منذ انتدابه كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء زار كريستوفر روس المنطقة بشكل متكرر أكثر من ثلاث مرات في رحلات مكوكية موزعة بين مخيمات اللاجئين بتندوف ومدن العيون، السمارة والداخلة رغم أن القضية بالنسبة له لاتعدو كونها ملفا آخر كلف بمهمة الوساطة فيه لتقريب وجهات النظر، يبقى أمر إيجاد حل فيه متروكا لمدى جدية الأطراف الأساسية المعنية بالنزاع والتي تعد المتضررالأول والأخير تنمويا، اجتماعيا، سياسيا واقتصاديا من استمرار جموده، وعلى النقيض من مجهودات ومساعي المبعوث الأممي الحثيثة للتعرف على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالنزاع جغرافيا، بشريا وسياسيا…، فالسادة وزراء الخارجية والدبلوماسييون ورجال المخابرات المغاربة والذين يعتبرون الصحراء قضيتهم الأولى، نادرا ما تطأ أقدامهم مدشرا من مداشرها بغية التعرف عن قرب على المنطقة وأحوال أهلها و مشاكلهم و انتظاراتهم ومقترحاتهم.

  بل إن بعضهم يكاد لايميز المناطق المشمولة بالنزاع عن غيرها دون إستعمال الخريطة وحتى خلال الحملات الإنتخابية التشريعية والجماعية التي تستفيد فيها الأحزاب الكبرى من خزان إنتخابي مهم ترفع به عدد مقاعدها البرلمانية والجماعية، وتعمل الدولة عبرها على تسويق نظرية اندماج و انخراط الصحراويين في الحياة السياسية دون أي حساسيات، يظل الحديث عن الشق السياسي المتعلق بالقضية والمتمثل في الجهوية الموسعة والحكم الذاتي المقترح من قبل المغرب غير حاضر بالمرة في البرامج الإنتخابية، رغم أن الخطاب الرسمي للدولة سبق و تبناه منذ حوالي عشر سنوات كحل نهائي وعادل للنزاع، يثار إعلاميا وشعبيا كلما استجد جديد أو طفى إلى الأفق تطور أو تبدل في مواقف القوى الكبرى تجاه الملف .

 على أنه وعلى امتداد زيارات روس كان يتضح شيئا فشيئا التصور العام الذي إستخلصه المبعوث الشخصي للأمين العام حول النزاع، ففي زيارة سابقة لتندوف ترك رسالة مشفرة إلتقطتها جبهة البوليزاريو وإشتغلت عليها كما يجب، ويتعلق الأمر بتلك الكلمات المليئة بعبارات التعاطف والمؤازرة التي خطها بيده على صفحات السجل الذهبي لمؤسسة أو نادي شعبي بتندوف من بين ماجاء فيها:       ” مع كامل التوفيق في هذه الظروف القاسية … ”   

 المتتبع لقضية الصحراء على مدى أربعين سنة سيدرك أن هنالك أكثر من جهة مسؤولة عن تدبيرالملف داخل المغرب، تظهر على الواجهة عند أصغر إنتصار وتختفي كلها عند أول إخفاق، لكنها تتفق -بشكل أو بآخر- على تهميش أبناء المنطقة وإبقائهم بعيدين عن بلورة أي تصورات أو رؤى تخص مستقبل النزاع

      ثم توالت بعدها الزيارات وفي كل زيارة يتضح جليا توتر العلاقات بين الدبلوماسي الأمريكي المخضرم والدبلوماسيين المغاربة، فكان إعلان المغرب رسميا سنة 2012 سحب ثقته من روس وتصريح وزيرالخارجية ثلاث سنوات بعدها أن المبعوث الأممي ممنوع من زيارة مدن الصحراء، على اعتبار أن كل المسؤولين المغاربة الذين يود لقاءهم يوجدون بالرباط، موقفانسرعان ما لانا   -كل في وقته- بسبب تشبت الأمين العام بمبعوثه الشخصي وبأحقيته في زيارة أي بقعة من مناطق النزاع وقت ما يشاء وهي رسالة أخرى دالة على أن التقارير التي كان روس يرفعها إلى رئيسه، كونت لدى هذا الأخير نفس قناعات مبعوثه ومن تم كان الدعم والتأييد القوي لكل مبادراته ومواقفه، لتظهر نذر تصادم وشيك بين الأمانة العامة للأمم المتحدةذاتها والمغرب، ثم جاءت الزيارة الشخصية الأخيرة لبان كي مون إلىتندوف وماتضمنه برنامجها من سلوكات وتصريحات للأمين العام حول الصحراء ووصفه للمغرب بالمحتل لتقطع حبل الود بين الطرفين نهائيا .

