"الشيخ" الذي يريد "الزبدة" وثمنها
“إذا كانت لنا غاية في هذه الدنيا فهي أن يعيش كافة البشر، مهما كانت عقائدهم وأديانهم وأجناسهم، في سلام وأخوَّة.” ” عبد الكريم الخطابي”
آراء أخرى
اصدر شويخ مؤسسة السنة بلاهاي جمال احجاج (المدعو ابو اسماعيل) في شهر ماي 2016 المنصرم كتابا باللغة الهولندية بعنوان ‘الرادياكاية في الصورة: التقاء بين النظرة الإسلامية والغربية‘. وهذا الكتاب من الحجم الصغير ويقع في 186 صفحة. تناول فيه قضية فئة الشباب”المسلمين” في هولندا، والذين أصحبوا يصنفون داخل المجتمع الهولندي بالراديكاليين أو المتطرفين وجزءا منهم يعتقد بتبنيهم للإديولوجية الجهادية . ويتطرق المؤلف في هذا الكتاب إلى ظاهرة التطرف الإسلامي في أوساطما يسميه بـ ” الشباب المسلم” في هولندا، لاسيما الريفيون الأمازيغ/المغاربة منهم . فيبدأ بتعريف التطرف وكيفية التعرف عليه والأسباب التي تجعل الشباب يصبحون راديكاليين وكيفية التعامل مع ظاهرة التطرف والعلاقة بين الراديكالية والنزعة السلفية ودور وسائل الإعلام في نمو الظاهرة .
ويوضح المؤلف في مقدمة كتابه أنه سيحاول النظر إلى الظاهر من المنظور الغربي والإسلامي وذلك بناء على الوثائق الرسمية والإستجوابات مع الخبراء وكذا الإعتماد على تجارب ميدانية. ويقدم المؤلف نفسه كإمام في أكبر المراكز السلفية في هولندا، مركز السنة في لاهاي وهو يجمع هذه المهمة بوظيفيته الرسمية في وزارة الدفاع الهولندية التي يشتغل فيها منذ ما يزيد عن 10 سنوات، ويستهل المؤلف كتابه بإيراد رواية ابن عباس عن فرقة حبيب الحروري التي أصبحت لاحقا معروفة بالخوارج . وقتها يسود الاعتقاد/ الرواية ، كيف حاور ابن عباس الحبيب الحروري واستطاع إقناعه مستعملا في ذلك سلاح العلم والصبر. ولاشك أن مغزى هذه الرواية هو المنطلق الأساسي الذي يستند عليه الكتاب سواء من حيث تشخيص ظاهرة التطرف الإسلامي أو معالجتها.
فالمؤلف يعتبر التطرف الإسلامي نتيجة لـ ” ضعف المعرفة العلمية بالدين لدى الشباب المسلمين الذين يصبحون متطرفين”. ويتعين علينا إذن فهمهم وتفهم وضعيتهم والمواظبة في التحاور معهم من أجل إقناعهم . ويعتبرالمؤلف أن الفهم الجيد لعقيدة السلف الصالح في صفاءها ونقاءها هي المنقذ من الضلال . وليس هذا الحل الإ في متناول المشايخ السلفيين الحاملين لـ “العلم” والمنهج الصحيحين. ولهذا فإن المجتمع الهولندي كما غيره من المجتمعات الغربية، مدعو إلى الإعتماد على هؤلاء المشايخ الذين يتعين على الدولة الهولندية أن تعهد لهم بمهمة إرجاع الشباب المتطرف إلى الهدي والطريق الصحيح.
ليس في الكتاب أية عبارة تشجب بشكل صريح لا غبار عليه العنف السلفي الجهادي والنأي عن التنظيمات وممارسات جماعات العنف وتأثيرها على الشبان المسلمين الهولنديين؛ ناهيك عن الممارسات السلفية الرافضة للديموقراطية والحرية والمقصية للآخر
ويقدم جمال أحجاج نفسه كإمام وقائد لمركز السنة في لاهاي كبديل ووسيط بين الشبان المسلمين المتطرفين والمجتمع والسلطات الهولندية، باعتبار انه هو “شيخ” وداعية، ومسجد السنة هي المؤسسة التي يمكن أن تكون مخاطبا في القضايا المتعلقة بتكوين الشبان المسلمين وتنميتهم. وجملة القول أن الحل الذي يقترحه جمال أحجاج هو مداواة ظاهرة التطرف الإسلامي بما هو الداء أي المذهب السلفي. وقبل تفصيل القول في هذه الرؤية يجدر بنا أولا أن نلقي نظرة حول المنهج الذي اتبعه الكاتب في وصف ظاهرة التطرف في أوساط “الشباب المسلم” في هولندا.
