يحمل محمد بوهلال، المسؤول عن الجريمة النكراء التي ذهب ضحيتها عشرات الأبرياء مساء الخميس بمدينة نيس الفرنسية، (يحمل) لقبا عائليا يعكس الى حد ما سلوك الشاب وطبعه العنيف. هذا اللقب هو “الهويج” وهو تصغير دارج للـ “الهائج”. معلوم أن للتصغير أغراض عدة في اللغة العربية ومنها تقليل حجم المصغر أو التحقير من شأنه غير أن محمد خالف كل هذه القواعد عندما قرر استعادة صفة الهائج كاملة غير منقوصة وحول شاحنة الى أداة قتل اودت بأرواح بريئة خرجت للاحتفاء بـ”الاخاء، المساواة والحرية”. فمن يكون هذا الشاب التونسي البالغ من العمر 31 سنة؟ وهل يصنف فعله الاجرامي في خانة الارهاب؟

تقول معطيات المصالح الأمنية الفرنسية عن بوهلال، المولود يوم 31 يناير 1985 ببلدة “مساكن” قرب مدينة سوسة، أننا امام شاب جاء في إطار التجمع العائلي الى مدينة نيس، سنة 2005، بعد زواجه من شابة فرنسية من أصول تونسية ثم تمت تسوية وضعيته القانونية فوق التراب الفرنسي سنة بعد ذلك. وَلَدَ بوهلال صحبة زوجته ثلاثة أطفال، من بينهم رضيع رأى النور بعد افتراق الزوجين، واختار احتساء الجعة وكؤوس النبيذ في حانات شمال نيس بدل الدخول الى المسجد الصغير المجاور لمسكنه السابق والذي لم يضع فيه يوما لا قدمه ولا جبينه للصلاة. كان يلبس القاتل لباسا عصريا، سراويل جينز وأقمصة رياضية كما أن زوجته عصرية المظهر تضع تنورات خفيفة وتختار الخروج للتسوق برأس عار لا ثوب يغطيه.

غير أن “الهويج” كان دائم الهياج في علاقته بزوجته. يضربها، يسبها ويعنفها وهو ما دفع بها الى الافتراق عنه بعدما صبرت طويلا على ظلمه. محمد بوهلال الهويج كان عنيفا حتى خارج بيته بل كان لصا وقد أدين في أعمال تهديد وعنف وسطو بين سنتي 2010 و2016. يوم 24 مارس الماضي أدانته محكمة “نيس” بستة أشهر موقوفة التنفيذ بسبب العنف الذي استعمل فيه “بلانشة” كسلاح أبيض اعتدى به على أحد الاشخاص بعد خصام تافه ناتج عن حادثة سير بسيطة.

منذ 18 شهرا، غادرت الزوجة الطابق الثاني عشر حيث كانا يسكنان وطلبت الطلاق. فقد كان محمد يعنفها ويدق أبواب الجيران ليخبرهم انها لم تقم بغسل الأواني وبعد مغادرتها كان يحمل دب (لعبة) أحد الأبناء ويمزقه بآلة حادة كما ظهرت عليه أعراض أزمة نفسية بادية للعيان.

كان لابد من رسم بورتريه لمحمد الهويج بوهلال حتى تظهر شرعية السؤال التالي: هل نحن أمام جريمة إرهابية؟

الجواب قطعا لا وهذه هي الاسباب:

1 –  تتوخى الجريمة الإرهابية غايات سياسية عبر استهداف النظام السياسي في بلد ما أو اختياراته أو مجابهة  مجتمع ماقصد تغيير نمط عيشه وفرض الوصاية عليه انسجاما مع قناعات مذهبية، ورغبة في إنفاذ “حقيقة” عقدية والحال أننا امام شاب غير ملتزم دينيا يعاني من أعطاب نفسية نتيجة مشاكل عائلية ربما وله تاريخ “محترم” في الاجرام.

2 – يظهر أن الجريمة هنا فردية، لحدود الساعة على الأقل، وأن بوهلال ليست له ارتباطات بجماعات تمجد الارهاب أو شبكات جريمة منظمة كما أن بوهلال لم يكن ذئبا منفردا بل كان حملا تائها في غابة المشاكل النفسية والازمات العصبية دون مواكبة أو مساعدة من أحد.

صيف 2011 قام مسيحي متطرف اسمه انديرسبيهرينج بريفيك، بإلقاء قنبلة في مبنى حكومي بمدينة أوسلو النرويجية فمات 8 أشخاص على الفور قبل أن يتوجه برشاشه الاتوماتيكي الى مخيم صيفي تابع لحزب العمال فقتل 68 من الأطفال واليافعين. إنتظر الإعلام والساسة كثيرا قبل أن يصفوا العملية بالإرهابية مع أنها كانت، ومنذ البداية، جريمة إرهابية متكاملة الأركان.

في الاخير يصبح السؤال عن استسهال إلصاق صفة “الارهاب” لأي فعلي جرمي، عندما يقف وراءه مجرم من أصول مسلمة، (يصبح) سؤالا مؤرقا وملحا.