ما يتجاهله أو يجهله السيد أفتاتي عن البرنامج المرحلي
استغل السيد عبد العزيز أفتاتي القيادي بحزب العدالة والتنمية بالمغرب حادث عقد البرنامج المرحلي محاكمة طلابية لعاملة قاصر تدعى شيماء في مقصف جامعة مكناس ليقصف خصمه السياسي: فصيل الطلبة القاعديين المعروف بالنهج الديمقراطي القاعدي.
آراء أخرى
وقد استغل برلماني العدالة والتنمية الحادث لتصفية حسابات سياسية مع فصيل طلابي يساري قديم ولا علاقة للتسمية بقدم او حداثة البرنامج كما ذهب الى ذلك، ساخرا ، في حوار مع جريدة المساء ليوم الإثنين 23 ماي. وإنما جرت العادة ان يسمى كل فصيل طلابي بوثيقة ميلاده كتيار الكراس وتيار البرنامج المرحلي وتيار الممانعة وتيار القاعديين المستقلين، وهي تيارات داخل فصيل النهج الديمقراطي القاعدي. وكذلك فصيل”التواصل” التابع لحركة التوحيد والإصلاح/حزب العدالة والتنمية وغيرها.
لذلك نذكره السيد أفتاتي أن البرنامج المرحلي تيار داخل فصيل النهج الديمقراطي القاعدي ولا يوجد داخل المجتمع بل هو مكون فكري وسياسي داخل الجامعة المغربية ومنتسبوه والمتعاطفون معه بالآلاف كل موسم جامعي على مدى 30 عاما. فكيف يمكن الإدعاء أنه خارج المجتمع؟؟.
أما مشكل وجوده أو تطرفه يرتبط بحل مشكل إعادة هيكلة نقابة”الإتحاد الوطني لطلبة المغرب المعروفة اختصارا ب”أوطم” الذي طال انتظاره وصار سرابا ولكنه يبقى حلم من كان أو يكون طالبا.
فكيف يجرؤ السيد أفتاتي على دعوة جهة لم يحددها الى “الإعلان والتصريح بعناصر البرنامج المرحلي “كمجموعة إجرامية، وتنظيم سري لا علاقة له بالبرنامج المرحلي ولا بالجامعة ولا بماركس أو غيره”. وانه تنظيم خارج المجتمع.
صحيح أن محاكمة “شيماء” كانت خطأ. ولم ولن تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة لان الطلبة ليسوا دولة او سلطة لها جهاز قضائي ولا شرعية لمثل هذه الأعراف المنتهية الصلاحية. ونحن لسنا في عهد “دولة المدينة” عند اليونان حتى نعقد المحاكمات الشعبية. ويتعين على الطلبة التخلي عن هذا العرف الذي تجاوزه الزمن سواء من طرف القاعديين أو غيرهم.
والإسلاميين أنفسهم ما فتؤوا يعقدون مثل هذه المحاكمات لعقود ولم نسمع أفتاتي يدينها او يرفض أحكامها او يطالب جهة معلومة او مجهولة بإعلانها جهات خارجة عن القانون ومارقة عن المجتمع يجب دحرها. والأخطر أن بعضها يتم داخل بيوت “الإخوان” خارج الجامعة وتصدر أحكام خرقاء كالضرب وصب الماء البارد على أجسام الطلبة المارقين.
وكان حريا بالسيد أفتاتي أن يدعوا الى فتح نقاش وحوار حول ظاهرة “المحاكمات” الطلابية ومخاطرها على سير الدرس الجامعي.، وإذا به ينبري ليحرض ضد تيار من فصيل النهج الديمقراطي القاعدي معروف وله أدبياته وتاريخه ويطالب باجتثاثه على طريقة اجتثاث حزب البعث في العراق. ويقول أنه خارج المجتمع وعلى اليسار والإسلاميين والحركة الأمازيغية أن يشكلوا جبهة لمواجهته فكريا وسياسيا.
