أتذكر أنه عندما كنا أطفالا مستهل تسعينيات القرن الماضي لم تكن لنا حاويات عصرية للازبال، بل كانت مطارح تتحول في الغالب إلى مراعي للغنم والأبقار والدواجن بل مصدر رزق لكثير من الأسر المعوزة. ولا أزال أتذكر أنه عندما تقترب الانتخابات كانت تحوم حولنا حوامات ترشنا بالمبيدات من فوق ونحن نيام، أو يمر رجال وعلى ظهورهم قنينات تشبه ما يستعمله اليوم الفلاح في رش الأسمدة . ونحن صغار نركض وراءهم مستغربين مستمتعين بما يعملون . لم نكن نعرف لماذا يفعلون ذلك، لم يكن يهمنا، حتى كبرنا وعلمنا أنهم كانوا يريدوننا أن نبقى أحياءا إذ كانوا ينظرون إلينا كثلة انتخابية تستحق العناية والبقاء . فبعد مرور عقدين وما يزيد إلى اليوم ربما لم تعد لهم بنا حاجة فأرادوا إبادتنا بالمرة لتخل لهم هذه البلاد يبيعونها بالتقسيط، لقد أصبحنا عبئا لا يطاق.

عندما سمعت خبر استيراد النفايات الايطالية  تذكرت أيضا أن رئيس جماعة لنا سابق كان يقوم بعقد صفقات مشابهة لتحويل تراب جماعتنا لمطارح لأزبال العمالات المجاورة مقابل مبالغ محترمة يوزعها علينا بالتساوي ، لقد كان شخصا حكيما نفعنا الله ببركته .

في البداية لم أصدق الخبر وتريثت كما هي عادتي، خاصة وأن حملة” زيرو ميكا” على أشدها وقد اشترت أمي ما هو كاف من “الحاويات’ لتحملهم معها إلى السوق بدل الميكا التي ” خنقتهم” . إلى أن طلع علينا بيان الوزارة المكلفة التي طمأنتنا بأنه لا داعي للقلق فالنفايات ليست ضارة. وأنا بحكم اشتغالي بالمنطق فهمت بأنها ليست ضارة أي أنها نافعة. فـ 118مليون أورو حقا نافعة لهم مادمنا نحن أصلا سنموت سنموت. والله خير حافظا وهو أحكم الحاكمين .

لقد أخبرني أحد أصدقائي المتخصصين في علوم الدخان أن الضرر الذي يصدر عن حرق تلك الأطنان من النفايات بالطرق العادية يعادل ما استهلكه المغاربة من الميكا مذ وهبنا الله نعمة الاستقلال عن فرنسا، فهي تحتوي مواد سامة جدا منها ما استعمله الألمان ضد الحلفاء في الحرب الكونية الثانية .

وما زاد الطين بلة هو أن بلاغ الوزارة الذي أصاب عقلي بالشعت وزحزح مبادئ المنطق في رأسي التي عكفت على تعلمها سنين عددا قال إن النفايات ليست ضارة . فلم يكن لي بد إلا أن ارجع إلى أمي التي لم تدرس لا منطقا ولا فلسفة وحكيت لها القصة في قالب دارج فقالت لي: إذا لم تكن ضارة فلماذا لا يحرقها الطليان في بلادهم بدلا من دفع كل تلك الدولارات ؟…لقد صدقت أمي وكذبت الحكومة.

إن ما أقدمت عليه هذه الحكومة ذنب لا يغتفر. إنه لأمر مؤسف للغاية . فهذه الأرض المباركة التي سالت دماء أبنائها لقرون بين الفجاج وعلى الثغور يتم إبادة ساكنيها للحصول على دولارات، إنه أمر مؤسف للغاية . لقد أنثنت رائحة هؤلاء العصابات التي لم يعد يكفيها أن تسرق أموال المساكين بل تعدته إلى تحويل بلد أجدادهم إلى مطارح للنفايات .

لقد كان كافيا أن يزور واحد من هؤلاء الأباطرة تجار المآسي واحدا من المستشفيات الخاصة بمرضى السرطان والتنفس من الرجال والنساء والولدان ليعلم حجم الجرم الذي يريد أن يجنيه على الأجيال القادمة . إنه لأمر مؤسف للغاية أن يكون بيننا بل أن يحكمنا قوم من فصيلة الهوموهابيليس .

“حنا ماشي زبالة” ربما قالها كل مغربي وأحسها، ليس من فصيلة هؤلاء الذين يحكموننا والذين لم يدرسوا في مقرراتنا ولم يطلعوا على تاريخنا ولم يتحدثوا بلساننا ليعلموا تاريخ وطن كان يمتد إلى أدغال إفريقيا إلى قلب أوروبا اسمه المغرب الأقصى وليس مطرحا للنفايات…بصحتكم.