يقوم جمال أحجاج في حديثه عن ظاهرة التطرف الإسلامي، بسرد تصورات وتحاليل ورؤى، كثير من الباحثين والخبراء الغربيين، ومؤسسات الدول الغربية،الإدارية منها والأمنية المعنية بظاهرة التطرف، وتكتسي تلك التحاليل والرؤى طابعا علميا لأنها تصف الظاهرة وتفسرها وتحللها، وكذا ربطها بمختلف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية السلبية والمستعصية، المحيطة بالبيئة الحاضنة لتلك الفئة من الشباب في المجتمع الهولندي. والواضح أن أغلب تلك الرؤى والتحاليل صادرة من باحثين وخبراء ومؤسسات علمانية وليبرالية هولندية أو غربية. مقابل هذا يقوم الكاتب بعرضها دون عناء، الواحدة تلو الأخرى، ودون أن يفحصها بالنقد ويستدل بها لكي يبين في نهاية المطافأن تلك الاسباب المجتمعة العريضة والمختلفة والتي تتخطى بالمطلق الجانب الديني ولا دخل للمنظومة السلفية المنتشرة عبر مؤساستها بهولندا فيها، هي من ضمن اسباب انحراف “الشباب المسلم” نحو التطرف ويلقي بالتالي المسؤولية على المجتمع والدولة الهولنديين.
والغريب في هذا النوع من الكتابة التلقينية هو أن المؤلف يحاول باستمرار أن يتستر وراء أطروحات الباحثين والخبراء والمؤسسات الغربية، التي لها كما قلنا طابعا نقديا وعلميا أحيانا وتفسيريا وظيفيا في حالات أخرى، لكي لا يكشف عن وجهة نظره الحقيقية . ومن المحبط كثيرا بالنسة للقارئ الهولندي أن يقرأ كلية الكتاب دون ان يجد في أي فصل من فصوله رأيا صريحا وموقفا واضحا للكاتب من أية قضية من القضايا الحساسة المتعلقة بالعقيدة السلفية وعلاقتها بالتطرف والإرهاب في المجتمع الهولندي. وجلي للعيان أن الكاتب يركب آراء الآخرين للتملص من اتخاذ موقف وتبيان موقعه من الصراع الدائر بين الحركات المتطرفة والقيم الليبرالية والديموقراطية التي هي قوام مجتمع دولة الحق والقانون بدولة تقر بقداسة حرية المعتقد كهولندا.
وليس في الكتاب أية عبارة تشجب بشكل صريح لا غبار عليه العنف السلفي الجهادي والنأي عن التنظيمات وممارسات جماعات العنف وتأثيرها على الشبان المسلمين الهولنديين؛ ناهيك عن الممارسات السلفية الرافضة للديموقراطية والحرية والمقصية للآخر. ومما لاشك فيه أن التهرب المقصود من “الشويخ” السلفي في تحديد مواقف واضحة من مجمل القضايا الفقهية والمجتمعية التي اثثت، ولا زالت تؤثث، لانتشار ثقافة العنف والتطرف وسط الشباب الهولندي، من أصول ثقافية أخرى، وبالخصوص الشباب الريفي داخل المجتمع الهولندي، هو نفاق يرمي الكاتب من وراءه إلى التحايل على القارئ العادي، وكذا المؤسسات الهولندية الرسمية والغير رسمية التي يحاول جاهدا من خلال الكتاب تقديم وصفة جديدة هي ” السلفيتامول “.
يعدنا الكاتب في بداية كتابه بطرح الرؤية الإسلامية للتطرف، وإذا ما قارننا حجم الإهتمام الذي يوليه الشويخ جمال أحجاج للمقاربات والمصادر الغربية مقابل ما يسرده حول ما يعتبره هو رؤية إسلامية لظاهرة التطرف فإننا نفاجأ بذهول كبير اساسه هزالة الأفكار التي يسردها في هذا المجال من حيث الكم والكيف وغياب منهجية واضحة لديه في التشخيص والفهم. ذلك أن عدد الكتاب المسلمين الذين يستشهد بهم “الشويخ” السلفي أحجاج لا يكاد يتجاوز أربعة أشخاص لا يخص الواحد منهم إلا بجمل وفي أحسن الأحيان بفقرات قصيرة. أما من حيث الكيف فإن ما يقدمه أحجاج من أفكار ورؤى يعتبرها إسلامية فهو هزيل جدا ولا يتعدى تعريف التطرف وتفسيره بعامل واحد ووحيد هو ضعف “العلم الشرعي” عند الشباب المسلم .