وإلا لماذا لم يدعوا السيد أفتاتي الى جبهة مماثلة لمواجهة فكر الإرهاب؟
شيء من التاريخ
ظهر البرنامج المرحلي سنة1986 فيما يشبه انشقاق عن تياري الكراس والمبادرة التابعين للنهج الديمقراطي القاعدي الذي ظهر في 1979 بعد انشطار فصيل الطلبة الجبهووين الى طلبة 23 مارس: في فصيل الطلبة الديمقراطيون. وطلبة الى الأمام في فصيل النهج الديمقراطي القاعدي. وحاول التيار في ورقة وضع برنامج مرحلي لتجاوز أزمة غياب هياكل للإتحاد الوطني لطلبة المغرب بعد فشل المؤتمر السابع عشر في 1981 في انتخاب قيادة جديدة بعد رفض الاتحاديين تحمل المسؤولية في المكتب الوطني رغم عدم توفرهم على أغلبية في المؤتمر، لان تولي القاعديين لرئاسة وعضوية اغلبية المكتب الوطني لاوطم ستعجل باعتقالهم لانهم مطلوبين للعدالة، ومبحوث عنهم وقد يحاكمون بتكوين منظمة سرية من اتباع حركة الى الامام بزعامة ابراهام السرفاتي.
وخلال المؤتمر 17 نفسه تم طرد محمد اليازغي من جلسة افتتاحه مما عجل بانسحاب الاتحاديين من المؤتمر. كما رفض طلبة التقدم والإشتراكية الانضمام الى المكتب التنفيذي. وكان قرار ما تبقى من المؤتمر هو تجديد الثقة مما تبقى من قيادة المؤتمر السادس عشر غير المنسحبين من المؤتمر على ان يشرفوا على تسيير الإتحاد الوطني في أفق مؤتمر عاجل ومنهم محسن عيوش والرئيس محمد بوبكري.
السيد أفتاتي على البرنامج المرحلي ينطبق على كافة التيارات اليسارية داخل الجامعة أو خارجها. والتيارات اليسارية في العالم لم تعد في معظمها تتبنى العنف، والموجة العالمية للعنف الثوري يقوم بها تيار السلفية الجهادية من قاعدة وطالبان وداعش المنشقين عن الإخوان المسلمون والحركة الوهابية الحاكمة في السعودية.
والكارثة التي حلت بهذه القيادة المؤقتة هي اعتقالها من طرف السلطات مما احدث فراغا في قيادة أوطم على الصعيد الوطني. وأضحت المنظمة الطلابية تعيش حظرا عمليا. وتولت بعد ذلك مبادرات وفصائل وانشقاقات داخل مختلف الفصائل من الاتحاديين والقاعديين وأصبحت قيادة الاتحاد ميدانية ومحلية على صعيد المواقع الجامعية، والقرارات تتخذ فقط في الجموع العامة على صعيد كل موقع جامعي، ومعظم نضالها منصب على آليات رفع الحظر العملي عن اوطم ، فتناسلت الإجتهادات، وسادت الفوضوية والصراعات والبيزنطية داخل مختلف الفصائل وفيما بينها. وأخذت تيارات داخل النهج الديمقراطي القاعدي تتبارى من أجل الوصول الى الأكثر المواقف راديكالية سعيا وراء النبل والنقاء و”النضالية”، وكانت فصائل الإحزاب الإصلاحية أكثر راديكالية من قيادات احزابها، وكان في صراع مستمر معها وغالبا ما كانت تلجمها.
وفي ظل هذه الفوضى العارمة كانت الفصائل اليسارية تنظم محاكمات لكل من خالف “أعراف وقوانين ” الإتحاد الوطني لطلبة المغرب كالتجسس أو العمالة للأجهزة الأمنية او ممارسة الدعارة أو “المسلكيات” المخلة بالآداب العامة أو تعاطي المخدرات والمسكرات داخل الحرم الجامعي.. وكانت أحكامها تختلف حسب اختلاف الحوادث لكن”السياسة الجنائية” لهذه المحاكمات تتفادى إصدار أحكام الإعدام أو الرجم. وكانت في الغالب تقضي بطرد المحكوم عليهم من الدخول الى الحرم الجامعي لمدة قد تصل الى شهر اذا كان طالبا او الى الأبد اذا كان “جاسوسا أو اواكسا أو رجل أمن سري” ويتم تسليم رجال الأمن السري المحكوم عليهم الى الإدارة. وكانت المحاكمات رمزية لا أقل ولا اكثر.
دخول دموي للتيار الإسلامي الى الجامعة
لكن ظهور التيار الإسلامي كوريث غير شرعي لحطام أوطم في1991 غير المعادلة بعقده لمحاكمات على غرار “محاكم التفتيش” تتعلق بالإيمان وتحريم الحب والعلاقات العاطفية والتكفير والزندقة، وكانت كوادر التيار يتفادون محاكمة من ثبت أنه جاسوس أو عضو في جهاز أمني سري. لكنهم يصدرون احكاما بالصفع والرجم بالأحذية والسب والقذف ويطلبون من المحكوم عليه بالدخول الى الإيمان وتطبيق الإسلام. وعادة ما تنتهي هذه المحاكمات “الدينية” التي يعقدونها بمواجهة مع الفصائل اليسارية خصوصا القاعديين باختلاف تياراتهم التي لاتعترف بشرعية وجود تيارات “الإسلام السياسي” كفصائل داخل أوطم لانهم ببساطة إرهابيين ويعتمدون العنف ومسخرون من طرف النظام، وبالتالي فلا شرعية لنضالاتهم او المحاكمات التي يعقدونها.
