المقاصة على رأس اهتمامات الحكومة الحالية، حيث أن عبد الإله بنكيران تعهد، في عدة مناسبات، أمام المغاربة، بفتح هذا الورش الإصلاحي وفق مقاربة جديدة مبنية على مرتكزين : الأول : تحرير الأسعار (قبل الإصلاح، كانت الدولة تقوم بدعم بعض المواد الأولية). والثاني : إعطاء دعم مباشر للمواطنين كي يكون وقع المرتكز الأول محدودا. وقد قامت الحكومة الحالية بتحرير الأسعار، وبالتالي أصبحت الدولة تخصص ميزانية ضعيفة لصندوق المقاصة. ولكن، أهم نقطة في هذا الورش متعلقة بالمرتكز الثاني، القائم على مبدأ العدالة الإجتماعية، لم يطبق إلى يومنا هذا. صحيح أن الظرفية الحالية للسوق العالمي لعبت لمصلحة هذه الحكومة، لكون ثمن النفط قد ٱنخفض بشكل كبير، وهو ما يؤثر بالإيجاب على المستهلك كذلك، لكن كل التوقعات تؤشر على أن هذه الحالة لن تدوم طويلا، وأن ثمن النفط قد وصل لحده الأدنى. ما المتوقع ؟ قريبا، سيرتفع ثمن النفط، و بشكل سريع. حينها سيعرف ثمن العديد من المواد الأولية ارتفاعا مهما، وسيتحمل المستهلك عبأ سياسة تحرير الأسعار دون أي مساعدة مادية من الدولة.

2.  الصحة : الكل يتذكر مسلسل احتجاجات طلبة كلية الطب على وزير الصحة بشكل خاص وعلى الحكومة بشكل عام، فيما يخص الخدمة المدنية الإجبارية. للأسف، إن مالم يتداول من طرف الإعلام ولا حتى من طرف الطلبة (أو بشكل ضعيف)، وهو بالنسبة لي أصل المشكل، هو خوصصة قطاع الصحة وفتحه للمستثمرين الأجانب. في سنة 2012، أصدر البنك الدولي تقريرا  (Equité et Redevabilité: S’engager en Faveur des Systèmes de Santé au Moyen-Orient et en Afrique du Nord) يقر فيه اعتماد برامج لدعم القطاع الخاص من أجل الإستثمار في الصحة في دول شمال إيفرقيا والشرق الأوسط خلال الفترة (2013 2018). وقامت حكومة بنكيران بتلبية هذه الدعوة في 28 ماي 2013، حيث منح البنك الدولي للمغرب دعم مالي قدره 100 مليون دولار ل”إصلاح” أنظمة الحماية الإجتماعية. وفي يناير 2014، كان هناك مقترح وزاري لمراجعة القانون 10.94 المتعلق بمزاولة الطب، من أجل تحرير قطاع الصحة وفتح المجال للإستثمار الأجنبي والخاص. ما المتوقع ؟ واهم من يظن أن المستثمرين سيقومون بفتح عيادات بالمناطق النائية في المغرب. سيتثمرون أموالهم بالمدن الكبرى كمراكش، الرباط، طنجة، أكادير، الدار البيضاء، إلخ. خير دليل على ذلك هو فتح أشغال بناء المشروع الاستشفائي السياحي بمدينة مراكش في أكتوبر 2012، الذي ستنجزه شركة “تسويق للتطوير والتسويق العقاري” الإماراتية بغلاف مالي إجمالي يصل إلى 40 مليون دولار. وستساهم هذه السياسة النيوليبرالية في توسيع الفوارق الإجتماعية، بشكل كبير، فيما يخص الولوج للصحة.