ويستشهد جمال أحجاج بالشيخ الكويتي طارق الطواري ( أستاذ الحديث والتفسير بكلية الشريعة بالكويت وعضو رابطة علماء المسلمين ورابطة علماء الخليج) فيقدم لنا تعريفا بسيطا غاية البساطة عن التطرف، إنه التنطع والغلو والتشدد مستشهدا، توصيف سطحي يعتبر الغلو التجاوز للحدود التي سطرها الكتاب والسنة سواء على مستوى العقيدة أم على مستوى السلوك. ويرد هذا الشيخ الغلو إلى ضعف العلم الشرعي بل انعدامه عند الشباب . وهذا ما يؤكده المستشار السعودي في مجال التطرف عادل عبد الجبار الذي يعتبر ان الشباب المتطرفين يعتمدون في معرفتهم بالإسلام على الخطب وما يلقيه المشايخ من محاضرات يتداولها الشباب على شكل تسجيلات وفيديوهات عبر الأنترنت. أما التونسي بن حسن فيرى أن فئة الشباب المسلم والمتطرف جاهل بالدين ولهم رؤية ضيقة ومتهورون.
هذا ما قاله جمال أحجاج وأفصح عنه أما المخفي أو المغيب عن قصد في الكتاب فهو سؤال العقيدة السلفية ودورها في خلق التطرف؟ وبشكل ملموس لم يحدثنا جمال أحجاج كيف أن عقيدة التوحيد والكفر بالطاغوت تعني في نهاية المطاف الكفر بالديموقراطية وأن عقيدة “الحكم بما أنزل الله” تعني رفض التشريعات والقوانين التي تنص على المساواة بين البشر و نشر ثقافة ومنظومة حقوق الإنسان الكونية، وكيف أن عقيدة “الولاء والبراء” تعني نشر الكراهية ورفض الآخر وإقصاء ونبذ كل من ليس مسلما، وأن عقيدة “الطائفة المنصورة” هي تكريس للطائفية ونبذ للإجماع البشري القائم على التعاقد الحر، وأن عقيدة “عالمية الإسلام” هي إعلان للحرب ضد البشرية أو مايسمى بدار الكفر. والمعروف أن السلفيين والجهاديين يتقاسمون الإيمان والعمل بهذه المعتقدات.
أجل، لا يفسر لنا جمال أحجاج كيف أن تغلغل الفكر السلفي في أوساط الشباب الهولندي من اصول ريفية امازيغية وجنسات أخرى قد غير السلوك الديني المتسامح لهؤلاء الذي ورثوه من ثقافات اجدادهم، ثقافات مجدت القيم الانسانية الراقية، وبالتالي دفعهم إلى العزلة والإبتعاد عن المجتمع الهولندي باعتباره مجتمعا كافرا، بل من الشباب الريفيين/المغاربة الذين تلقوا تكوينهم الديني في مؤسسة السنة في لاهاي خلال السنوات الخمس عشر الماضية من تطرّف وأصبح عضوا في شبكات إرهابية بل التحق بالقتال في سوريا أو العراق .
لقد فضل أحجاج أن يسوق لنا أطروحات الباحثين الهولنديين القائمة على علوم الإجتماع والإجرام والسياسة والتي لا باع له فيها عوض أن يحدثنا عما يفقه فيه من معتقدات سلفية يعلمها ويفرخها يوميا وسط الأبناء الريفيين الأمازيغ لكي يستوحوا منها أفكارهم وسلوكهم ومعاملاتهم تجاه المواطنين والمجتمع ومؤسساته، تلك المنظومة المؤسساتية اللادينية التي تلتزم الحياد الايجابي والبناء تجاه مختلف الأديان والثقافات، وعملا من البند الأول من الدستور الهولندي.
