ليس في ذلك أي عجب.. لا يحق بالمطلق إقران “المسلم” في أَذهان البعض بذلك الإنسان المتعصب، الذي لا يتحاور، ويعتقد أنه على صواب بالمطلق، ولا تحق مناقشته أو اعتراضه.. صادق خان من أصول مسلمة، حتى لنفترض لو أنه “مسلما لا يطبق الشعائر”، فتلك الصفة تبقى بمثابة سبة تلاحقه وتلاحق حفدته عند متعصبين من الطرف الآخر، لقد نجح صادق خان في محو كل تلك الأوصاف القدحية، انطلاقا من أصوله الفقيرة، مرورا بانتمائه لعالم آخر مختلف، ونهاية بفرض قبوله، بنجاحه في مجتمع يعتبر منذ القرن التاسع عشر الأكثر تنظيما وإبداعا.. كما نجح الأنجليز في قفزهم على كل تلك النزَعات العنصرية والاحتقارية، وهم يصوتون على رجل من أصول “أجنبية” ليسلموه عمادة عاصمتهم.. فما دلالات ذلك؟ 

ـ صادق خان لم يستسلم لوضعه، درس وأصبح محاميا، واشتغل في التطوع المدني، وناصر قضايا حقوق الإنسان، وانتمى لحزب “تقدمي” اسمه “حزب العمال”.. إلى أن أصبح وزيرا في الحكومة، وبذلك راكم، وكوّن خبرة، واستحق عمودية لندن، وخاض انتخابات “شرسة”، واقنع المواطنين ليصوتوا على مشروعه بدون ضغوطات أو شراء الأصوات..

ـ صادق خان لم يختر الانعزال والتقوقع، أو ركب التطرف، وشرع يحلم بعودة ماض قديم انتهى منذ زمن بعيد، ويستحيل عودته، هو رجل يؤمن بالغد، بالمستقبل، لهذا لم يفكر في عناق كلاشنكوف أو يتمنطق بحزام ناسف وينتقل إلى ميدان الموت، يقتل ويُقتل. بل دخل غمار البناء وترسيخ الحياة، وخدمة مجتمع احتضنه..

ـ كثْـرٌ مَن اعترفوا بكفاءة صادق خان، وصوتوا لصالحه، وفي الغالب قلة من اعتبروه “براني”، قادم من وراء البحار، أو ابن فقير كان مجرد سائق حافلة يجمع قوت يومه.. ومن يدري، فقد يصبح صادق خان في يوم من الأيام رئيس وزراء بريطانيا، حيث الحكم التنفيذي للمنتخبين..

صادق خان اندمج بنجاح في مجتمع بنى صرحه على أسس الحق في الاختلاف، وتحمل المسؤولية ضمن فريق، والمرور عبر صناديق الانتخابات، ثم التنحي عن كرسي المسؤولية متى يحين وقت ذلك بمنتهى الأريحية والليونة، ليترك المكان لآخرين..

ـ صادق خان ليس “فاتحا” أرسلناه لبلاد الضباب ليكرر خطبة “طارق بن زياد”، ويدعو “قومه”، وبني “ديانته” لحرق السفن، والاستعداد للطعن والطعان.. 

ـ صادق خان اندمج بنجاح في مجتمع بنى صرحه على أسس الحق في الاختلاف، وتحمل المسؤولية ضمن فريق، والمرور عبر صناديق الانتخابات، ثم التنحي عن كرسي المسؤولية متى يحين وقت ذلك بمنتهى الأريحية والليونة، ليترك المكان لآخرين..

ـ صادق خان تفوق علينا نحن الذين إما نرزح تحت استبداد ظاهر أو مُبطّن، أو نعاني من ويلات تقاتل داخلي لا يُبقي ولا يدر من أجل السلطة وخدمة أجندات الآخرين.. نحن أبناء العالم الإسلامي، يجب أن نُسائل أنفسنا، هل نحن قادرون أن نضمن للآخر المختلف حق التنفس والسير بأمان على الأرض قبل بقية الحقوق الأخرى؟

ـ الدرس القويم مما يحق أن يعلمه كل صاحب فكر سليم، أن مسألة التديّن والديانات عند الآخرين لم تعد ذات قيمة كبيرة كما نعتقد، بناء الأوطان يقوم على تنافس المشاريع، والتشريع يقوم على تصويت المنتخبين كما في أنجلترا، أو على استفتاء الشعب كما في سويسرا، وليس على حق سماوي يحاول فرضه من يزعمون أنهم “وسطاء” في الدين رغم أنهم لا يعلنون عن ذلك صراحة.. هناك حق التدين من عدمه مكفول للجميع، وحق إقامة الشعائر في كامل الطمأنينة تضمنه الدولة، لكن، في حدود أن تبقى علاقة “المؤمن” بربه، كيفما كانت معتقداته..

ـ صادق خان كبُر وترعرع في مجتمع يعترف بالكفاءة، ولا يسمح بمَعْيَرَةِ الناس انطلاقا مما يُمارسونه من شعائر، ولكن، من خلال سلوكهم، وكفاءاتهم، واحترامهم للقوانين، وتفانيهم في خدمة المجتمع.. 

فهلا، اعتبرنا، واستفدنا، واقتنعنا بأن كلَّ أشكال التعصب تقود إلى التهلكة..