3. التعليم : كي أكون موضوعيا في تقييمي لهذه النقطة، من المستحيل أن أحمل للحكومة الحالية هذا الوضع المأساوي لمنتظومتنا التعليمية، لكون المشكل قد بدأ سنة 1999 مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ثم المخطط الإستعجالي سنة 2009 واختتمها بنكيران في 2014 لما صرح في لقاء منظم من طرف البنك الإفريقي للتنمية أنه “حان الوقت لكي ترفع الدولة يدها عن مجموعة من القطاعات الخدماتية، مثل الصحة والتعليم، وأن يقتصر دور الدولة على منح يد العون للقطاع الخاص الذي يريد الإشراف على هذه القطاعات”. علما أن إصلاح المنظومة التعليمية كان من أهم الأوراش التي نص عليها برنامج حزب المصباح سنة 2011. ما المتوقع ؟ إن كان دور الدولة يقتصر فقط على مساعدة القطاع الخاص الذي سيشرف على هذه القطاعات، فلماذا يستمر المواطنون في دفع الضرائب؟ أن هذا السيناريو المبني على خوصصة التعليم في المغرب يعتبر كارتي. وهناك إجماع، من طرف العديد من الدراسات والأبحاث المختصة في هذا الموضوع، على أن خوصصة المنظومة التعليمية في الدول النامية يؤثر سلبا على مبدأ “حق التمدرس”. وإن كانت الدولة لا تتوفر على الميزانية الكافية، فلتبحث عنها في جيوب من قاموا بإفلاسها.

4. نظام التقاعد : إن فلسفة نظام التقاعد القائم على مبدأ التوزيع (القائم حاليا في المغرب) مبني على مبدأ العدالة الإجتماعية. يعني أن هناك تماسك وتضامن اجتماعي بين العمال والموظفين (المساهمات) والمتقاعدين (المعاشات). وقد أكد عبد الإله بنكيران أنه حسب التوقعات، ستعرف نسبة العمال والموظفين تراجعا ملحوظا، في مقابل ارتفاع نسبة المتقاعدين. ويعني هذا أن صناديق التقاعد لن تكون بحوزتها المساهمات الكافية لدفع معاشات المتقاعدين. هذه الأزمة الديمغرافية تعاني منها العديد من الدول النامية والمتقدمة. ولمعالجتها، قامت بعض الدول بإصلاح شامل لنظام التقاعد، وأخرى بإصلاحات بارامطرية (Réforme paramétrique)، كالزيادة في سن التقاعد، والزيادة في المساهمات أو تخفيض المعاشات. حكومة بنكيران اختارت القيام بالإجراءات الثلاث (الزيادة في سن التقاعد، والزيادة في المساهمات وتخفيض المعاشات). فقط للتوضيح، تاريخيا، هناك دولة واحدة قامت بمثل هذا “الإصلاح” خلال التسعينيات، وهي تشيلي التي كانت تمر حينها بإزمة ماكرواقتصادية صعبة للغاية. وربما اليونان قد تقوم هي كذلك بنفس الإصلاح (والكل يعرف الظرفية الجيو اقتصادية التي تمر منها اليونان). ما المتوقع ؟ سيؤدي هذا المقترح الحكومي إلى ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، نظرا لارتفاع نسبة المساهمات (بالنسبة للعمال والموظفين) وتخفيض نسبة المعاشات (للمتقاعدين). وفي الأخير، لن يكون لهذا الإصلاح أي تأثير على نظام التقاعد ككل، على المدى البعيد. فهناك عدة دراسات وتجارب دولية أثبتت أن هذه الإصلاحات الترقيعية لا يكون لها أي تأثير في الدول ذات نسبة تغطية لا تتجاوز 50% (33% في المغرب). والحل هو اعتماد آليات وبرامج من أجل توسيع هذه النسبة.

عند تتبعي لسياسة حكومة بنكيران فيما يخص هذه الأوراش (صندوق المقاصة، التعليم، الصحة و التقاعد). يتبين أن مبدأ العدالة الإجتماعية كان بمتابة كذبة أبريل على المغاربة. و ممكن القول أن كريستين لاغارد (مديرة صندوق النقد الدولي) جد راضية على هذه الحصيلة، لكون الحكومة قد استجابت لجميع مطالبها عوض أن تستمع لنبض الشارع.