فعندما يلقن جمال أحجاج الأطفال والشباب الريفي ما مفاده “أنه يجب عليهم عدم مشاركة الهولنديين في حفلاتهم وأعيادهم ويمنع تهنئتهم بأفراحهم من باب عدم التشبه بالكفار والولاء لهم والذي تقضي به عقيدة الولاء والبراء”، فإنه يزرع الكراهية والحقد. وعندما يبين في خطبه ودروسه أن الإختلاط بين الأطفال في المدارس وفي الأماكن العامة نقيض وصايا السلف الصالح، فإنه يكوّن شخصية معقدة لدى مريديه ومرتادي مجامعه اساسها عدم تقبل المساواة بين الجنسين ولا المشاركة الديموقراطية للنساء في المجتمع الهولندي، وعندما يقر في كتابه أيضا أن الغرب يشن حربا ضد المسلمين وأن الدولة ووسائل الإعلام الهولندية تكيل بمكيالين وهم المسؤولون عن شقاء المسلمين وويلاتهم ألا يتبنى كليا أو جزئيا أطروحات قاعدة الجهاد ودولة الخلافة؟
أجل، إن فئة الشباب الهولنديين من أصول ثقافية اخرى لا يستطيعون التمييز بين الأصل والمشتق وبين ما هو أصلي وما هو نسخة ، إذ ما الذي يميز حديث أيمن الظواهري أو أبو محمد العدناني عن عقيدة الكفر بالطاغوت أو الأخوة الإيمانية عن أقوال الشيخ عبد العزيز بن باز أو صالح العثيمين أو عبد الله بن أحمد الحويل ؟ إن المرجعية الأساسية واحدة وهي مشتركة بين السلفية العلمية والسياسية والجهادية ولا تختلف إلا في الولاء لولاة الأمر وجواز استعمال العنف في الزمان والمكان .
وبجانب هذا، هناك وجه آخر للرؤية الإسلامية التي يقدمها لنا جمال أحجاج على لسان السلفيين الذين يستشهد بهم . فهذا الشيخ الكويتي طارق الطواري يناهض السلفية المدخلية أو الجامية الموالية للأنظمة العربية القائمة التي تدعو إلى عدم الخروج على الحكام ويعتبرها صنيعة للاستخبارات ووزارة الداخلية من أجل ضرب التيار الإصلاحي. وقد شن في هذا السياق هجوما حاقدا منقطع النظير على الشيخ الكويتي عبد الله السبت الذي يتقاسم معه نفس معتقدات الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك . فما بالنا بمن يخالفه في معتقداته بالمرة ؟ . والمعروف عن طارق الطواري أيضا أنه من دعاة رفض الديموقراطية باعتبارها تبديلا للشريعة وعقيدة ودين يناقض الإسلام.
أليس طارق الطواري هو الذي يدعو إلى الجهاد ويعتز بعودته إلى الأمة في مصر وتونس والمغرب وجميع الدول “العربية والإسلامية” لتطيح رؤوس الظلمة ويعتبر أن حب الجهاد هو الذي يحرك مجاميع الشباب وهو ما يشكل خوفا ورعبا للغرب؟. ولقد ربط طارق الطواري القول بالعمل وساهم الطواري بصفته عضوا برابطة علماء المسلمين ورابطة علماء الخليج في سنة 2013 تجهيز 12 ألف إرهابي وحملة النفير لدعم مقاتلي مجموعات جهادية مسلحة مثل جبهة النصرة وكتائب أحرار الشام . وأخيرا وليس آخرا فإن طارق الطواري يعارض كل مشاركة للمرأة في الحياة السياسية وأفتى بأنه لا يجوز لها أن تشغل منصب النيابة عن الشعب وتمثليه في المجالس الديموقراطية . ويجب عليها في نظره أن تتفرغ لمهامها في إعداد الأسرة وتخريج جيل قوي . أما فيما يخص كراهية اليهود والشيعة فحدث ولا حرج حيث أن لطارق الطواري في هذا الموضوع خطب كثيرة .
جمال أحجاج يوظف بالخصوص أطروحات الباحثين وبعض المؤسسات الهولندية ذات الطابع الموضوعي في تشخيص الداء، مقابلها يقدم لنا سموم الفكر السلفي والجهادي كدواء
هذا هو الشيخ المرجع الذي يستوحي منه أحجاج فكره وخطبه التي يلقيها على الشباب ومريديه ويحيلنا إليها من أجل محاربة التطرف . ومن وراء كل هذا يقترح جمال أحجاج أن تجعل السلطات الهولندية الأئمة والمراكز السلفية مخاطبا لها وشريكا في محاربة التطرف، عن طريق ما اسميه بالسلفيتامول.