وكان مجرد رفع شعار “إرهابيون إرهابيون// شكون هما// الخوانجية// فينا هما الخواجنجية…”، حتى تنطلق معارك جاكي شان. وما هي إلا دقائق حتى يشرع اليساريون في أحصاء جرحاهم . ومشهد الطالبات مغمى عليهن والأنين يتصاعد في مختلف الأروقة وعلى مساحات العشب الأخضر المزين بعناية فائقة. فالإسلاميون مصرون، في كل معركة، على ضرب الفتيات على مستوى أثدائهن لسبب غير معلوم. وتجد الدماء في كل مكان.
فشل الحوار الديمقراطي داخل الجامعة
إذن ومع بداية التسعينيات وبالضبط 1991 دخل الإسلاميون على الخط من خلال الهجوم على الحي الجامعي ظهر المهراز بفاس مما خلف عدة قتلى ومئات الجرحى. وكانت بداية عنيفة لدخول التيار الإسلامي بالقوة الى الساحة الجامعية والأمر يهم جماعة العدل والإحسان وتيار بنكيران”الإصلاح والتجديد” (ستندمج مع في رابطة المستقبل الإسلامي وتصبح حركة التوحيد والإصلاح في1996) وظل التياران يمارسان العنف المادي والرمزي ضد التيارات اليسارية طيلة التسعينات. ورغم ادعاء التوحيد والاصلاح والعدل والإحسان عدم استعمال العنف خارج الجامعة فإن فصيليهما داخل الجامعة يستعملان العنف ذاته بشكل ممنهج ومنظم ومدروس من خلال انزالات(ميليشيات من الجزارين والخضارة وبائعي العصائر وطلبة من مختلف المدن الجامعية يستقدمون للجهاد ضد الكفار). واستغلال احداث لمواجهة الخصوم اليساريين داخل الجامعة.
ولن نتحدث هنا عن العنف المتنامي والاغتيالات التي شهدتها فاس في1993 ومقتل أيت الجيد بنعيسى وانتقال العنف الى مختلف المواقع الجامعية. لقد حول الفصيلين مساجد الجامعات الى مقرات حزبية لتخزين الأسلحة”البيضاء” وسط رزم من التمائم والكتب الصفراء ونسخ من القرآن. كما عمدا الى تاسيس ما أسمياه الإتحاد الوطني لطلبة المغرب وينظمون انتخابات لهياكله سرعانما هيمنت عليه جماعة العدل والإحسان. مما حمل تيار التواصل التابع للتوحيد والإصلاح/ العدالة والتنمية الى تأسيس “منظمة التجديد الطلابي” كنقابة طلابية موازية للحزب .
لقد حاول فصيل الطلبة الديمقراطيين التابع لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي رفع شعار”الحوار الديمقراطي” مع الإسلاميينن وكان تدخل قياداتهم في مختلف المواقع الجامعية يحول دون اشتباك بين القاعديين والاتحاديين وطلبة الطليعة والتقدم والإشتراكية، وبين الإسلاميين. وكان ينجح كثيرا في عقد ما يشبه هدنة. لكن اندماج الفصيل في الحزب الاشتراكي الموحد جعل مبدا الدعوة الى”الحوار الديمقراطي” يخف وربما انتهى مفعوله ، وتوارى الى الوراء بعد حل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي واندماجها في اليسار الاشتراكي الموحد الذي صار”الحزب الاشتراكي الموحد”.
وقد خلفت دعوة الطلبة الديمقراطيون الى الحوار الديمقراطي ظهور تيار البديل الحضاري داخل الجامعة لا يتبنى العنف ويدعو الى الحوار مع اليساريين والتحالف معهم لتحقيق الديمقراطيةن وهو اول تيار إسلامي يتبنى الديمقراطية بدلا عن الشورى. كما عمد الشيخ عبد السلام ياسين الى إصدار كتاب”حوار مع الفضلاء الديمقراطيين” الذي بدا انه استجابة لدعوات الطلبة الديمقراطيين ومنظمة العمل ظاهريا لكنه في العمق يتبنى الحوار من أجل تبني الاطروحة الياسينية كما جاءت في كتابه”المنهاج النبوي”.