  ينضاف إلى ماسبق من تخبط شديد وإرتجالية في تقدير المواقف وردود الأفعال التي أصبحت سمة ملازمة للدبلوماسية المغربية، تغييب شبه تام للعنصر الصحراوي في تدبير قضية هو المعني الأول والأساسي بها،فبإستثناء منصب وزير منتدب وبعض رجال السلطة من درجة عمال وولات وبعض السفراء والقناصل والذين غالبا ماتكون خدماتهم إستشارية فقط، تبقى المناصب والمهام المسندة للصحراويين مناصب متوسطة إداريا وغير مؤثرة ومحددة في تمثيل متواضع يهم خاصة الهيئات الحقوقية الدولية مع مايرافق ذلك من وصاية لرجال المخابرات والداخلية. 

    إنعدام الثقة في العنصر الصحراوي رغم الكفاءات التي تتوفر عليها مدن ومداشر المنطقة، والإصرارعلى منطق العلاقات الشخصية والولاءات الضيقة لبعض الأجهزة الأمنية في “تعيين”  ممثلين عن الصحراويين يؤدي أحيانا إلى الدفع ببعض العناصر قليلة الخبرة والتكوين للترافع عن المقترحالمغربي وفي أحيان أخرى يتم إعتماد أشخاص يفتقدون لأدنى أبجديات التحليل السليم للمعطيات وعدم مواكبة دقيقة لتطورات الملف، أما جغرافية المنطقة والتصنيفات القبلية وتاريخ النزاع ومآل تحديد الهوية ومهام بعثة المينورسو والمسافات الفاصلة بين الحزام الأمني والمنطقة العازلة وحقول الألغام وغير ذلك من المعلومات الحساسة والهامة، فمعرفتها تظل عند هؤلاءترفا فكريا لامجال لبلوغه ولو بعد حين.  

كل ماسبق أضر بالمغرب كثيرا وأسهم في تحجيم وضعف موقفه دوليا، ذلك أن تلك التمثيليات من مندوبين وسفراء ومبعوثين رسميين وغير رسميين غالبا ما يتعرضون لمواقف حرجة في المحافل الدولية (منتديات حقوق الإنسان، مناظرات إعلامية، ملتقيات شبابية…) أمام ممثلين عن جبهة البوليزاريو ملمون بكل جوانب النزاع التاريخية والجغرافية والإثنية…، الذين يظهرونتفوقا كبيرا في الإقناع وحشد التأييد والتعاطف لطروحاتهم.  

 على طاولة الأمم المتحدة تتوزع أوراق اللعب في نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة البوليزاريو بالتساوي، تحرك البوليزاريو أوراقها بهدوء وفعالية وفي الوقت المناسب، بينما تتكرر أخطاء المغرب وهفواته جولة بعد جولة وبدل أن يقف على مكامن الخلل لديه ويحاول إعادة ترتيب أوراقه واستعمالها بالشكل الصحيح، يصر على انتهاج سياسية الهروب إلى الأمام في مسار أوصله للتصادم مع أهم القوى المؤثرة في النزاع، بدءا بالإتحاد الإفريقي مرورا بدول أمريكا اللاتينية والإتحاد الأوروبي ومؤسساته المختلفة وانتهاء بأعلى موظف في هيئة الأمم المتحدة .

   المتتبع لقضية الصحراء على مدى أربعين سنة سيدرك أن هنالك أكثر من جهة مسؤولة عن تدبيرالملف داخل المغرب، تظهر على الواجهة عند أصغر إنتصار وتختفي كلها عند أول إخفاق، لكنها تتفق -بشكل أو بآخر- على تهميش أبناء المنطقة وإبقائهم بعيدين عن بلورة أي تصورات أو رؤى تخص مستقبل النزاع. فهل سيغير المغرب منهجية تعاطيه مع الملف أم أنه سيواصل العمل بنفس الأساليب والخطط وبالتالي حصد المزيد من الهزائم والكبوات ؟