إن جمال أحجاج وهو يحيلنا على طارق الطواري يكشف عن أوراقه السياسية وارتباطاته التنظيمية والمالية بالتيار السلفي السياسي المعروف بالسرورية . وقد اخترق هذا التيار الريفيين عبر العالم منذ السنوات التسعين من القرن الماضي واستحوذ على مجمل المنظومة والبنية اللوجيستيكية للمساجد والمؤسسات الدينية، وجعلها ملحقات وظيفية خاضعة لمراكز إسلامية سلفية تمول وتسير عن بعد من مشايخ دول مشرقية. وينطبق هذا أيضا على مركز السنة الذي يسيره جمال أحجاج الآن والذي أسسه شيخه السوري الأصل فواز جنيد المعروف بتطرفه . ويسيطر هذا التيار على قسط وافر من البنية التحتية المرتبطة بالشأن الديني بشكل عام في هولندا ويتحكم أيضا في السلفية الريفية المنتظمة حول موقع الانترنت “إسلامينو” .
وخلاصة القول أن جمال أحجاج يوظف بالخصوص أطروحات الباحثين وبعض المؤسسات الهولندية ذات الطابع الموضوعي في تشخيص الداء، مقابلها يقدم لنا سموم الفكر السلفي والجهادي كدواء. أما كونه يطالب السلطات بأن يكون شريكا في محاربة التطرف فكل ما يمكن أن يقال عنه أنه من باب السذاجة أو الاستخفاف بالآخرين، ما دام هو طرفا شخصيا في مجمل المنظومة السلفية التي تنتج التطرف ولا يبذل اي جهد ولا يجرؤ على اتخاذ موقف منها والكشف عن مبتغى وحقيقة مشروعه السلفي. وفي هذا التنصل من توضيح الرؤية واتخاذ الموقف الواضح من مجمل القضايا المجتمعية المتعلقة بدوره الشخصي وغيره في نشر ثقافة الكراهية والتطرف، خرق واضح لأبسط قواعد ممارسة الجدال حول قضايا المجتمع الديموقراطية المتعارف عليها بهولند، لذلك فالمدخل الاساسي وقبل مطالبته لطرح “السلفيتامول” مقابل “الباراسيتامول” الهولندية في مجال محاربة التطرف فعليه أولا وقبل كل شيء الكشف عن أوراقه وعدم التهرب من مساءلة الفاعلين الأساسيين في انتاج التطرف بدعوى الأخوة الإيمانية، للتذكير جل اللقاءات العامة داخل وخارج مؤسسة السنة يمنع خلالها جمال أحجاج التصوير، لذلك فمن الغرابة أن لا نجد اية صورة عبر الانترنت لهذا الشويخ السلفي، امر يحيلنا مباشرة الى ممارسات زعيم طالبان الأفغانية “الملا عمر”.
في لقاء عابر جمعني مؤخرا مع سيدة ريفية في عقدها السابع كانت سابقا تتردد على مجامع أحجاج تقول: “يابني الدين أخذه صاحبه ولم يبقى الا تجاره وسماسرته..!” وحين الححت على توضيح مبتغاها قالت: “انهم يبيعون كتاب الله كما يبيعون خيزو”. لاحقا فهمت من خلال مسؤولين بمساجد مغربية بلاهاي ان الترجمة الهولندية من القرآن الموقعة باسم ابو اسماعيل وتلامذته، اي جمال أحجاج ومريديه قد مولتها جهات كويتية كي تكون بالمجان في متناول الهولنديين والمسلمين بشكل عام، الا ان شركة السنة للخدمات السلفية ارتأت أن تبيع ” القرآن” بأكثر من 20 أورو للنسخة، هنا تفهمت مغزى تصريح السيدة الريفية.
“لا أرى في هذا الوجود إلا الحرية، وكل ما سواها باطل”، كلام وجيه للرئيس وللختم به، تأسس على انقاض المعانات والانكسارات المتتالية، التي لازمت التراجيديا الريفية على امتداد العقود الماضية، لم يعمل الشويخ التقليدي يوما الى جانب فعل الحرية، لذلك وفي الحالة الهولندية يمثل أمثال أحجاج وغيره الخصم الأول لقيم الحرية والعدالة ولمجمل القيم الانسانية السمحاء التي تساوي بين البشر وتنبذ العنف والتطرف اينما وجد.
وكما يقول المثل الفرنسي فهذا “الشيخ” يريد “الزبدة” وثمنها، أي يريد أن يبقى داعية للتطرف، لأن هذا هو مصدر “استرزاقه”، وفي نفس الوقت يقدم نفسه “مستشارا” لمحاربته ومن أجل هذا يلعب ورقة “ابتزازه”!
لاهاي في 22-6-2016