داعش أخطر من البرنامج المرحلي
لذلك يجب ان نفهم جيدا ما معنى أن يكون البرنامج المرحلي أخطر من داعش حسب تصريح السيد أفتاتي، رغم ان البرنامج المرحلي لم يتورط الا في عمليات عنف قليلة طيلة ثلاثة عقود. فيما داعش قتلت عشرات الآلاف وشردت الملايين في أكثر من بلد خلال سنة واحدة. والبرنامج المرحلي هو تيار علماني يتبنى الماركسية اللينينية كما هي متعارف عليا عالميا، لا يكفر أحدا، ويدعو لمنع أحد من ممارسة طقوسه الدينية. ويدعو الى فصل الدين عن الدولة. فيما داعش فهي تكفر كل من يخالف طروحاتها وتجز الرؤوس وتحرق البشر.
وقد نختلف مع البرنامج المرحلي لكنه تيار موجود وله انصاره وهو قوة فكرية خلاقة للتحليل وفهم الواقع الطلابي والوطني والدولي يجب أخذه بعين الإعتبار. كما ان المنتسبون سابقا اليه هم أعضاء في حزب النهج الديمقراطي. ولا يخفى على أحد العلاقة بين الحزب وتيارات النهج الديمقراطي القاعدي سواء من حيث المرجعية وسواء من حيث الإمتداد البشري.
فمنظور السيد أفتاتي على البرنامج المرحلي ينطبق على كافة التيارات اليسارية داخل الجامعة أو خارجها. والتيارات اليسارية في العالم لم تعد في معظمها تتبنى العنف، والموجة العالمية للعنف الثوري يقوم بها تيار السلفية الجهادية من قاعدة وطالبان وداعش المنشقين عن الإخوان المسلمون والحركة الوهابية الحاكمة في السعودية.
لنلاحظ انه ورغم كل تصرفات الدولة مع الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية بعد الخروج على المنهجية الديمقراطية في 2002 لم يلوح يوما أو يهدد بالعودة الى الشارع. فيما بنكيران وهو على رأس الحكومة يهدد في كل مرة بالعودة الى الشارع إذا ما تم مس”الشرعية” المتمثلة في رئاسة الحكومة، حتى ولو تم ذلك بانسحب مختلف أحزاب الإدارة والشيوعيون من أغلبية حكومته؟ ولاحظوا أن نفس التهديد كان يقوم به محمد مرسي وهو رئيس لجمهورية مصر.
فعقيدة الإخوان في مصر كانت دائما ضد الجيش المصري والقوى التقدمية واليسارية.
وعقيدة الإخوان في المغرب هي دائما ضد اليسار سواء كان فصيل من فصائل القاعديين أو الإصلاحيين واستثناء التحالف مع التقدم والإشتراكية فهو الإستثناء الذي يؤكد القاعدة. وهو زواج متعة مآله الزوال.
وهذا ما يفسر صمت أجهزة العدالة والتنمية والقيادة القطرية للعدل والإحسان على العنف الرمزي والمادي الممارس داخل الجامعة بشكل ممنهج ومنظم من طرف كوادرها ضد فصائل اليسار بالجامعة المغربية.
وأكاد أجزم أن كل كوادرها بالجامعة المغربية حاصلون على أحزمة في الكراطي والتكواندو والكونغ فو..الخ لان الإستعداد للدفاع عن النفس والهجوم على “الغير” أمر متوقع في أي وقت. وقد يستغرب البعض لهذه المعلومة لكنها بديهية من بديهيات الوسط الطلابي.
قد يكون البرنامج المرحلي ارتكب خطأ بعقده محاكمة الشابة القاصر “شيماء” وحلق شعرها وحاجبيها لأنه مس بحقوق الإنسان. لكن هذا لا يسوغ للسيد أفتاتي إخراجه من المجتمع المغربي. والحال انه صناعة فكرية وسياسية مغربية محضة. وظاهرة نقابية داخل الجامعة تطرفها ناتج عن تطرف القرارات الخاطئة التي أصدرها المسؤولون المتعاقبون عن قطاع التعليم بالمغرب وضربها لمبدإ تكافؤ الفرص. وخيانة الحكومات المتعاقبة لمبادئ المدرسة الوطنية التعريب والتمزيغ والتوحيد والتعميم والمغربة.
هذا ما يتجاهله أو يجهله السيد أفتاتي عن البرنامج المرحلي.